أ.د. حسني نصر
في واحدة من الحلقات النقاشية المثمرة، التأم الأسبوع الفائت شمل عدد كبير من الإعلاميين وأساتذة الإعلام والمؤسسات الإعلامية، لمناقشة قضية باتت تفرض نفسها بقوة على الساحة الإعلامية في ظل التغيرات التكنولوجية السريعة والمتلاحقة في علوم ومهارات الاتصال، وهي قضية تأهيل وتدريب الإعلاميين في سلطنة عمان في ضوء تحديات الإعلام الجديد.
الحضور الكبير واللافت من جانب الإعلاميين العاملين في مختلف المؤسسات الصحفية والإذاعية كان أبرز ما ميز الحلقة التي نظمها قسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس، واللجنة الوطنية العُمانية للتربية والثقافة والعلوم، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، واستهدفت بحث ومناقشة المشكلات المتصلة بالتدريب الإعلامي سواء في أقسام وكليات ومعاهد التكوين الجامعية أو في المؤسسات الإعلامية والبحث عن حلول لها، وربط ذلك بالتحديات التي يفرضها الإعلام الجديد على الإعلاميين الذين تعددت مسؤولياتهم، وأصبح عليهم مضاعفة الجهد في ظل تعدد منصات النشر الإعلامية.
وشأن المؤتمرات والندوات وحلقات النقاش الناجحة فقد أثارت الحلقة أسئلة كثيرة حول واقع تدريب الإعلاميين في السلطنة، وكيف يمكن الارتقاء به في العصر الرقمي، وتقييم الجهود التي تبذلها المؤسسات المختلفة في هذا المضمار. والواقع أن الحلقة نجحت نجاحا كبيرا في تحديد مسؤولية الأطراف المتصلة بتأهيل الإعلاميين في السلطنة، وهي المؤسسات الأكاديمية، والمؤسسات الإعلامية، ووزارة الإعلام، وجمعية الصحفيين.
أول وأهم هذه الأطراف تتمثل في المؤسسات الأكاديمية التي تقدم برامج جامعية في الاتصال والإعلام، وهي حصرا جامعة السلطان قابوس، وكليات العلوم التطبيقية التابعة لوزارة التعليم العالي في صلالة وصور ونزوي، وكلية البيان الخاصة. وقد أوضح ممثلو المؤسسات الثلاثة كيف تم تطوير البرامج الأكاديمية التي يقدمونها لتواكب متطلبات العصر، وكذلك الإمكانات التدريبية التي المتوافرة لديها من أساتذة متخصصين واستديوهات ومختبرات صحفية حديثة لتأهيل طلابها لسوق العمل الإعلامي. ومع ذلك بقي السؤال الأهم دون اجابة واضحة، وهو مدي قدرة سوق العمل الإعلامي في السلطنة على استيعاب الكم الكبير من الخريجين من أقسام وكليات الإعلام. المشكلة أن هذا السوق الذي يحوي تسع صحف يومية أربعة منها باللغة الإنجليزية، وهيئة الإذاعة والتلفزيون بقنواتها الإذاعية والتلفزيونية المتعددة، وعدد محدود من الإذاعات ومحطات التلفزيون الخاصة، غير معروف على وجه الدقة. إذ ليس هناك إحصاءات معلنة او حتى غير معلنة عن حجم العاملين فيه او عن احتياجاته المستقبلية من الصحفيين والإعلاميين. ولذلك تعمل مؤسسات التعليم الإعلامي الأكاديمية دون أن يكون لديها صورة واضحة سواء عن الأعداد المطلوبة من الخريجين او عن المهارات التي يجب تسليحهم بها.
الحلول التي طرحت لهذه المشكلة تركزت في تحقيق تواصل فعال بين المؤسسات الأكاديمية والمؤسسات الإعلامية يتم في ضوئه تحديد أعداد المقبولين من الطلاب الجدد في أقسام وكليات الإعلام. من المهم هنا الإشارة إلى تجربة جامعة السلطان قابوس التي أنشأت منذ سنوات، وفي إطار استراتيجية المجالس الاستشارية التي تتبعها الجامعة، مجلسا استشاريا يضم ممثلين من قسم الإعلام وممثلين من المؤسسات الإعلامية والصحفية المختلفة، ومع ذلك فان هذا المجلس المهم لا يجتمع كثيرا، ولم ينتج عنه حتى الآن سياسات محددة يمكن تنفيذها.
الطرف الثاني المهم في منظومة التدريب الإعلامي يتمثل في المؤسسات الإعلامية، والإدارات الإعلامية في الشركات الكبرى والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية. هذه المؤسسات يفترض انها المستفيد الأول من التأهيل والتدريب الإعلامي الذي يوفر لها الطاقات البشرية الإعلامية المؤهلة تأهيلا جيدا. والحقيقة أن هذه المؤسسات تقوم بدورين شديدين الأهمية، يتمثل الأول في استقبال طلاب المؤسسات الأكاديمية للتدريب العملي، ويتعلق الدور الثاني بتنظيم الدورات التدريبية والتأهيلية للإعلاميين العاملين بها لزيادة قدراتهم على التعامل مع المستحدثات الإعلامية التكنولوجية والمهنية والأخلاقية. وقد حلل المشاركون في الحلقة هذين الدورين وانتهوا إلى أن الدور الأول لا تقوم به هذه المؤسسات على الوجه المطلوب؛ إما لعدم قدرتها على استيعاب الأعداد الكبيرة من الطلاب المراد تدريبهم، او لعدم وجود إدارات للتدريب بها، بالإضافة إلى صعوبة تفريغ مدربين ميدانيين للتعامل مع الطلاب ومتابعة برامجهم تدريبهم. أما الدور الثاني فيبدو غائبا إلى حد كبير نتيجة تقليص ميزانيات التدريب، والاعتماد على ما تقدمه وزارة الإعلام وجمعية الصحفيين من برامج تدريبية مجانية لا تكلف المؤسسات الإعلامية شيئا.
هنا أكدت الحلقة النقاشية أهمية أن تبادر المؤسسات الإعلامية الكبيرة في السلطنة إلى إنشاء مراكز للتدريب الصحفي والإعلامي تكون حاضنة تدريبية لمنتسبيها من جانب، ومصدرا للدخل من جانب آخر، مستفيدة في ذلك من تجارب ناجحة لمؤسسات عربية ودولية في هذا المجال مثل مركز الجزيرة للتدريب الإعلامي في قطر، ومعهد الأهرام الإقليمي للصحافة في مصر، ومؤسسة طومسون رويترز في المملكة المتحدة.
تمثل وزارة الإعلام الطرف الثالث في منظومة التدريب الإعلامي، ولذلك حرص وزير الإعلام معالي الدكتور عبد المنعم الحسني على المشاركة بصورة غير رسمية في الحلقة النقاشية، وفي تعقيب قصير في الجلسة الأولي، اثني معاليه على الجهود التي تبذلها المؤسسات الأكاديمية والإعلامية في مجال التدريب الإعلامي، وأوصي طلاب الإعلام وكذلك الإعلاميين بالحرص على اكتساب المهارات التي يطلبها العمل الإعلامي. والواقع أن وزارة الإعلام دخلت بقوة في السنوات القليلة الفائتة على خط التدريب الإعلامي من خلال إنشاء مركزا للتدريب بالوزارة، والشراكات التي أقامتها مع قسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس ومؤسسة طومسون رويترز وغيرهما، لتدريب الإعلاميين سواء العاملين في وسائل الإعلام او في إدارات الإعلام والعلاقات العامة بالمؤسسات الحكومية، وهو توجه محمود يضيف الكثير إلى خارطة التدريب الإعلامي في السلطنة نرجو أن يستمر في قادم الأيام وألا يتأثر كثيرا بسياسات ضغط الإنفاق الحكومي، خاصة بعد النجاح الكبير الذى حققه البرنامج التدريبي الواسع الذى نظمته الوزارة العام الفائت للإعلاميين في مسقط ولندن.
يبقي الطرف المؤسسي الرابع المسؤول عن تدريب الإعلام في السلطنة، وهو جمعية الصحفيين العمانية التي تضطلع بدور مهم في هذا المضمار، وهو ما يحتاج بيانه وتقويمه إلى مقال وحده بإذن الله.
اكاديمي في جامعة السلطان قابوس