قراءة في " مصلح على العرش"

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٢/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
قراءة في " مصلح على العرش"

أحمد بن الشيخ عبدالله الفضالة

يستهل المؤلف سيرجي بليخانوف في كتابه "مصلح على العرش" .. قابوس بن سعيد سلطان عمان
والذي ترجمه الى العربية خيري الضامن بمقدمة يقول فيها : في هذا الكتاب أركز على جمالية المؤسسات العمانية التي صمدت لامتحان الزمن، وعلى أصالة التقاليد الحضارية والثقافية المرتبطة بها. فهذا الجمال وتلك الأصالة إضافة الى الميول السياسية، من أهم العناصر المشجعة التي حفزتني على التعمق في تحليل التجربة العمانية الفريدة وتأويل خبرة السلطنة العصرية القيمة التي قدمت أكثر من دليل على حيويتها ومرونتها. والى ذلك ساعدتني المقابلات مع أبرز الشخصيات السياسية في عمان واللقاءات مع مثقفيها ومع عامة الناس على تكوين فكرة عامة مجسمة عن البلاد وقائدها."
كتاب "مصلح على العرش" جاء على امتداد 322 صفحة بدءا بالتمهيد التاريخي لنشأة السلطان منذ لحظات الميلاد في الثامن عشر من نوفمبر 1940م مع صورة للمناخ العالمي الذي كان سائداً آنذاك ، ويمتد الحديث عن "الانطباعات الأولية" التي صاحبت هذه النشأة والمؤثرات التي ساهمت في تشكيلها.
ثم ينتقل الى الحديث عن "مركزية عمان القديمة" من خلال سيرة السلطان مع السير في خريطة "عمان وانتشار الاسلام" مرورا بفترة التدخل الغربي من خلال الاشارة الى الاستعمار البرتغالي.
وعن "ميلاد السلالة" أخذ الكاتب مادته ابتداء من الامام أحمد بن سعيد البوسعيدي الأزدي، والذي بمجيئه تقدمت مسرح التاريخ العماني السلالة الخامسة الحاكمة في البلاد منذ صدر الاسلام.
ويتضح للقارئ أن السلطان قابوس موهوب بإحساس دافئ تجاه وطنه وشعبه منذ السنوات الأولى من حياته، مرتبط بهذا الشعب ارتباطاً وثيقاً تجلت معالم ذلك الارتباط مرصعاً باللقاءات العديدة عبر جولاته السنوية للقاء المواطنين والاستماع الى طلباتهم.
"لقد أعجب قابوس بالحكايات عن مختلف بقاع وطنه، فوجد فيها متعة لا تقل عما يجده في دروس التاريخ. كان يخاطب أبناء البادية والصيادين والباعة، وفي كل مرة يطلع على شيء جديد. ولاحظ الكبار مندهشين مدى الاهتمام الذي يبديه السلطان وهو ينصت حتى الى عابري السبيل في أثناء خروجه القليل من القصر".
ويشرق "الفجر الجديد" في 23 يوليو عام 1970م حيث انطلق السلطان الشاب لـ"معركة كسب القلوب" ثم يلتحم مع "اسرة الشعوب" حيث كانت العلاقات الدولية محط اهتمام السلطان قابوس. ومن الأولويات الرئيسية منذ أن خرجت عمان من عزلتها ، وفي خريف 1971م انتهت المرحلة الأولى من المجهود الدبلوماسي الرامي الى الاعتراف بعمان عضواً متكافئاً في أسرة المجتمع الدولي. ففي 29 سبتمبر قبلت عمان عضواً في جامعة الدول العربية وفي 7 أكتوبر انظمت السلطنة للأمم المتحدة.
ولعل من مآثر السلطان قابوس بن سعيد التاريخية حرصه الشديد على تقاليد البلاد وتراثها الثقافي في سياق تطبيق الاصلاحات. فهو يرى أن التعليم وتنوير الشعب الشرط الأول للنجاح وبدون بنية أساسية روحية لن تقوم الاصلاحات على قاعدة اجتماعية متينة.
ويستعرض المؤلف بعض أقوال السلطان القائد في مناسبات مختلفة، ففي حديث الى مجلة ميدل ايست في فبراير 1995م قال جلالته: "إن العالم يتضاءل وينكمش، وأنا واثق تماماً أن جميع البلدان يجب أن تسير وفق هذه القاعدة وتحاول أن تفهم بعضها البعض وتتعاون فيما بينها وتعمل جنباً الى جنب لخير البشرية جمعاء، ..... ويحق لعمان أن تعتبر نفسها أحد معاقل الحضارة الاسلامية على امتداد تاريخها، فإن تواصل وجودها يجيز لنا أن نتناول أحداث الحاضر من منظار ارتباط الأسباب والنتائج بأي قطاع زمني من الماضي الاسلامي العتيد. وما أقل بلدان الأرض التي تمتلك مثل هذا التراث الحضاري الثقافي التاريخي المتجانس."
ويقر السلطان قابوس بصحة القول المأثور: "إن التاريخ معلم الملوك".
وأكد السلطان قابوس في خطابه بمناسبة افتتاح المجلس الاستشاري للدولة - في 3/11/1981م -على سياسة الترابط الوثيق بين الحكومة والمواطن في الاضطلاع بمسؤوليات السلطان، وواجباته تجاه الوطن الحبيب، اشار جلالته قائلا: انه تأكيداً لهذا الترابط وتجسيداً لحرصنا على توسيع القاعدة الاستشارية وفقاً لمتطلبات مراحل التطور التي تعيشها البلاد، ووفقا لمبدأ أساسي التزمنا به دائماً ولن نحيد عنه أبداً، وهو أن تكون كل تجاربنا وكل أعمالنا نابعة من صميم واقعنا العماني، ومتوائمة مع القيم والتقاليد السائدة في مجتمعنا الاسلامي."
كما ويتطرق الكاتب لسياسة المصالحة التي طبقها قابوس بن سعيد والتي سحبت منذ بداية عهده البساط من تحت أقدام الذين كانوا يحلمون بالتغيير من خلال العنف. فقد حرمتهم النهضة المباركة التي أنجزها السلطان من أي دعم لهم أوسند في الوطن. حيث حقق العفو عن الخصوم السياسيين ونهج "عفا الله عما سلف" ما لا تستطيع تحقيقه أشد أنواع القسر والملاحقات.
جاء الكتاب فيستة عشر فصلاً على النحو التالي:-
خريف القلق.. الانطباعات الأولية.. مركزية عمان القديمة، عمان وانتشار الاسلام.. التدخل الغربي.. ميلاد السلالة.. المحافظة على التوازن.. كل ثروات الأرض.. بعيداً عن الوطن.. آثار السنين.. الفجر الجديد.. معركة كسب القلوب.. أسرة الشعوب.. النهضة.. من أجل المستقبل.. الأوركسترا وقائدها.
ولا شك أن قارئ الكتاب يستنتج انبهار المؤلف من "اللمسات الذوقية" التي تميز عمان وطناً، وقائدها قلباً وقالباً.
الكتاب جهد مقدّر يستحق ان يكون في مصاف اهم المراجع عن جلالة السلطان قابوس يحفظه الله .. باعتباره تحليلي ،و يحوي ذخيرة من المعلومات.إنه بحق جهد علمي بذله الباحث بإخلاص في توثيق حقبة من تاريخ السلطنة والسلطان بمهنية وأمانة.

المستشار بمكتب الامين العام لمجلس التعاون الخليجي