لماذا يتسرب ثلث الطلاب الجامعيين؟

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٠/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
لماذا يتسرب ثلث الطلاب الجامعيين؟

علي بن راشد المطاعني

في الوقت الذي توفر الحكومة التعليم العالي داخل وخارج السلطنة لكل الراغبين من خريجي الدبلوم العام لدرجة أن المقاعد الدراسية في الجامعات والكليات تزيد على عدد المتقدمين، إلا أن هناك من يعبث بهذه الفرص ويهدرها من الطلبة والطالبات، وكانت الإحصائية صادرة عن مركز القبول الموحد التابع لوزارة التعليم العالي ، تشير إلى أن أكثر من( 10.725) طالب وطالبة تركوا الدراسة، من اصل (131.760) مائة واحد وثلانين الف و سبعمائمة و ستين طالب و طالبة، مقيدين في عامي 2014/ 2015، في الجامعات والكليات في السنوات الدراسة الجامعية لشهادات الدبلوم العالي والبكالوريس و الماجستير ، وهي إحصائية تضع العديد من علامات الاستفهام والتعجب طبعا للهدر للإمكانيات المادية والبشرية، وتنذر بمشكلات كثيرة في العديد من الجوانب المترتبة على هذا الترك الكبير الذي يعادل 13% من أعداد المقيدين في مؤسسات التعليم العالي ، منهم 63.7 % من الذكور، و36.3 %، من الاناث ، ومن المؤسف اكثر ان تخصص الهندسة الذي تحتاج له البلاد اكبر التخصصات التي تشهد تسرب ، بنسبة31.3 %، ويليه الادارة و التجارة بنسبة 28.9%، ثم تكنولوجيا المعلومات بنسبة 12%.وهي كلها تخصصات مهمة يحتاجها سوق العمل.
الأمر الذي ينبغي أن تطرح هذه الظاهرة على بساط النقاش والبحث عن أسبابها وانعكاساتها على العديد من المسارات التنموية والتخطيطية، فضلا عن انعكاساتها على الفرد والمجتمع، وهو ما يفرض إيجاد الحلول العملية للحد من المشكلة الخطيرة وتتشارك في وضعها الجهات التنفيذية والتشريعية.

ففي البداية يجب أن نتفق أن الطالب الذي تسرّب من أي كلية أو جامعة أضاع فرصة على زميل له، كان أحق بالاستفادة منها، إذا كان هوغير راغب أو جاد في مواصلة الدراسة، خاصة، و ان اغلب تاركي الدراسة تركز في شهادة البكالوريس بنسبة بلغت 69.5% ، و الدبلوم 25.4%، و موهل الماجستير 4.7% ، وهو ما يشير الى الدراسة يتركز في الشهادات الجامعية اكثر من 90% من تركي الدراسة ،وأن المتسرب سيدخل قافلة الأميين في المجتمع، وعدم مواصلة التعليم يعني الأمية، وسيكون عبئا على الدولة وأهله ومجتمعه، فلا يجب أن نشجع هذه السلوكيات بل ننبذ كل واحد أضاع فرصة دراسة جامعية لأنه ضد التطور الذي يقوده التعليم في كل دولة، وينبغي أن يعاقب هؤلاء على ما اقترفوه من أخطاء، لا تقل عن غيرها من الأخطاء التي تعاقب عليها القوانين في البلاد، وإلا سيكون التسرب من التعليم أمرا عاديا لا يوضع له أي اعتبار.
فبلاشك إننا نقدر الجهود التي تبذلها الحكومة في توفير التعليم العالي، بمعدلات كبيرة سنويا تفوق 32 ألف مقعد دراسي في الجامعات والكليات داخل السلطنة وخارجها،و اكثرمن 131 الف طالب وطالبة مقيدين في موسسات التعليم العالي والبعثات و المنح الدراسية ، وما تتكبده من مبالغ هائلة في هذا الجانب في سبيل توفير تعليم جامعي لأبنائنا.
إذا علمنا أنه قبل سنوات كان بعيد المنال، وكان أصحاب النسب في الثمانين لا يحصلون على مقاعد في الكليات ، بينما الآن يحصل الحاصلون على الخمسينات على فرص بكل أريحية، مع توفير كل المستلزمات الهادفة إلى بناء قدرات وطنية، فهل معقول أن تقابل هذه الجهود بهذه البعثرة التي تربك كل شيء للأسف دون أن يتحرك ساكن للوقوف على هذه المعضلة وانعكاساتها؟.
إن تسرب اكثر من عشرة الاف طالب و طالبةمن اصل 131 الف طالب وطالبة من التعليم الجامعي. ، يعد هدرا كبيرا للموارد المالية للدولة إذا قدرنا حجم الخسائر المادية في هذا الشأن فمثلا لو قدرنا تكلفة الطالب الجامعي في المتوسط خمسة آلاف ريال وضربنها في 10.000 طالب وطالبة تسربوا، فإن قيمة الخسارة المادية ستكون خمسين مليون ريال ، تتكبدها الحكومة دون مقابل، فهذه المبالغ للأسف اعتمدت على أساس عدد الطلاب لمؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة والخارج، فإذا كان هذا نموذجا مبسطا للخسائر المالية فقط، فما بالك بالخسارة المعنوية المترتبة على هذا الفاقد من أعداد المقبولين كل عام.
إن تسرب الطلبة والطالبات يربك خطط التنمية البشرية التي تخطط الحكومة لدخولهم سوق العمل بعد المرحلة الجامعية ، إلا أنها تتفاجأ بأن الأعداد غير دقيقة بفقدان ثلث العدد تقريبا، فهل ذلك لا يربك التخطيط للقوى العاملة والتنمية البشرية ويجعل إحصائيات الطلبة الجامعيين غير دقيقة نتيجة لهذا الهدر في ترك التعليم الجامعي الذي يتمناه البعض ويشقى للحصول عليه.
إن الجامعات والكليات بالطبع تتأثر نتيجة اللامبالاة من الطلبة والطالبات الذين يتركون مقاعد الدراسة الجامعية دون مبرر يذكر، أو لعدم تحقيقهم معدلات الأكاديمية المطلوبة المعمول بها في الجامعات في العالم، أو ما يعرف بالملاحظة الأكاديمية التي تنذر الطالب ثلاث مرات قبل فصله نهائيا نتيجة كسله وعدم الحضور، وأداء الواجبات والمهام المطلوبة منهم كطالب جامعي لكن السؤال هو لماذا يصل بعض الطلبة لهذه المرحلة التي تجعلهم خارج أسوار الدراسة الجامعية.
تتعدد اسباب التسرب او ترك الدراسة ،فمنهم حسبما اشارت الدراسة 30.5 % لاسباب شخصية ، و البعض يتسرب بقصد العمل والبحث عنه وهو على مقاعد الدراسة الجامعية، وهذا المنفذ ينبغي أن يسدّ من خلال قاعدة بيانات تكون لدى كل الجهات المختصة بالطلبة على مقاعد الدراسة لسد الثغرة في هذا الجانب، فليس من المناسب أن الفرد يأخذ فرصتي الدراسة والعمل ويُسمح لمن في الدراسة بالتقدم للوظائف المدنية والعسكرية لأن ذلك يساعد على التسرب من الجامعات والكليات والمدارس، فيجب إغلاق هذا الباب لكي لا يكون هناك عذر للطلاب للتسرب.
من الأمور التي تهم هذا الجانب أيضا، غياب المتابعة من أولياء الأمور أبناءهم في الجامعات والكليات إلى أن يُفصلوا منها طبقا للملاحظة الأكاديمية ، حيث اشارت الدراسة الى ان 25.4% ترك الدراسة لاسباب اكاديمية،
عندئذ يبدأ ولي الامر بالتحرك يمينا وشمالا دون أي فائدة، وعلى الجامعات والكليات أن تخصص أقساما للمتابعة الأكاديمية والإشراف الاجتماعي لمتابعة مستويات الطلبة، وإعلام أولياء الأمور بمستويات أبنائهم، والاتصال بهم، وتعزيز دور الأخصائيين الاجتماعيين في معرفة مشكلات الطلبة في هذه الأعمار.

بالطبع الفاقد من التعليم الجامعي موجود في كل العالم لكن لا يصل إلى هذه المستويات المقلقة ،في بعض الدول الى 17% ،ليس مشكلة السلطنة فحسب ، لكن نحن يهمنا وطننا و ابناءنا يجب نقف على ما يجعلهم يتركوا فرصه العمر في الدراسة الجامعية في السلطنة و خارجها . و ايجاد الحلول الممكنة لتقليل الفاقد في التعليم العالي ، باعتباره بوصلة المستقبل لبلادنا ،يجب ان نحرص عليه جميعا.
نأمل أن الا تمر هذه المشكلة مرور الكرام، فمجلس الشورى معني بمتابعتها والوقوف عليها وكذلك الجهات المختصة بالتعليم العالي لدراسة مسبباتها قدر الإمكان لتكون في الحدود العالمية المقبولة، والأهالي عليهم مسؤوليات كبيرة في متابعة أبنائهم ومساعدتهم في رسم مستقبلهم، وهذه الفرص عندما لم تتح تكلّمنا وصرخنا، وعندما توفرت أضعناها بدون أدنى التزام منا، أليس في ذلك تناقض؟