أين ضمير العالم لما يحدث في حلب؟

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٦/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٠ ص
أين ضمير العالم لما يحدث في حلب؟

ناتالي نوجايريد

شهدت لندن في الاشهر الأخيرة مظاهرات عديدة مرتبطة بالشؤون الخارجية، إلا أن هذه المظاهرات تكاد تغض الطرف تماما عن الأزمة الكارثية في حلب. فقد رأينا تجمع حشود أمام السفارة الفرنسية للإعتراض والسخرية من حظر البوركيني على شاطئ الريفييرا، وفي شهر يونيو شارك آلاف من المواطنين في "مسيرة من أجل أوروبا" كما تجمعت حشود الشهر الماضي لدعم اللاجئين، وجميعها قضايا جديرة بالاهتمام، ولكن ماذا عن الأزمة في سوريا؟ لا شيء تقريبا. ولا يقتصر الأمر على لندن وحسب بل أيضا باريس وبرلين ومدريد وروما. وربما كانت بروكسل هي التي شهدت مؤخرا مظاهرات في ساحة شومان تحت شعار "أنقذوا حلب". إلا أن احتجاجات الشارع التي تندد بمحنة حلب تقتصر على مجموعات صغيرة، وفي كثير من الأحيان تضم بعض السوريين المهاجرين أو الناشطين في مجال حقوق الإنسان.
ولكن أين الفنانون والنقابيون والمثقفون والسياسيون ممن كان لهم في الماضي دور في تنظيم حركات مناهضة للحروب، والذين غاب نشاطهم الآن في دعوة وتحفيز الجمهور على المطالبة بإنهاء المذابح التي تشهدها سوريا؟
ربما يكون الأمر أن أحاسيسنا قد أصابها الخدر واصبحت الأخبار المروعة التي تتوالى علينا، مثل قتل 100 طفل قبل أيام في حلب جراء الغارات الجوية، لا تؤثر فينا كثيرا.
ربما تكون الأزمة السورية قضية معقدة للغاية، ولكن ما هي الصعوبة في رفع الصوت بالقول أن المدنيين يجب أن توفر لهم الحماية؟ وما هي الصعوبة في شجب أفعال هؤلاء الذين يلقون بكميات لا حصر لها من المتفجرات على الأحياء والمستشفيات؟
نعم الحكومات الغربية تنتقد روسيا وبشار الأسد، والأمم المتحدة ودبلوماسيون يشبهون ما يحدث في حلب بما جرى في جرنيكا وسربرنيتشا. ولكن هل التصريحات الرسمية تقلل من أهمية التعبير عن الغضب الشعبي؟ ألا تستحق القيم الإنسانية الأساسية وقفة ضد الفظائع التي ترتكب أو حتى لإظهار التضامن؟
وهل يمكن أن يكون الأمر أن الدعاية التي تقوم بها روسيا والحكومة السورية قد جعلتنا نتشكك ما إذا كان ما يفعلونه هو بالفعل خرقا للقانون الدولي؟ هل بدأنا نعتقد أن عمليات القصف والتدمير الشامل هي حقا لمكافحة الإرهاب؟
لفهم ما يحدث في حلب، ربما يكون من المفيد أن نقرأ عما حدث في جروزني في شتاء 1999-2000، وهي العملية التي تستحضرها القوات الروسية الآن وهي تنفذ غارات جوية على شرق حلب. لقد شاركت مع صحفيين في تغطية الحرب في القوقاز وأرى أوجه تشابه كبيرة. فقد كانت خطة موسكو لإخراج 7 آلاف من المسلحين الشيشان من جروزني، المدينة التي كان يقطنها 250 ألف نسمة، هي قصف المكان كله وإزالته من الخريطة. وهناك شرائط مصورة وصور لجروزني عام 2000 على شبكة الانترنت لمن يريد المشاهدة. إنها حرب إفناء شامل لا يوجد نظير لها في أي من تدخلات الغرب. كان الهدف من قصف جروزني هو تفريغ المدينة من أهلها، إما عن طريق قتلهم أو جعلهم لاجئين، ووعد الجيش الروسي بممرات آمنة في نقطة واحدة، ولكن تلك الوعود لم تكن سوى مجرد كلمات، وإن شئت الدقة فهي شرك وفخاخ، فالعائلات التي حاولت الفرار تم استهدافها أيضا. وقد اقترح نظام الأسد إنشاء ممرات مماثلة في حلب، وأن أي شخص يبقى ولا يستسلم سيواجه مصيره المحتوم. وما حدث أن جروزني تم تطويقها تماما ثم سويت بالأرض بأكملها بينما كان بداخليها 50 ألف شخص محاصرين في الداخل يعانون البرد والجوع في الأقبية والأنفاق.
وبعد ذلك تحركت القوات البرية الروسية لتنفذ فظائع جماعية وتطلق النار على رؤوس الناجين وتغتصب النساء في عمليات تطهير شريرة خلفت دمارا بشريا كبيرا وخاصة في منطقة نوفي ألدي، حيث شاهدت بعيني آثار جرائم الحرب هذه. كانت مراكز التعذيب التي يديرها الجيش الروسي ممتلئة، وقاموا بحفر قبور جماعية حتى لا يتم العثور على الجثث. والآن فإن روسيا والأسد يريدان تكرار الأساليب التي حدثت في جروزني.
ويتردد في الغرب كثيرا الآن أنه لا يوجد حل عسكري في سوريا، بيد أن الحل العسكري هو ما تهدف اليه موسكو والنظام في دمشق في الوقت الراهن، بذبح المدنيين وايجاد فراغ ثم الحديث عن "التهدئة".
لا أقول أن المظاهرات في لندن أو باريس ستوقف الطغاة، ولكن تنظيم مثل تلك الاحتجاجات ربما يجعلنا نشعر بقدر أقل من العار عندما نتذكر هذه الأحداث في المستقبل. في عام 2000 خرج متظاهرون في لندن للتنديد بالمذبحة التي ارتكبها الروس في الشيشان، فلماذا نتقاعس اليوم عن رفع الصوت بالاحتجاج لما يحدث للمدنيين في سوريا؟

كاتبة مقال رأي بصحيفة الجارديان