نوبل في علوم الاقتصاد ضد الديمقراطية الاجتماعية

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٧/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٠ ص
نوبل في علوم الاقتصاد ضد الديمقراطية الاجتماعية

أفنر أوفر
من بين النُخَب التي تدير المجتمع الحديث، لا يفوز بجائزة نوبل سوى أهل الاقتصاد، وقد أُعلِن للتو عن أحدث حائزيها، أوليفر هارت وبينجت هولمستروم. أيا كان السبب وراء مكانة الاقتصاديين الفريدة، فإن الهالة التي تمنحها الجائزة لحائزيها من الممكن أن تضفي المصداقية على سياسات تضر بالمصلحة العامة غالبا، على سبيل المثال من خلال توسيع فجوة التفاوت بين الناس وجعل وقوع الأزمات المالية أكثر ترجيحا.

ولكن الاقتصاد لا ينفرد بالميدان لنفسه بالكامل. فهناك منظور مختلف للعالم يوجه تخصيص نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي ــ لتشغيل الأيدي العاملة، والرعاية الصحية، والتعليم، ومعاشات التقاعد ــ في أغلب الدول المتقدمة. والواقع أن وجهة النظر هذه حول الكيفية التي ينبغي أن يُدار بها المجتمع ــ الديمقراطية الاجتماعية ــ ليست توجها سياسيا فحسب؛ بل هي أيضا طريقة للحكم.

يفترض الاقتصاد المعياري أن المجتمع يدفعه دوما أفراد أنانيون يتاجرون في السوق، وترتقي اختياراتهم إلى حالة فعّالة عن طريق «اليد الخفية». ولكن هذا المبدأ لا يستند إلى أساس قوي سواء من حيث النظرية أو الممارسة: فمقدمته المنطقية غير واقعية، والنماذج التي تدعمه متضاربة، والتوقعات التي ينتجها خاطئة غالبا.
كانت جائزة نوبل في علوم الاقتصاد هِبة من قِبَل البنك المركزي السويدي ريكسبانك في عام 1968. ولم يكن التوقيت من قبيل المصادفة. فقد نشأت الجائزة الجديدة من صراع طويل بين مصالح أولئك الذين هم أفضل أحوالا في بيئة تتسم باستقرار الأسعار ومصالح أي شخص آخر في الحد من انعدام الأمان عن طريق فرض الضرائب، والاستثمار الاجتماعي، والتحويلات. وكانت الأكاديمية السويدية للعلوم تمنح هذه الجائزة، ولكن السويد كانت أيضا ديمقراطية اجتماعية متقدمة.
خلال خمسينيات وستينيات القرن العشرين، اصطدم البنك المركزي السويدي مع الحكومة السويدية بشأن إدارة الائتمان. فكانت الحكومات المتعاقبة تعطي الأولوية لتشغيل العمالة والإسكان؛ وكان البنك المركزي السويدي بقيادة مُحافِظه الحازم بير أسبرينك قلقا بشأن التضخم. وكتعويض له عن القيود المفروضة على سلطته، سُمِح للبنك المركزي السويدي في نهاية المطاف بمنح جائزة نوبل في علوم الاقتصاد كمشروع زائف تافه بمناسبة الذكرى المئوية الثالثة لتأسيسه.
وداخل أكاديمية العلوم، استولت مجموعة من الاقتصاديين المنتمين إلى يمين الوسط على عملية اختيار الفائزين بالجائزة. وتألف الفائزون من عينة عالية الجودة من الباحثين في علوم الاقتصاد. ويشير تحليل نفوذهم، وميولهم، وانحيازاتهم إلى أن لجنة نوبل حافظت على مظهر النزاهة والعدالة من خلال إيجاد توازن صارم بين اليمين واليسار، وأنصار الشكليات والتجريبيين، ومدرسة شيكاغو ومدرسة جون ماينارد كينز. ولكن أبحاثنا تشير إلى أن خبراء الاقتصاد المحترفين؛ في عموم الأمر، أكثر ميلا نحو اليسار.
كان صانع الجائزة الأساسي الخبير الاقتصادي من جامعة ستوكهولم أسار ليندبك، الذي تحول بعيدا عن الديمقراطية الاجتماعية. خلال سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، تدخل ليندبك في الانتخابات السويدية، واحتج بنظرية الاقتصاد الجزئي ضد الديمقراطية الاجتماعية، وحذر من كارثة بفِعل ارتفاع الضرائب والتشغيل الكامل للعمالة. وقد حولت تدخلاته الانتباه بعيدا عن الخطأ السياسي الجسيم الذي ارتُكِب في ذلك الوقت: تحرير الائتمان الذي أدى إلى اندلاع أزمة مالية عميقة في التسعينيات وعَجَّل بالأزمة العالمية التي اندلعت في عام 2008.

أستاذ التاريخ الاقتصادي الفخري في جامعة أكسفورد،

وزميل كلية أول سولز.