تشييد مجموعة البريكس

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٠/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
تشييد مجموعة البريكس

جيم أونيل

يصادِف هذا العام ذكرى مرور خمسة عشر عاما على إنشاء مجموعة "البريك"، وهو المصطلح الذي صغته شخصيا في الإشارة إلى الاقتصادات الناشئة الكبرى: البرازيل وروسيا والهند والصين (أضيفت دولة جنوب أفريقيا في العام 2010). مؤخرا، انتهت فترة عملي القصيرة في الحكومة البريطانية، بعد الانتهاء من أعمال المراجعة المستقلة لمقاومة الميكروبات للأدوية والتي توليت رئاستها. والآن وأنا أتأمل في أمري وما أستطيع أن أقوم به بعد ذلك، فلا أجد مفرا من العودة إلى موضوع هذه المناسبة السنوية. فهل نجحت هذه الاقتصادات الكبيرة الواعدة في تحقيق التوقعات؟
لعل الإجابة الأكثر بساطة على هذا السؤال تتعلق بعملي في مراجعة مقاومة الميكروبات للأدوية، والتي أطلقها رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون في العام 2014. ففي الحادي والعشرين من سبتمبر حققنا انتصارا كبيرا: التوصل إلى اتفاقية عالية المستوى من قِبَل الأمم المتحدة بشأن هذا الموضوع.
بعد التوصل إلى الاتفاق، سألني على الهواء طاقم التلفزيون الألماني الذي كان من حين إلى آخر يتابع عملي أنا وفريقي في نشر الوعي بشأن مقاومة الميكروبات للأدوية ما إذا كانت النتيجة التي توصلنا إليها أكثر أهمية من مفهوم مجموعة البريك. وبدون انتظار لإجابتي، أعلن أفراد الطاقم الألماني أنها أكثر أهمية بوضوح. وكانوا محقين: فلا يوجد اقتصاد ناشئ أو غير ذلك قد يأمل في تحقيق النجاح إذا ابتلي بتهديد صحي على نفس القدر من خطورة مقاومة الميكروبات للأدوية.
ولكن القصة لا تنتهي هنا: فأهمية مجموعة البريكس (BRICS) في التصدي لمقاومة الميكروبات للأدوية ليست أقل من أهمية التصدي لمقاومة الميكروبات للأدوية في تمكين مجموعة البريكس من الازدهار. فكانت دولة جنوب أفريقيا على سبيل المثال داعما أساسيا للمملكة المتحدة في المناقشات التي تناولت قضية مقاومة الميكروبات للأدوية في إطار قمة مجموعة العشرين الأخيرة التي استضافتها مدينة هانجتشو في الصين، وما كانت هذه القضية لتنتهي إلى بيان اجتماع القمة لولا دعم جنوب أفريقيا.
وهذا هو بيت القصيد. ذلك أن مجموعة البريكس اليوم، كحالها في العام 2001، قادرة على الاضطلاع بدور بالغ الأهمية في التصدي للتحديات الدولية الأكثر إلحاحا. والواقع أنني توصلت إلى فكرة هذا المختصر الذي يتألف من الأحرف الأولى لأسماء هذه الدول (BRICS) ليس فقط لأن الأحرف متوافقة، بل أيضا بسبب المعنى الحقيقي للكلمة في اللغة الإنجليزية (منطوقة): فقد زعمت في ورقتي البحثية في عام 2001 أن هذه الاقتصادات الناشئة لابد أن تكون أحجار البناء للأنظمة المالية وأنظمة الحوكمة العالمية المجددة حديثا.
ولكن مع ذلك، ونحن نقترب من اجتماعات الخريف هذا العام لصندوق النقد والبنك الدوليين، تظل مجموعة البريكس منقوصة التمثيل بشدة في هاتين المؤسستين الحساستين. وما لم يتغير هذا، مع تقدم الإصلاحات إلى مستويات أعلى مما كانت عليه حتى الآن، فسرعان ما يتبين لنا أن "الحوكمة العالمية" لم تَعُد عالمية على الإطلاق.
من المؤكد أن مجموعة البريكس كانت تمر مؤخرا بأوقات عصيبة. وكان الأداء الاقتصادي في البرازيل وروسيا بشكل خاص مخيبا للآمال للغاية منذ بداية هذا العَقد، حتى أن كثيرين الآن يرون أن هذه الدول لا تستحق المكانة التي منحها إياها هذه الاختصار (البريكس).
ولكن من السذاجة أن نقترح ببساطة أن أهمية مجموعة البريكس كانت موضع مبالغة. ذلك أن حجم اقتصادات البريكس الأربع الأصلية، يتوافق في مجموعه تقريبا مع التوقعات التي صرحت بها قبل كل هذه السنوات.
إذ تشكل كل من روسيا والبرازيل الآن حصة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي مماثلة لتلك التي كانت تشكلها في عام 2001، وإن كانت روسيا وفقا لحساباتي البسيطة ربما أصبحت حاليا خارج أكبر عشرة اقتصادات في العالم. أما البرازيل، فرغم كل مشاكلها الكبيرة، فقد أصبح تصنيفها العالمي اليوم أعلى مما كنت أتصور في ذلك الوقت.
وتستمر الهند على نفس المسار الذي كانت عليه قبل خمسة عشر عاما تقريبا. ومع الإصلاحات البنيوية المناسبة فربما تتمكن من تحقيق فترة طويلة من النمو الاقتصادي الذي يتجاوز 10%، على الطريقة الصينية.
ولكن تظل الصين صاحبة أكبر قصة نجاح بين دول مجموعة البريكس، فقد فاقت التوقعات بأشواط برغم تباطؤها في الآونة الأخيرة. وإذا واصل اقتصادها النمو بمعدل سنوي نحو 6% على مدار السنوات المتبقية من هذا العقد، فسوف تحقق بذلك توقعاتي لها في عشرين عاما.

الرئيس السابق لإدارة الأصول في بنك جولدمان ساكس، والسكرتير التجاري لوزارة الخزانة في المملكة المتحدة سابقا، وأستاذ الاقتصاد الفخري في جامعة مانشستر، وباحث زائر في مركز الأبحاث الاقتصادية بروجل، ورئيس برنامج مراجعة مقاوَمة مضادات الميكروبات التابع للحكومة البريطانية.