لميس ضيف
يُروى أن غريبا مرّ بمدينة فوجد أهلها في حيرة ووجل بعد أن سُرقت مجوهرات الحاكم.. فلمح الغريب رجلاً وقورا يمشي على أطراف أصابعه فسألهم من هذا فأخبروه بأنه شيخ المدينة وهو يمشي على أطراف أصابعه من شدة ورعه وتقواه إذ يخاف أن يدهس نملة خطأً فيُأثم على ذلك .. هنا طلب منهم الغريب أخذهُ للحاكم فلما وقف بين يديه قال له " لقد وجدت السارق .. أنه شيخ المدينة " وهنا ضج المجلس بصيحات الاستهجان ونظر الملك للرجل الغريب شذرا وقبل أن يُعنفه طلب منه الغريب أن يُفتش بيت الشيخ ومتاعه قبل أن يحكم .
نبرته الواثقة أربكت الحاكم . الذي أمر حاشيته أن تفتش بيت الشيخ وتوعد الغريب بالعقاب الأليم لو ثبت تجنيه على الشيخ الورع ولكن .. عاد أتباعه ليخبروه بأنهم وجدوا مجوهراته مدفونه في قبو الشيخ !!
كانت صدمة لم يحتاج الحضور وقتا لاستيعابها وهنا ألتفت الحاكم على الغريب وسأله " ما الذي دلك على أنه الفاعل وأنت لست من أهل المدينة " فروى له الغريب قصته " كانت لي يا مولاي زوجة أحبها ، وذات يوم طلبت مني أن أقطع الشجرة التي تطل على مخدعها ولما سألتها عن السبب قالت " أن الطيور تقف على أغصانها وهي لا تريد أن تنكشف على الطيور أو يراها غيري" يومها حمدت ربي على هذه الزوجة التقية المستقيمة ومرت الأيام لأدخل عليها وأجدها مع عشيقها الذي يجاورنا والذي كانت الشجرة تحول بين شباكها وشباكه وتمنع عنها النظر إليه ، فهجرت مدينتي من فرط الصدمة وعرفت من يومها أن من " يبالغ " في ادعاء الشرف لا بد وأنه ممن يخفون أمراً !!
تختزل تلك القصة حالنا مع كثير من " المستشرفين " الذي يظنون أن الله لم يهد للحق سواهم .. هؤلاء الذين " يبرهنون" لنا على استقامتهم من خلال الطعن في سلوكيات الآخرين ، والحديث عن العرض والشرف مادتهم المفضلة وهؤلاء عادة ما يدفعون عنهم شبهات " الخطيئة " بإلصاقها بالآخرين مصداقا لقول الشاعر " رمتني بدائها ثم أنسلت " !
كنت أرى دوماً أن المتدين والمستقيم الحقيقي ينشغل بنفسه وآثامه وعيوبه عن آثام غيره . فهو لا يرى في نفسه الكمال ليطلبه من أحد .. ولا يعيب في شرف الآخرين إلا الناقص . ولا يخوض في الأعراض إلا من خبث منبته ومسلكه وصدق المتنبي يوم أنشد " من ساء خلقه .. ساءت ظنونه ".