ترودي روبين
انضمت لجنة جائزة نوبل لباقي العالم في خذلان الشعب السوري – وذلك بعدم منحها جائزة نوبل للسلام للمجموعة التي تستحقها أكثر من غيرها.
لقد كانت هذه هي اللحظة المناسبة لمنح الجائزة لمتطوعي "الخوذ البيضاء"، وهي مجموعة مكونة من نحو ثلاثة آلاف متطوع سوري يسارعون في إنقاذ ضحايا الغارات الجوية الحكومية والروسية. وفي الوقت الذي يبدي فيه القادة الغربيون مشاعر القلق دون أن يتحرك لهم ساكن وهم يرون موجات البراميل المتفجرة تدمر عن عمد المستشفيات وقوافل المساعدات في حلب، يقوم متطوعو "الخوذ البيضاء" بسحب الناجين من تحت الأنقاض، وقد أنقذوا أكثر من ستين ألف مدني بينما فقدوا هم مئات من أفرادهم.
وفي نفس اللحظة التي أعلنت فيها لجنة نوبل رئيس كولومبيا فائزا بالجائزة، كانت الطائرات السورية (أو الروسية) تقصف مقرات "الخوذ البيضاء" في حلب.
صحيح أن الفائز بالجائزة، جون مانويل سانتوس، قد تفاوض على اتفاق سلام مع مقاتلي القوات المسلحة الثورية الكولومبية (على الرغم من أنه تم رفض الاتفاق في استفتاء شعبي)، ولكن عمل أصحاب الخوذ البيضاء له أهمية عالمية أكبر. ومنحهم الجائزة كان من شأنه أن يدحض الرسالة التي يرسلها يوميا الرئيسان السوري بشار الأسد والروسي فلاديمير بوتين، التي مفادها أن العالم قد دخل عصرا تستطيع فيه الأنظمة ارتكاب جرائم الحرب الشنيعة مع الإفلات من أي عقاب، جرائم مصورة بالفيديو ومنشورة على اليوتيوب، لأن باقي العالم لا يهتم.
وعلى الطرف الآخر من الطيف الأخلاقي يقع شعار منظمة الخوذ البيضاء: "من ينقذ حياة بشرية واحدة، ينقذ البشرية جمعاء".
ولكي تفهم شجاعة أعضاء هذه المجموعة، ما عليك سوى أن تلقي نظرة على فيلم "الخوذ البيضاء" على نيتفليكس، فهو يبدأ مع شاب عامل بناء سابق جميل الوجه يدعى خالد فرح وهو يقول وداعا لابنته الطفلة أمل، وهو يمسك بخوذته ويندفع للقاء زملائه المتطوعين. ومع وجود طائرة تزأر فوق رؤوسهم، يسرع خالد نحو المذبحة، ويصيح: "هل هناك أحد يحتاج إلى إنقاذ؟"
وتأتي لحظة فرح في الفيلم عندما يستخرج خالد وزملاؤه، الذين عملوا لمدة 16 ساعة متواصلة، رضيعا عمره شهر واحد على قيد الحياة من تحت أنقاض مبنى سكني.
في أواخر الشهر الفائت، قال رائد صالح، مؤسس جماعة الخوذ البيضاء، لمجلس الأطلسي في واشنطن كيف تشكلت المجموعة عام 2013 بعد أن بدأ بشار الأسد في استخدام البراميل المتفجرة وتذكر صالح حديثه أمام مجلس الأمن منذ 18 شهرا عندما تم إصدار قرار يدين استخدام البراميل المتفجرة. وبعد ذلك بستة أشهر، تحدث أحد زملائه أمام مجلس الأمن عن استخدام النظام المستمر لقنابل الكلور، متسائلا: "هل من الممكن حقا أن نتحدث مرة أخرى في غضون ستة أشهر عن قنابل الأقبية؟"، مشيرا بذلك إلى أسلحة يتم استخدامها ضد المدنيين الذين يلجؤون إلى الأقبية.
وأضاف قائلا إن اليوم في شرق حلب هناك 275,000 مدني يعيشون تحت الحصار ولا يحصلون على غذاء ولا ماء ولا كهرباء، "ينتظرون موتهم". وفي الأسابيع الأخيرة، دمرت طائرات النظام والطائرات الروسية معظم المستشفيات المتبقية في شرق حلب، ودمرت ثلاثة أرباع مراكز الخوذ البيضاء هناك.
وفي كثير من الأحيان تستدير القاذفات إلى الخلف لتستهدف أول المستجيبين، في خطوة قاتلة تسمى "النقر المزدوج". وبحسب صالح، قُتل مؤخرا الشاب خالد المتطوع وسيم الوجه الذي أنقذ الطفل في فيلم نيتفليكس. قال صالح: "هذه استراتيجية للحكومة السورية. إن مصير حلب سيكون تشريد أهلها جميعا".
من الواضح أن كلا من الأسد وبوتين لم يكونا أبدا مهتمين حقا بمبادرة وقف إطلاق النار التي عمل وزير الخارجية جون كيري للتفاوض عليها في سبتمبر، مع قليل جدا من النفوذ السياسي أو العسكري. لقد انتهى وقف إطلاق النار بعد أن قصفت الطائرات الروسية قافلة مساعدات تابعة للأمم المتحدة. يبدو أن هدف الأسد هو استعادة السيطرة على حلب بالكامل، حتى وإن كان ذلك يعني سحق المدينة القديمة وقتل الآلاف من الأبرياء.
يقول ستيفان دي ميستورا، المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا: "في مدة أقصاها شهرين، قد تصبح مدينة حلب الشرقية مدمرة بالكامل، ويقتل آلاف من المدنيين فيها"، وكان بإمكانه أن يضيف، ولكنه لم يفعل، "في الوقت الذي يقف فيه العالم متفرجا".
في هذا الوقت المتأخر، من الصعب أن نتخيل خطة سياسية معقولة من شأنها وقف ذبح السوريين في المدى القريب. ومن غير المرجح أن يغير الرئيس أوباما سياسته قبل مغادرته لمنصبه، تاركا لواشنطن تأثير محدود على موسكو. ولم تقل هيلاري كلينتون – التي كان لديها وهي وزيرة للخارجية توجهات صارمة أكثر من رئيسها بشأن سوريا – لم تقل شيئا كثيرا عن هذا الموضوع. وفي الأثناء، يمدح دونالد ترامب ويدافع عن بوتين (في حين يتناقض معه رفيقه في الانتخابات الرئاسية).
إذن ما الفرق الذي كان يمكن أن تصنعه لجنة نوبل؟
أولا، كانت هذه الجائزة يمكن أن تكون مكافأة لمجموعة باسلة تجسد معنى جائزة نوبل للسلام. فمن ناحية، الميدالية الذهبية للجائزة مكتوب عليها : "من أجل السلام والأخوة بين البشر". وهذا المبدأ قد جسده الشاب خالد الذي قال للناس الذين كان ينقذهم: "صغارا كانوا أو كبارا، أنا أعتبرهم جميعا عائلتي".
وثانيا، كانت هذه الجائزة ستكون مؤشرا على أن العالم لا يقبل بشكل سلبي أخلاقيات البراميل المتفجرة. وكان من شأنها أن تفضح الساسة الغربيين الذين فشلوا في وضع ما يكفي من الضغط على موسكو – وطهران – للتوصل إلى اتفاق سياسي في سوريا.
وكان من شأنها أيضا أن تعطي جماعة الخوذ البيضاء سببا للإيمان بأن العالم لم ينس المدنيين السوريين. قال صالح: "نحن بحاجة إلى وضع نهاية لأعمال القتل حتى لا يتحتم علينا مواصلة عملنا الذي يحيط به الدمار والإحباط".
إن النهاية لن تأتي قريبا، ولكن لجنة نوبل ضيعت فرصة تقديم بصيص من الأمل.
كاتبة عمود متخصصة في الشؤون الخارجية في صحيفة فيلادلفيا إنكوايرر