مزايا أوروبية لبريطانيا رهن الإلتزامات

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٢/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
مزايا أوروبية لبريطانيا رهن الإلتزامات

تشارلز جرانت

يتوحد شركاء بريطانيا الأوروبيين في موقف حازم للغاية خلال المفاوضات المقبلة في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فيما تسعى رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي لاستبعاد الخيارات التي من الممكن ان تجعل بريطانيا متكاملة بشكل وثيق مع الاقتصادات الأوروبية. وربما كان الدافع الأكبر للحكومة البريطانية والـ 27 دولة أوروبية هو السياسة أكثر منه الجانب الإقتصادي، وهو ما قد يلحق الضرر بالتجارة والاستثمار ويؤثر بالسلب على الاقتصاد البريطاني. وسيكون على المملكة المتحدة التفاوض للوصول إلى السوق الموحدة، لكل قطاع على حدة، من خلال اتفاقية للتجارة الحرة.
غير أن المشكلة مع مثل هذا الاتفاق أنه لن يفعل الكثير لفتح أسواق الخدمات مثل التمويل والبناء والطيران، وهذا يتطلب إزالة الحواجز التنظيمية التي يقوم عليها السوق الأوروبية الموحدة. وقد وضعت المادة 50 من وثيقة الاتحاد الأوروبي لتقليص الفوائد الممكنة للدولة التي تغادر الاتحاد، وبمجرد أن تقوم إحدى الدول الأعضاء بتفعيل المادة يكون أمامها عامين فقط للتفاوض على تسوية للخروج، ويجوز تمديد تلك الفترة بإجماع الآراء. بيد أن معظم الدول الـ 27 ترغب في اتمام خروج بريطانيا قبل الانتخابات الأوروبية في يونيو 2019 واختتام الجولة المقبلة من مفاوضات ميزانية الاتحاد الأوروبي في نفس الوقت تقريبا. وسيكون هناك حاجة إلى مفاوضات منفصلة للعلاقات الاقتصادية المستقبلية في شكل اتفاقية للتجارة الحرة، إلا أن ذلك يمكن أن يستغرق خمس سنوات أو أكثر للاستكمال، كما تتطلب بعد ذلك التصديق في كافة البرلمانات الوطنية. ومن ثم ستحتاج المملكة المتحدة إلى اتفاق مؤقت لتوفير غطاء خلال السنوات ما بين مغادرة الاتحاد الأوروبي وبدء سريان اتفاقيات التجارة الحرة. إلا أنه في حال فشل المفاوضات دون التوصل إلى اتفاق، ستجد المملكة المتحدة نفسها وجها لوجه امام قواعد منظمة التجارة العالمية، وهو ما يعني 10 في المئة رسوم جمركية على صادرات المملكة المتحدة من السيارات وأكثر من 50 في المئة على بعض اللحوم بينما لن تجد الخدمات طريقا مفتوحا أمامها.
ومع تعقد القضايا وتشابكها أمام رئيسة الوزراء البريطانية طلبت مفاوضات مسبقة قبل اللجوء الى المادة 50، لأنها تريد أن تعرف ما يمكن أن يقدمه شركاؤها، بما في ذلك إتفاق مؤقت، إلا أن الأعضاء الـ 27 يتمسكون برفض إجراء محادثات غير رسمية كي لا تمنح فرصة للدبلوماسية البريطانية أن تقوض وحدتهم.
وفي زيارات أخيرة الى برلين وباريس وبروكسل أدهشني ذلك الموقف الحازم حول الحريات الأربع: العمالة ورؤوس الأموال والسلع والخدمات. ويقول صناع السياسات الرئيسية أنه لا يمكن أن يسمح للمملكة المتحدة بمزايا العضوية مثل المشاركة في سوق موحدة دون قبول المسؤوليات مثل مدفوعات الميزانية وحرية الحركة.
إلا أن المحرك الأكبر لتلك الحريات الأربع هو الخوف من الشعبوية، ففي باريس لا يرغب السياسيون من التيار الرئيسي أن يخرج من يقول للفرنسيين: انظروا الى البريطانيين، لقد أصبحوا أفضل بعد خروجهم من الاتحاد فلنفعل مثلهم إذا. وهناك وجهات نظر مماثلة في لاهاي وروما وغيرها من العواصم ترى جميعها أن بريطانيا يجب أن تدفع ثمن الخروج.
ويعتقد كثير من البريطانيين المؤيدين لخروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي أن تشدد الدول الـ 27 هو مجرد موقف مبدئي وأنه عندما تبدأ المحادثات الاقتصادية ستدفعهم المصالح الاقتصادية الى اللين، بيد أن هذا قد يكون تفكيرا مفرطا في التفاؤل. وقد قال لي أحد كبار المسؤولين الألمان أن عدم إتمام صفقة تسوية مع بريطانيا من شأنه تحويل الاستثمارات إلى ألمانيا ما يعني إستفادة بلاده.
والواقع أن المفاوض البريطاني بحاجة أن يدرك ذلك الموقف الصارم. فالألمان وغيرهم يشعرون بالقلق أنه إذا فاز البريطانيون بوضع خاص فإن بلدانا أخرى - داخل أو خارج الاتحاد الأوروبي - ستسعى لصفقات مماثلة، والتي من شأنها زعزعة استقرار الاتحاد.

كاتب مقال رأي بصحيفة الجارديان