خفايا "البريكست" القاسي

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٢/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
خفايا "البريكست" القاسي

ياسك روستوفسكي

بعد أكثر من ثلاثة أشهر على خروج المملكة المتحدة من الإتحاد الأوروبي في يونيو فإن السياسات المتعلقة بالخروج البريطاني من الإتحاد الأوروبي "بريكست " هي الآن خارج السيطرة في المملكة المتحدة فلقد دخل في المعادلة عامل ثوري وغير معتاد في بريطانيا وكما أشارت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في خطابها القومي المتشدد في مؤتمر حزب المحافظين هذا الشهر فإن المملكة المتحدة تتجه لخروج بريطاني كامل من الإتحاد الأوروبي "بريكست قاسي".
إن النتيجة تتعارض مع الرأي العام البريطاني الذي ما يزال يتبنى موقفا معتدلا من مسألة الخروج الكامل من الإتحاد الأوروبي فطبقا لإستطلاع الرأي الذي أجراته هيئة الإذاعة البريطانية /كوم ريس فإن 66% من المشاركين إعتبروا أن " المحافظة على حرية الوصول للسوق الموحدة" سيصبح أكثر أهمية من تقييد حرية حركة الإفراد وفي إستطلاع للرأي أجرته أي سي م في الشهر نفسه فإن 10% من المشاركين فقط ذكروا أنهم يفضلون إنهاء حرية حركة الإفراد على المحافظة على حرية الوصول للسوق الموحدة كما رأى 30 % أن الإثنين مهمان بشكل متساوي كما أعطى 38% الأولوية للمحافظة على حرية الوصول للسوق الموحدة بشكل كامل .
إن هذه النتائج ستدهش فقط أولئك الذين يصدقون الطرح بإن الغرب يواجه ثورة على نطاق واسع معادية للإجانب وضد النخب فعلى الرغم من أن المعسكر المؤيد للخروج البريطاني من الإتحاد الأوروبي ضم العديد من أنصار بريكست قاسي والذين كان هدفهم الرئيسي إنهاء حرية الحركة للإفراد ، إلا أن ذلك المعسكر ضم كذلك أناس صدقوا بوريس جونسون العمدة السابق لمدينة لندن ووزير الخارجية البريطاني الحالي والذي وعد بإن المملكة المتحدة سوف تحتفظ بالكعكة وتأكلها في الوقت نفسه أي أنها لن تخسر أي شيء.
في واقع الأمر على الرغم من أن أعداد كبيرة من أنصار حملة الخروج البريطاني من الإتحاد الأوروبي كانوا من الناخبين البيض الذين ينتمون للطبقة العاملة فإن أنصار الخروج البريطاني من الطبقة المتوسطة المؤيدة للتجارة وأنصار بقاء بريطانيا في الإتحاد الأوروبي شكلوا غالبية الأشخاص الذين صوتوا في إستفتاء يونيو الفائت وفي ظل ظروف عادية يمكن للمرء أن يتوقع أن تعكس سياسة الحكومة ما تفضله الأغلبية وهو خروج غير كامل من الإتحاد الأوروبي "بريكست ناعم " ولكن عوضا عن ذلك ظهر الآن نمط ثوري كلاسيكي .
طبقا لإنصار الخروج البريطاني من الإتحاد الأوروبي فلقد أتخذ الناخبون قرارهم وأنه يتوجب على الحكومة أن تقدم للناس بريكست حقيقي ولكن طبقا لهولاء يتوجب على الحكومة التغلب على المعارضين مثل كبار الموظفين الحكوميين والغالبية المؤيدة للبقاء في الإتحاد الأوروبي ضمن مجلس العموم والذين يؤيدون بريكست شكلي أي نسخة غير حقيقية غير قادرة على تقديم فوائد البريكست الحقيقي .
طبقا لهذا الطرح الثوري فإن العناصر الأسوأ من التقاليد السياسية لإوروبا حلت مكان البراجماتية البريطانية فما تريده غالبية الناخبين البريطانيين يعتبر غير ذي صلة فمع وجود بريكست قاسي فإن بإمكان معسكر الخروج البريطاني من الإتحاد الأوروبي تجنب أن ينظر اليهم الناخبون كمتوسلين في المفاوضات مع الإتحاد الأوروبي علما أنه في نهاية المطاف سينظر اليهم كذلك بغض النظر عن إنكار تيريزا ماي لذلك .
سيكون للإتحاد الأوروبي اليد العليا في المفاوضات لسببين بسيطين أولهما أن خسارة المملكة المتحدة ستكون أكبر إقتصاديا فبينما إجمالي صادرات دول الإتحاد الأوروبي للمملكة المتحدة هي ضعف ما تصدره المملكة المتحدة لبقية دول الإتحاد ، إلا أن صادراتها للإتحاد الأوروبي هي أكبر بثلاثة أضعاف وذلك كحصة في الناتج المحلي الإجمالي للملكة المتحدة كما إن للمملكة المتحدة فائض خدمات وهو يهم بريطانيا أكثر بكثير من دول الإتحاد الأوروبي الأخرى.
ثانيا ، مثل إتفاقية الإتحاد الأوروبي الإقتصادية والتجارية الشاملة مع كندا فإن أي ترتيب يتم التفاوض عليه بين الإتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة يجب أن يكون هناك إجماع على قبوله من قبل جميع أعضاء الإتحاد الأوروبي وهكذا فإن المفاوضات لن تكون فعليا بين المملكة المتحدة والإتحاد الأوروبي بل بين الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة التي لن يكون لها حضور في تلك المحادثات يتوجب عليها بكل بساطة إما أن تقبل أو ترفض ما يعرضه عليها الإتحاد الأوروبي وهذا سيتم تطبيقه كذلك حتى لو سعت المملكة المتحدة للحصول على تريب معد مسبقا مثل عضوية المنطقة الإقتصادية الأوروبية أو الإتحاد الجمركي للإتحاد الأوروبي أو حاولت الحصول على صفقة " يتم إعدادها حسب الطلب" كما أشارت تيريزا ماي.
لو أقر الناخبون البريطانيون بموقف بلادهم التفاوضي الضعيف فإن دعاة الخروج من الإتحاد الأوروبي والذين فازوا بالإستفتاء على أساس الوعد " بإستعادة السيطرة والسيادة " سيواجهون كارثة سياسية مما يعني أن تجنب أي مفاوضات جوهرية سيكون أسهل طريقة لتجنب إنكشاف الحقيقة المحرجة .
وهكذا من الناحية السياسية فإن بريكست قاسي هو في الواقع الخيار الناعم والسهل للحكومة ولكن إقتصاديا فإن بريكست قاسي سيكون له ثمن مرتفع سيتوجب على المملكة المتحدة دفعه لسنوات عديدة مقبلة .
إن العزاء الوحيد هو صعوبة إستدامة الزخم الثوري لبريكست فبعد وقت قصير من وصف معسكر الخروج للبيروقراطيين في الجهاز الإداري لحكومة صاحبة الجلالة بإنهم "أعداء الشعب" –وهو بيان عادة ما يأتي في المراحل المبكرة من أي ثورة – سخر وزير التجارة الخارجية البريطاني المؤيد لبريكست ليام فوكس من المصدرين البريطانيين ووصفهم بإنهم " كسولين جدا وبدناء جدا" مما يصعب عليهم النجاح ضمن محاولته الشجاعة لجعل بريطانيا دولة تجارة حرة .
إن مثل هذا الخطاب هو من أعراض اليأس وهو يذكرنا بالسنوات الإخيرة الصعبة للإتحاد السوفياتي تحت ظل حكم ليونيد بريجينيف عندما أصر المدافعون عن الماركسية أن كل شيء على ما يرام بالنسبة للشيوعية بإستثناء أن الإنسانية لم تنضج بعد بشكل كافي لتقبلها . إذا إستمرت التطورات على هذا النسق فإن الحماسة الثورية التي نراها بين السياسيين البريطانيين يمكن أن تستنفذ أغراضها وتنطفىء قبل أن يحصل "البريكست القاسي ".

وزير المالية ونائب رئيس الوزارء في بولندا من سنة 2007 إلى 2013.