رأيت في سفري

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٠/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٠:٢١ ص
رأيت في سفري

محمد بن سيف الرحبي
www.facebook.com/msrahby
alrahby@gmail.com

ثلاثة أيام في البحرين مضت بي إلى جداول حيّة من الصفاء الروحي المتبادل معها.. ومن قناديل الثقافة التي أضاءتها منذ عقود طوال، بعضها معتاد، وبينها ما أراه للمرة الأولى، ولا تحتاج في هذه البلاد أن تقول عماني إلا تشعر بأنك الشقيق التوأم الذي انفصل عن توأمه هنا، حتى أن أحدهم شبّه عودة العمانيين من البحرين إلى بلادهم مع بدء النهضة العمانية الحديثة بتولي جلالة السلطان المعظم مقاليد الحكم في البلاد.. شبّهها بانفصال حدث بين شعبين عاشا معا في هذه الجزيرة أهلا وأقارب.
ترى في البحريني الأخ الذي يحتفي بك لأنك توأمه الذي ترك بصمة مضيئة هنا باعتباره مواطنا جاء من عمان ليكون الصديق والجار والقريب، بخلقه وتواضعه وبساطته، كأنما هو صورة أخرى للمواطن الساكن في البحرين، صاحب الأرض، وهو يعيش ذات الخلق والتواضع والبساطة.
تستمع إلى المواطن البحريني وهو يمدح الحضور العماني في قلبه كأنما يشرح نفسه، هو الذي لا يستطيع إخفاء قلقه من "الطائفية" التي أحدثت أثرا عميقا في ذلك النسيج الذي عاشته بلاده عبر تاريخها، كأنما يجد في عمان صوت الحكمة الذي حافظ على جريان السفينة بسلام رغم بحر التشنج الطائفي الذي يمزق بلاد المسلمين.
زرت مشروع ترميم البيوت الأثرية، والذي يشرف عليه مركز الشيخ إبراهيم آل خليفة للثقافة والبحوث بقيادة ملهمة من الشيخة مي آل خليفة، فيبدو المكان نقطة ضوء مشرقة كل ما فيها مبهج، يوحي لزائره أن ثمة أيادي بيضاء تعمل والأفق أمامها مشرعا إن أخلصت، وصدقت فيما تقدمه لبلدها، مثال يفترض، إن لم أقل يجب، التعلم منه دروسا لا تحصى، هذا لم يريد أن يتعلم، ويخلص.. باعتباره أنه يفهم ما معنى أن يحب وطنه.. لا وجاهته!
مجموعة من البيوت القديمة التي كانت تشكل "فريج الشيوخ" جرى تحويلها إلى مركز ثقافي مكون من تقسيمات، كل واحد منها تحفة فنية قادمة من الأمس برشاقة الحاضر، وتهيئة الأجيال للمستقبل، قرية تراثية وثقافية تفاعلت مع العصر، من خلال جملة مشاريع تستقطب أبناء البلاد ليروا تاريخهم، ويسمعوا لصوت حاضرهم، وللسياح وهم يتوافدون على المكان ليقرأوا دفاتر هوية شعب جاء من الأمس بحضارته، وقد عرف الحداثة في مرحلة مبكرة من عشرينيات القرن الماضي، ولم يكتب تاريخه مع النفط، بل مع الثقافة والفكر.
لم تحوّل البيوت القديمة لتكون كهوفا للأمس، بل رؤية حداثوية ناطقة بلغة اليوم، عشرات من المفكرين في حقول عدة يستضيفها المكان في مواسمه الثقافية سنويا، بدعم من أفراد ومؤسسات، فكان رائعا أن أرى أن ترميم البيت الفلاني يتم من خلال بنك تحمل لوحة اسمه، وأن المشروع الفلاني المخصص للأطفال مقدم من مؤسسة أخرى، وغيرها من البيوت العديدة في تلك البقعة المشعّة والتي ستغدو بعد اكتمال الترميم من أهم المناطق الثقافية في البحرين.
هذا الصوت الثقافي المشعّ هل يمكنه إضافة عتمة تلقيها الطائفية على العقول رغم أنها تعيش مشروعها الحداثي، ولماذا الإرتهان لأسوأ ما في التاريخ بينما هناك ما يمكن قوله في زمن نحتاج فيه إلى الكلمة التي تشرق شمسا فتبدو عتمات الأمس أثرا يتلاشى أكثر فأكثر.