حماية المنجزات في أوكرانيا

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١١/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
حماية المنجزات في أوكرانيا

أندرس أسلوند

لقد حُلَّت الأزمة الاقتصادية المباشرة في أوكرانيا، ولكن اقتصادها لا يزال هشا ويظل في احتياج إلى دعم دولي. وإذا شعرت الحكومة الأوكرانية الجديدة بالاطمئنان والرضا عن الذات، فقد تضيع المكاسب التي حققتها البلاد.
قطعت أوكرانيا شوطا طويلا منذ انتفاضة "الميدان الأوروبي" في 2013-2014. وعندما فر الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش إلى روسيا في فبراير 2014، كان الاقتصاد الأوكراني في سقوط حُر، فانكمش بنحو 17% في غضون عامين فقط. وأصبح عجز الميزانية وعجز أوكرانيا الخارجي غير محتمل بالفعل وفي احتياج إلى إعادة هيكلة جذرية، ولهذا، كان العدوان الروسي كافيا لدفع الاقتصاد إلى الهاوية.
بحلول نهاية عام 2015، كان رئيس وزراء أوكرانيا الاسبق أرسيني ياتسينيوك حقق تقدما ملحوظا في تصنيف وترتيب الموارد المالية للبلاد، ولكن فقط في المناطق التي كان مسؤولا عنها هو ورفاقه من التكنوقراط.
وكان قطاع الطاقة من أهم هذه القطاعات. فمنذ أوائل تسعينيات القرن العشرين، استفادت القِلة الأوكرانية بشكل كبير من شراء الغاز المدعوم بأسعار منخفضة للغاية ثم بيعه بسعر مرتفع. ولكن في العامين الأخيرين عملت الحكومة الأوكرانية على توحيد تسعير الطاقة وألغت إعانات الدعم (التي بلغت 10% من الناتج المحلي الإجمالي وكانت تغذي تدفقات مالية غير مشروعة).
وقد أثبتت هذه التدابير فعاليتها: فقد خفضت أوكرانيا استهلاك الغاز بنسبة تجاوزت 25% في العام الفائت ، وهي تواصل توفير المزيد من الطاقة. كما خفضت الحكومة عجز ميزانيتها من 10.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014 إلى 2.5% فقط من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015، وهي تحافظ على انضباط الميزانية مع اقتراب السنة المالية التالية.
كانت أوكرانيا تحاول التسلق إلى خارج الحفرة الاقتصادية التي ساعد يانوكوفيتش في حفرها. فبادئ ذي بدء، خلق يانوكوفيتش عجزا غير مستدام في الحساب الجاري من خلال الإصرار على سعر صرف مرتفع إلى حد غير واقعي لعملة أوكرانيا الهريفينيا. وبعد اضطرار حكومة يانوكوفيتش إلى تعويم سعر الصرف في نوفمبر 2013، هبطت الهريفينيا إلى ثلث قيمتها السابقة في مقابل الدولار، وزادت أسعار الطاقة، وارتفع معدل التضخم إلى عنان السماء، فبلغ ذروته بمعدل سنوي قدره 61% بحلول إبريل 2015.
بعد ما يقرب من ثلاث سنوات، تظل أوكرانيا قادرة على سداد مدفوعاتها الخارجية. ويشتري بنك أوكرانيا الوطني العملات الأجنبية للحفاظ على استقرار سعر الصرف، كما نجح في خفض معدل التضخم إلى 8% فقط (اعتبارا من أغسطس/آب) من خلال خفض أسعار الفائدة تدريجيا وتخفيف القيود التنظيمية المفروضة على العملة.
أثناء إدارة يانوكوفيتش، كان الفساد مستشريا في مختلف أنحاء القطاع المصرفي الأوكراني. فكان أصحاب البنوك يصدرون 80% إلى 90% من القروض لأنفسهم ويستخدمون الأموال لشراء المزيد من البنوك. ومنذ ذلك الحين، نجحت رئيسة بنك أوكرانيا الوطني فاليريا هونتاريفا في إحراز تقدم كبير في تطهير الصناعة، فأغلقت ثمانين من البنوك الأوكرانية المائة والثمانين، ولا يزال من المقرر إغلاق بضعة بنوك صغيرة.
ما كانت أوكرانيا لتتمكن من قطع كل هذا الشوط بمفردها. ففي فبراير 2015، كانت البلاد على شفا الانهيار المالي لأن احتياطياتها من العملة الدولية هبطت إلى خمسة مليارات دولار أميركي فقط، وتسبب سعر الصرف المتزايد الانخفاض في إصابة المشترين بحالة من الذعر. وأنقذ صندوق النقد الدولي الاقتصاد بصرف خمسة مليارات دولار، والآن ارتفعت احتياطيات أوكرانيا الدولية إلى 14 مليار دولار. علاوة على ذلك، ولأن أوكرانيا أعادت هيكلة ديونها الخاصة طواعية العام الماضي، فسوف تظل أقساط خدمة هذه الديون منخفضة إلى عام 2020.
ولكن على الرغم من هذه الإنجازات الكبيرة على صعيد الاقتصاد الكلي، كان تقدم أوكرانيا على صعيد الاقتصاد الجزئي متواضعا. فقد عملت الحكومة على تحسين حوكمة الشركات المملوكة للدولة في قطاع الطاقة، وأنشأت قاعدة بيانات عامة لتتبع ملكية الشركات والمشتريات. ولكن الاقتصاد يظل خاضعا لقيود تنظيمية شديدة، وهناك ضرورة لخصخصة المزيد من الشركات المملوكة للدولة التي بلغ عددها 1800 شركة.
الأمر الأكثر أهمية هو أن أوكرانيا تحتاج إلى تعزيز سيادة القانون. وقد اقترحت الحكومة إصلاحات قضائية لتيسير ملاحقة الفساد قضائيا، ولكنها تواجه مقاومة شديدة من المؤسسة القديمة. ففي أغسطس ، تحول خلاف بين موظفين من مكتب المدعي العام وأعضاء مكتب مكافحة الفساد الجديد إلى عراك بالأيدي.
في إبريل ، أقال الرئيس بيترو بورشينكو رئيس الوزراء ياتسينيوك، الذي تصادم معه، وجاء في محله بحليف، وهو رئيس البرلمان السابق فولوديمير جرويسمان. وادعى بروشينكو أن جرويسمان سيكون أكثر قدرة على التعامل مع البرلمان، ولكن ما حدث هو العكس ــ فقد تبنى البرلمان 11 فقط من 177 مشروع قانون تقدمت به حكومة جرويسمان.
في الأشهر الأخيرة، توقفت التشريعات الجديدة وجهود الإصلاح، وبدأ سعر الصرف يهبط من جديد. ولم يوزع صندوق النقد الدولي أي أموال منذ أغسطس 2015، ولكنه وافق الشهر الفائت على قرض بقيمة مليار دولار، وهو ما قد يساعد في تثبيت استقرار سعر الصرف. ومن المتوقع أن تقدم الولايات المتحدة ضمان قرض بقيمة مليار دولار لمضاهاة قرض صندوق النقد الدولي، ويعتزم الاتحاد الأوروبي تقديم 673 مليون دولار في هيئة مساعدات لتمويل الاقتصاد الكلي.
يعرض الغرب تمويلا جديدا لأن أوكرانيا أنشأت قاعدة بيانات عامة لأصول ودخول المسؤولين الحكوميين. ومن المرجح أن يكون طلب الغرب التالي أن تعين أوكرانيا هيئة تنظيمية مستقلة لقطاع الطاقة. ولكن الأمر يتطلب جهود أكبر كثيرا لتوليد النمو الاقتصادي، والذي تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أنه قد لا يتجاوز 1.5% هذا العام.
من ناحية أخرى، يعاني العديد من الأوكرانيين من الفقر. فقد انخفض الأجر الرسمي بالدولار بنحو 60% منذ عام 2013، إلى 200 دولار فقط شهريا، وهو ما يعادل واحد على ثمانية من المستوى في بولندا المجاورة. وعند هذه النقطة، يرى العديد من الشباب الأوكراني آفاق أفضل في الهجرة إلى اقتصاد الظِل.
الأسوأ من ذلك أن الأوكرانيين يعلمون أن الفساد يظل متوطنا، وأن التقدم الذي تحقق في كسر هيكل قوة النخبة القديمة كان ضئيلا. ومع استمرار معاناة الناس من الفقر والحرب، فسوف تنمو جاذبية الشعبوية، كما رأينا في مختلف أنحاء الغرب هذا العام.

كبير زملاء المجلس الأطلسي في واشنطن، ومؤلف كتاب "أوكرانيا: ماذا حدث من خطأ وكيف يمكن إصلاحه".