محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby
في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وأوائل تسعينياته، كنا حديثي عهد بالعمل الصحفي، ونستشرف ما هو متاح، وما هو ممنوع، وفي كل إلغاء لموضوع أو أسطر منه ندرك أن «الحذر واجب»، بما يفوق مفردة الحرية ونحن نسعى إليها للتعبير عن الرأي، فكان الرأي واحداً، ذلك الذي يتطابق مع وجهة النظر الرسمية، كون أن الصحيفة التي أعمل بها حكومية، ومن حق صاحب المال أن يحدد ما يريده من أفكار.
استعدت تلك المرحلة حيث أتجوّل بين ردهات المعرض المصاحب للمؤتمر الدولي الرابع الذي تنظمه هيئة المحفوظات والوثائق الوطنية بعنوان «عمان في الصحافة العالمية»، وفيه مراسلات توثق لمراحل شتى، ولا شك أن تلك الفترة، التي أشرت إليها كانت منها بعض الصفحات التي تعكس توثيقاً رسمياً أكثر من كونه لأفكار مرحلة كانت مهمة في عملية التنمية في تطلعاتها وتحدياتها ومشاكلها.
أوراق كثيرة تشي بخطوات مرّت قبل عقود، بينها ما يمثل لنا تاريخاً قديماً، وبعضها ما نراه قريباً من جيلنا كما نرى عناوين صحف مرحلة السبعينيات وما بعدها، لكن الأجمل هو ذلك التاريخ المحفور في الصحافة الأجنبية وهي تقرأ عمان، تاريخاً لا تنقشه آبار النفط، بل أظافر الإنسان وهي تنحت الصخر لتبني مجداً.
من البديهي أن يقدم المعرض نماذج قليلة جداً مقارنة بكم هائل أفرزته الصحافة المحلية في تلك الفترة، حتى وهي تغيّب وجهات النظر الأخرى، غير المتوافقة مع الرسمية، لكن في عصرنا الحالي هناك ما يمور في هذه الصحافة من أحداث، ستغدو ذات يوم وثائق يمكن الرجوع إليها لمعرفة ما حدث، ولماذا، وكيف؟ ومقارنته بزمن، ربما مختلف، عن زمننا هذا الذي نعيشه، فمن بين وثائق الماضي المعروضة من يجعلنا في دهشة، كما هو حال أجيال ستأتي بعدنا ستصاب حتماً بالدهشة، لما أحدثناه في زماننا، وزادت عليه حرية التعبير ما لا يحصى من تصاعد حالات الإدهاش.
في المقابل، فإن المعرض قدّم رسائل ترتبط بالصحافة ولا تشكّل عناوين على صفحاتها، فهناك رسالة من بعض أصحاب المجلات أو الصحف، وهم معروفون، إلى سلاطين يطلبون فيها صوراً لهم أو لأنجالهم لنشرها مع حدث قادم (زيارة على سبيل المثال) أو العون المادي لتستمر المطبوعة في الصدور، وهذا الطلب برسالة من شخصية فكرية معروفة جداً، لكن دلالة ذلك واضحة، وهو أن «المال» يحرّك رواكد الحبر، بحسن نيّة، أو بسوئها، وأكاد أجزم، لقناعة شخصية جداً، أن عمان لم تدفع إلا لدعم ليس من ورائه أية نوايا سيئة.
أعود إلى النقطة الأساسية، الصحافة كوثيقة، ليس على مستوى الأحداث، بل المستوى الحياتي أيضاً، فأية مرحلة يمكن معرفتها من خلال صحافتها التي تبقى، والوثائق المحفوظة وسهلة التداول هي الورقية، ممثلة بالمجلات والصحف، فهل نحن في مستوى هذا التوثيق المطلوب ليأتي باحث بعد عشرات السنين ويقرأ صحافتنا فيجد فيها ما يرى عبره راهننا، أرضاً وشعباً وقيادة ومدنيّة، فيضع ما يراه تحت مختبره النقدي، متوصلا إلى ما مضت به خطواتنا على درب الحضارة الحديثة؟!