الحد الأدنى من الإنسانية في سوريا

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٠/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
الحد الأدنى من الإنسانية في سوريا

ريتشارد كوهين

في مقال نشر مؤخرا في صحيفة نيويورك تايمز قدم ديفيد سانجر ملاحظة مثيرة للاهتمام حول السياسة الخارجية الغريبة لفلاديمير بوتين حيث كتب يقول: مع أن روسيا تعاني تراجعا اقتصاديا الى حد هبوط الناتج المحلي الإجمالي لما يعادل نظيره في إيطاليا، فكيف لها أن تنجح في دفع الولايات المتحدة - صاحبة أكبر اقتصاد في العالم ، وأكبر قوة عسكرية على وجه الأرض كما قال الرئيس أوباما الأسبوع الفائت– الى الخلف؟ بل ويظهر أوباما وقد غلبه الحذر إلى حد الخجل وأوصله التريث الى انتزاع الرحمة من قلبه.
الواقع أن الأزمة الحالية هي سوريا والحصار المفروض على حلب، فقد قصفت المستشفيات في المدينة بقاذفات شديدة الانفجار وكذلك استهدفت مراكز مدنية أخرى. ووصف ستيفن اوبراين مندوب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية القصف بـ العشوائي الى حد الوحشية التي لا يتحملها الإنسان. وفي تلك الاثناء تستعد القوات الحكومية السورية بمساعدة من حزب الله وإيران على الأرض وروسيا في الجو لإنهاء المهمة. وفي أواخر الشهر الفائت تم قصف قافلة إنسانية تابعة للامم المتحدة من قبل السوريين والروس، أو السوريين بمساعدة من روسيا. وردت الولايات المتحدة بالاحتجاج وتعليق المحادثات مع موسكو.
وتسبب رفض أوباما دعم مطالب وقف إطلاق النار مع التهديد باستخدام القوة الى تشتت موقف وزير الخارجية جون كيري، الذي اعترف لبعض زملائه الدبلوماسيين بالإستياء، وهي التعليقات التي سرعان ما تسربت. وربما يقف كيري الآن في موقفا معارضا لسياسة أوباما، إلا أن ما حدث لكيري ليس سوى جزء بسيط مقارنة بما فعله أوباما بنفسه.
لقد وصل به الأمر الى تفسير قرارته بهلاوس غير مفهومة، حيث يخلط بين الحقائق ويتعثر في التسلسل الزمني ويحاول جاهدا أن يبرئ ساحته من نحو 500 ألف قتيل و8 مليون مشرد داخليا وموجة عارمة من المهاجرين زعزعت استقرار أوروبا.
وقبل ايام تساءل أوباما في لقاء مع السي ان ان: هل إدخال أعداد كبيرة من القوات الأمريكية في هذا الوضع سيؤدي إلى نتيجة أفضل؟ وهو ليس سؤالا سيئا، ولكن هناك سؤال أفضل: من الذي قدم مثل هذا الاقتراح؟ لا أحد. فقد أوصى فريق أوباما للأمن الوطني في احدى المرات بتدريب مسلحي المعارضة وتزويدهم بالاحتياجات ورفض أوباما الاقتراح متعللا بأنهم مزارعون ومدرسون وصيادلة يأخذون صف المعارضة ضد نظام يتمتع بقتالية عالية، وبعد أن استمع أوباما الى مدير وكالة المخابرات المركزية ووزير خارجيته ووزير دفاعه قال لا وانهى المناقشة أنه ليس من المستحسن وجود قوات على الأرض.
وفي "فورت لي" وجه أوباما دفعة في صالح مشاركة ايران وروسيا في سوريا عندما قال: هناك منتقدون لي يقولون لو أننا قدمنا منذ البداية الدعم الكافي الى المعارضة المعتدلة لربما تمكنت من الإطاحة بنظام الأسد القاتل، ولكن المشكلة كما رأينا أن نظام الأسد يتلقى دعما من روسيا ودعما من ايران.
نعم النظام السوري يتلقى دائما دعما من إيران وروسيا، ولكن الأمر استغرق بعض الوقت قبل انضمام حزب الله وروسيا بصورة فعلية الى المعركة. وعندما بدأت الحرب الداخلية في سوريا في عام 2011، كان بوسع أوباما أن يفعل شيئا، والحقيقة أنه أوحى بذلك عندما قال: لقد حان الوقت لتنحي الرئيس ( بشار الأسد). ولكن ما حدث هو أن الأمر لم يقتصر على أن الأسد لم يتنح وحسب، بل إن قواته لم تعبأ بالخط الأحمر الذي هدد به أوباما وألحقت به وصمة تاريخية باستخدام الغاز السام على مراكز مدنية. وفي ذلك الوقت في 2013 تبين للأسد وبوتين وغيرهم من الأشرار السمة الأهم عند أوباما: الضعف.
وأنا أدرك أنه ليس هناك من يحب أن يعترف بالفشل، وخاصة ذلك الفشل الذي يكلف الكثير من الأرواح. وبيل كلينتون يقول أنه لن يغفر لنفسه أبدا عدم التدخل في الإبادة الجماعية في رواندا، وربما سيفعل أوباما الشئ نفسه.
بيد أن أوباما لا يزال بوسعه أن يفعل شيئا، فهو يستطيع أن يساند موقف وزير خارجيته وأن يفرض ممرا إنسانيا، وعلى أقل تقدير عمل إسقاط جوي بالمستلزمات الطبية والمواد الغذائية. والولايات المتحدة لديها بالفعل طائرات في المنطقة تحارب تنظيم الدولة، والإسقاط الجوي الإنساني ليس بعمل حربي وروسيا ليس لها أن تفسره على هذا النحو، وأوباما يستطيع أن يفعل ذلك لأن أمريكا لديها القدرة على القيام بذلك، لا أن تقف موقف المتفرج وتشاهد الأبرياء يذبحون، ولأن أمريكا يمكنها أن تقول لروسيا أن هناك التزام أخلاقي لكلا الدولتين بإنقاذ الأرواح، وهذا ليس خطا أحمر، بل هو بيت القصيد.

كاتب مقال رأي بصحيفة واشنطن بوست