محمد بن سيف الرحبي
من أرض مجان إلى أرض دلمون جئت، أستميح التاريخ عذرا، معي نذوري وبخوري، أحمل اللبان إلى أرض الخلود، وأقول أنّي أحمل في مفكرة تاريخ عشقي لهذه البقعة الطيبة من الأرض خلودا لم ينله جلجاميش، حيث الماء الذي يلامس ساحل مسقط هو ذاته المنسكب عطرا على ساحل المنامة، وأني أنا المتيم ببحر من الحب، أضع قلبي على بحرين تكتمل بهما أضلاع الكلمة.
أيتها المائية، السماوية، كالأنثى العاشقة تسامرين الموج وقمرك الصاعد في سماك، تزفه ملايين النجمات، لا أستقيل من ذاكرتي، ولا من عاطفتي، كيف يستقيل العشاق من مكاتيبهم وأغانيهم؟ ولا زلت أسمع المطرب العماني القديم محمد سلطان المقيمي يغنّي "أرسلت مكتوب من بحرين المنامة إلى المحبوب في سمائل عمان"، وهذا أنا السمائلي يعود بمكاتيبه العمانية من جديد إلى منامة البحرين، وكل سواحل عمان معي تتظاهر في القلب، عودة إلى المرافيء القديمة التي هبط على رملها أجدادنا ليكونوا بين أهلهم وفي وطنهم، فكنتم نعم الأهل لهم، وكان الوطن خير وطن.
يا بحرين.. "خضر نشلك على عودك، تزينينه ولا يزينك"، يا ضحكة القصيدة على شفاه عبدالرحمن الرفيع، وعطر الحبيبة إذا مرّت، وأردد للمرة التي لا تحصى بعدد أمواج لامست شطك.. "وتقولين يا بعد كبدي وأقولك يا نظر عيني، أعرفك زين أعرفك، من محرق وصيف العين بحريني".
يا بحرين، يا ضوء الشعر.. ويا اخضرار القصيدة على شفة علي عبدالله خليفة حيث معزوفات عطش النخيل وأنين الصواري:
"لا تروح .. لا تبتعد .. لا تطير عن داري
مَحّدْ يفيدك أبدْ .. مَحّـد ترى يداري"
وأنا طائرك الذي لا يبتعد، كل دورك داري، فالنخلة الشاربة من عطر مائك أعرفها، وبيت هنا بناه أبي قبل ستين عاما سيعرفني.. ومذاق الحلوى كالذي يعبق زعفرانه من سوق باب البحرين مشتهى كأنفاس حبيبة، لا تحتاج من يعرفنا.
يا بحرين.. يا روح النص في مفكرة قاسم حداد:
"لَيْلايَ لَوْ يَدُهَا عَليَّ
ولَوْ يَدِي مَنْذُورَةٌ تَهَبُ الرَسُوْلا
سَأقُولُ عَنْها مَا يُقالُ عَنِ الجُنُونِ إذا جُنِنْتُ
ولِي عُذْرٌ إذا بالَغْتُ فِي مَوْتِي قَلِيلا".
سأبالغ في حياتي كثيرا لأني على ترابك، رسول جاء من ثرى تربة طيبة مكنون بها حب ثراك الطيب، يحمل في يده بشارة وفي قلبه شعلة فرح، وفي روحه دعاء، وعلى لسانه بسملة، سلام قولا من رب رحيم، على أهلك الطيبين.. على غواص يتنفس ملح القاع يحلم بلؤلؤة تحفظها له أصداف بحرك.. على صوت النهّام.. على أسراب اليمام، على نغم يسيل مطرا من عود خالد الشيخ.
** من كلمة ألقيتها في أمسية بالبحرين الأربعاء الماضي.