احمد المرشد
لم يمر الأسبوع المنصرم كأي أسبوع آخر من العام، فقد مثل أهمية خاصة لمملكة البحرين، بمشاركتها في قمة التعاون الأسيوي التي استضافتها العاصمة التايلاندية بانكوك تحت شعار"أسيا واحدة..قوي متنوعة"، ولعل من هذا الشعار جاءت كلمة مملكة البحرين قوية ومعبرة للغاية، عكست قوة المملكة في المجتمع الدولي عموما وفي القارة الأسيوية التي ننتمي إليها بشكل خاص. نعلم أن صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء ترأس وفد البحرين ممثلا عن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسي آل خليفة عاهل البلاد المفدي..وقد كرس حضور سموه قوة خاصة للقمة الأسيوية الثانية، خصوصا كلمته التي ِشدد فيها علي ما يجب أن تفعله دول القارة لكي تنهض وتكون قوة عالمية حتي يكون شعار القمة حقيقة ماثلة أمامنا جميعا. وكلنا نعلم من هو خليفة بن سلمان وثقله السياسي وحنكته الاقتصادية التي حققت للبحرين هذة المكانة الرفيعة امام العالم فصاحب السمو الملكي رئس الوزراء هو مؤسس وباني الاقتصاد البحريني عبر اكثر من نصف قرن ومن هنا تأتي اهمية مشاركة البحرين في هذا المنتدي الهام والثقل الذي يمثله صاحب السموالامير خليفة بن سلمان آلِ خليفة كأهم المنظرين الاقتصاديين في العالم لماتمثله خبرته وحنكته السياسية والاقتصادية
لقد عكست كلمة المملكة مواقفها السياسية والاقتصادية، وقد نبدأ بالشق السياسي الذي عبر عن المخاوف التي تنتاب كل دول العالم وليس الأسيوية فقط من القانون الأمريكي المخالف للمواثيق الدولية " العدالة ضد الإرهاب" أو المعروف باسم "قانون جاستا" . فقد شدد صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان علي أن سن مثل هذه القوانين – المحلية - من شأنها أن تخل بالسيادة والحصانة للدول مما يتطلب أن نتعاون جميعا لضمان أمن واستقرار دولنا ، ليس هذا فقط، ولكن لأن سن قوانين محلية ومحاولة بعض الدول فرضها عالميا من شأنه الإخلال بتدشين اقتصاد قوي داخل كل دولة ليس فقط من بلدان القارة أسيوية ولكن علي مستوي العالم كله، لأن من المعروف سلفا أن قانون جاستا الذي كما ذكرنا مخالف للمواثيق والأعراف الدولية سيعيق إقامة اقتصاد قوي يحقق التنمية الشـاملة داخل كل بلد.
لقد كانت كلمة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان بداية لكل الدول المشاركة في القمة الأسيوية لإعلان مواقفها هي الأخري بشأن "قانون جاستا"، فلنا أن نعلم أن عادل الجبير وزير خارجية المملكة العربية السعودية الشقيقة رئيس وفد بلاده للقمة، شدد على الأهمية التي يوليها القانون الدولي لمبدأ سيادة الدول وحصانتها من الخضوع للقضاء الوطني لأي دولة٬ في إشارة إلى رفض بلاده للقانون المذكور، خاصة وأن تبني أي تشريعات أحادية – محلية - تقوض هذا المبدأ ويعد انتهاكا واضحا لمبادئ القانون الدولي. ثم ماذا تكون النتيجة؟.. فوضي عارمة في المجتمع الدولي ، لأن تطبيقه سيدفع دولا أخري لتبني نفس المنهج.
وكان للكويت موقفا مشرفا أيضا، حينما اتفقت مع ما أعلنته البحرين، فهذا الموقف المتميز جاء علي لسان حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح امير دولة الكويت الشقيقة أمام القمة :" اننا مطالبون بالدفاع عن المواثيق والأعراف الدولية التي تحكم عالمنا والتي جاء قانون العدالة في مواجهة الإرهاب (جاستا) والذي أقر مؤخرا في الولايات المتحدة الأمريكية ليشكل خرقا لها وإخلالا بقواعدها واضرارا بمصالحنا جميعا".
ودخلت الصين علي خط الاعتراض لتتفق رؤيتها مع ما أبداه صاحب السمو الملكي الأميررئيس الوزراء خليفة بن سلمان في كلمته المهمة وتحذيره من خلالها من مغبة انتهاك مبادئ القانون الدولي، حيث طالبت بكين بضرورة احترام مبادئ العلاقات الدولية بما فيها مبادئ المساواة في سيادة الدول خلال التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب٬. وقالت صراحة :"يجب ألا توضع أي قوانين محلية لدولة فوق القانون الدولي٬ ويجب ألا يربط الإرهاب بأي دولة أو دين أو عرق بعينه".
ربما نعترف بأن الجزء السياسي في كلمة البحرين بقمة التعاون الأسيوي كان له نصيب كبير من التعليق ، وإن كان هذا لطبيعة الأزمة التي سيواجهها العالم إذا تمادت الولايات المتحدة وحاولت حقا تطبيق هذا القانون، فالكل سيعاني منه، دولا وقارات، ولهذا شدد الأمير خليفة بن سلمان في كلمته علي رفض مثل هذه القوانين.. ومن هنا نستكمل تحليل بقية كلمة البحرين التي نستلخص منها حقائق مهمة حيث ركزت علي الاقتصاد وكيفية الاستفادة من موارد القارة الضخمة، فكانت الكلمة بحق عبارة عن إرشادات لما يجب أن يفعله قادة أسيا، ومن هذه الحقائق:
• تتمتع القارة الآسيوية بموارد ضخمة ومتنوعه، يجعلها جديرة بأن تلعب دورا أكبر على الساحة الدولية في كافة المجالات السياسية والاقتصادية.
• الاقتصاد العالمي يواجه من حين لآخر أزمات بصور وأشكال مختلفة ، الأمر الذي يستدعي من دول القارة المزيد من التنسيق واتخاذ التدابير المسبقة للتخفيف من أضرارها السلبية على الدول.
• أهمية التعاون على المستوى الإقليمي بين التكتلات والمجموعات الاقتصادية القائمة ، وهنا أشار صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء الي مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الأمر الذي ينعكس إيجابا على دول وشعوب المنطقة في حاضرها ومستقبلها.
• ضرورة أن تسهم القمة في تحقيق الأهداف التي انعقدت من أجلها ، وبما يلبي طموحات ومصلحة دول وشعوب القارة، مثل تطوير المجتمع الآسيوي ليقوم على المعرفة..وتحويل القارة الآسيوية إلى تكتل قادر على الاسهام والتواصل مع بقية دول العالم بما يحقق نموها وتطورها وازدهارها.
• انعقاد القمة في أعقاب قمة الأمم المتحدة التي اعتمدت الأهداف الإنمائية للتنمية المستدامة ، يتطلب تحقيق وجود الأمن والاستقرار، وهما الركيزتان الأساسيتان لإيجاد اقتصاد قوي ومتين وعدم التأثير سلبا على هذه الجهود.
• التأكيد على أن مملكة البحرين ستظل تساهم بفعالية من أجل بلوغ أهداف حوار التعاون الآسيوي، و أن يحقق الاجتماع تطلعات دول وشعوب المنتدى من تعاون مثمر في جميع المجالات.
ومن نافلة القول التأكيد علي انعقاد قمة التعاون الأسيوي انها عقدت في ظل ظروف وتحديات صعبة تحيط بالكثير من دول العالم ، وبالتالي يكون الموقف صعبا أيضا علي دول القارة الأسيوية رغم امتلاكها الكثير من المقومات التنموية والبشرية التي تمكنها من تجاوز الصعوبات .. ثم وهذا هو الأهم، أن العمل الآسيوي المشترك لا زال دون مستوى الآمال والتطلعات ولا يعكس أهمية محيطه الآسيوي بحدوده المترامية وحجمه البشري. وقد يتطلب هذا من دول القارة كافة، العمل الجماعي لمواجهة التحديات الجسمية والأخطار التي تواجه دولها وشعوبها، ومنها الحروب المدمرة والفقر وتدني مستوى الرعاية الصحية والأمية والمشاكل البيئية والنمو السكاني.
احمد المرشد
كاتب ومحلل سياسي بحريني
amurshed2030@gmail.com