رائد الأعمال "المديونير"

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٩/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
رائد الأعمال "المديونير"

علي بن راشد المطاعني

أحد رواد الأعمال من الذين أعتز بهم كرائد أعمال فعلا، ينحت في الحجر الصلد لبناء مؤسسته، ويعتز باختياره العمل الحر باعتباره بارقة أمل له ولأسرته ومجتمعه ووطنه، يتدفق هذا الشاب حماسا، وطموحاته تسابق أمانيه، وأعماله ومشاريعه تتحقق على أرض الواقع بفعل إيمانه العميق بريادة الأعمال، هرب من العمل الحكومي بمزاياه، وبدأ عمله التجاري في تصنيع العطور ومستلزماتها، فتح فرعا تلو الآخر.
إلا أن الشاب الطموح "إلياس" بدأ اليأس يدب في نفسه، ويندب حظه أنه ترك رفاهية الوظيفة وجاء إلى عذاب العمل الحر كما يصف، يصرخ بأعلى صوته، رغم محاولاتي لتهدئته، إلا أن المعاناة على ما يبدو تسابق نبرات صوته التي تنمّ عن حزن وتعب ومضايقات يجدها رواد الأعمال في جهاتنا الحكومية، وفي إدارة أعمالهم، جاء من ولاية نزوى إلى مسقط، باعتبارها عاصمة يمكن أن يجد فيها ضالته لتسريع أعماله، يواجه - كغيره على ما أعتقد - الكثير من العراقيل والصعوبات التي يصفها بالكيدية، تنال من همم الشباب الطامح لركوب ريادة الأعمال، وإيجاد جيل من رجال الأعمال في السلطنة، إلا أنه ما كان يرى أنها أحلام، لم تعد أحلاما، تراود أبناءنا الذين نطمح أن يكونوا رواد أعمال، لكن هيهات أن يتحقق ذلك في ظل الممارسات التي تصدّ الوجوه الشابة والحالمة بمستقبل أفضل وخدمة وطنها بعراقيل لا نهاية لها تقف في طريقها، وتحطّم معنوياتها المرتفعة التي تراود الشباب بأن يكونوا أصحاب أعمال، وهو ما ينبغي الوقوف عنده بجلاء لإيجاد قاعدة من ريادة الأعمال تدار من أبناء هذا الوطن، لا أن تكون الجهود المبذولة من الحكومة والشباب ضربا من الخيال، لن يتحقق على أرض الواقع.
فهذا الشاب الطموح، يلخّص معاناة الكثيرين من رواد الأعمال، وما يواجهونه من صعوبات في بدء أعمالهم الحرة، وتفضيل العمالة الأجنبية في الأعمال والمناقصات الحكومية، والإجراءات البيروقراطية التي تقف عائقا أمام الشباب، فلا تسهيلات يمكن أن تميز رائد الأعمال‏ الناشئ الذي يحتاج إلى كل الدعم والمساندة من الجهات الحكومية لكي يشرع في عمله الخاص،وتفتح أمامه آفاق المستقبل لكي يستوعب غيره معه في هذا المصنع أو ذاك المحل، ويكون بذلك قد خفف العبء عن الحكومة في طلب الوظائف.
إلا أن ذلك بعيد المنال كما يصف الشاب إلياس الذي بلغ اليأس أوجه في نفسه، وبدأ يصيح من ويل الإجراءات والعقبات، ويقول إن المعاملات لا تمر إلا بالمعارف للأسف في الجهات الحكومية، وتخليص المناقصات لا يتم إلا بوضع شيء تحت الطاولة، والموظف في الجهة الحكومية يمنّ عليك إذا أتمّ لك معاملة، وتنتهي معاملتك بعد أن تكاد روحك تخرج من جسدك، وتُحايل الموظف وتُدلعه كطفل، ويمضي في سرد معاناته قائلا إنه فقد الثقة في أي جهة أو مسؤول يدّعي أنه يدعم رواد الأعمال ويتاجر دائما في وسائل الإعلام بهذه الاسطوانة المشروخة على حد قوله.
لكي نكون واقعيين مع أنفسنا ودقيقين في تشخيص الأمور إذا رغبنا، ومعالجة ما يواجهه رواد الأعمال من تحديات تجاوزت مفهوم التقليدي للضغوط إلى ما يمكن وصفه بالكيدية نحو دحر رواد الأعمال، وإزاحتهم من طريق مزاحمة الأجانب في ممارسة الأعمال الحرة في البلاد، بل وإفشالهم كغيرهم ممن سبقوهم في هذا المجال، لكي يلملموا أشلاءهم ويتركوا المجال للوافدين، يرزحون في الساحة دون حسيب ولا رقيب، ليظل الوضع كما عليه إلى أن تقوم الساعة وهذا ما لا نرضاه أن يكون في السلطنة، لكن في المقابل لا يكون ذلك بالأماني فقط وإنما بتضافر الجهود وتكاتف الجهات في تبني تشجيع ريادة الأعمال كمنهجية لإحلال المواطنين.
إن ما يفضفض به الشاب إلياس، يعكس واقعا ‏للأسف، وينبغي أن لا ننكر أن هذا ما يواجهه رواد الأعمال في كل مكان دون استثناء، ودون هوادة من الجهات الحكومية التي لم يدخل في قاموسها مفردة رواد الأعمال بعد، وما ينبغي القيام به من جهد لتمكينهم من أعمالهم، وتقدير الجهود التي تبذلها بعض الجهات الحكومية المختصة لتمكين رواد الأعمال في البلاد، في إطار استراتيجية تهدف إلى إيجاد فرص عمل في ريادة الأعمال، فهذه الجهات كما يقال في وادٍ، ورواد الأعمال في وادٍ آخر، لا يمكن أن يلتقيا على هدف واحد للأسف، مثل الخطين المستقيمين اللذين مهما امتدا فلن يلتقيا، هذا واقع يعايشه يوميا أبناؤنا من خلال العديد من الممارسات التي تضعها الجهات الحكومية أمام الشباب الممارسين لأعمالهم الخاصة، ولكن السؤال الأهم هو متى تعي هذه الجهات أنّ عليها مسؤوليات كبيرة تساند بها خطوات الجهات المختصة بهذا الجانب، فهذه الوحدات الحكومية المختصة بريادة الأعمال لا يمكن أن تنجح ما لم تساندها الجهات الأخرى.
فإذا كانت الجهات المعنية بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة تعمل لتمكين الشباب العماني من سبر أغوار العمل الحر وتشجّع وتساند رواد الأعمال، ثم تأتي جهات أخرى تعرقل مشاريعهم، فكأننا لم نحرّك ساكنا ولم نفعل شيئا، فما الفائدة إذا كانت هناك جهة تُعزّز وأخرى تُحبط! أو تطلب المستحيلات من رواد الأعمال، ‏فهل تتوقعون أن تزدهر الأعمال الحرة، وتنمو وتتطور في ظل هذا التعاطي السلبي من جانب وحدات حكومية منوط بها تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتمكينها في إطار توجه الدولة لهذا المسار، باعتباره يستوعب أعدادا كبيرة من الباحثين عن عمل.
بالطبع ما نقوله هو أنه ليس كل كلام رواد الأعمال صحيحا، فبعضه يكتنفه عدم الدقة وبعضه الآخر فيه شيء من المبالغة، ولكن المعاناة موجودة، والتحفيز والتشجيع مفقود، هذه حقيقة ينبغي الاعتراف بها، وفي المقابل أيضا ينبغي أن يتعود أبناؤنا على تجاوز التحديات وأن الطريق ليس مفروشا بالورود لكي تسير الأمور حسب رغبة رواد الأعمال، لكن أيضا هناك من يكيد لرواد أعمال ويقضم جهودهم، ويحبط معنوياتهم بالإجراءات التي ينبغي أن تسهل على أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتقضي على التجارة المستترة وأصحابها الذين يبيعون السجلات مقابل حفنة من المبالغ البسيطة شهريا.
نأمل أن تكون هناك فلسفة لتشجيع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في البلاد من كل الجهات لما تقوم به من جهود كبيرة في استيعاب أعداد لا بأس بها من الباحثين عن عمل، وباعتبارها ملاذا كبيرا لأبنائنا بدلا من الوظائف، فهل نحن نعي أهمية ريادة الأعمال وأهميتها؟ للأسف، نقول لم نصل بعد إلى هذا الفهم الكبير! للوطن وأبنائه، لكن من الأفضل أن نتكلم قليلا ونعمل كثيرا في هذا المجال وغيره.
وخير دليل على ما سطرته أعلاه هو واقع الحال مع رواد الأعمال تجاه الأزمة المالية والتي كانوا هم حطب نارها، فعصفت بهم عصفا، فتقطعت بهم السبل، وأغلقت في وجوههم أبواب المشاريع الحكومية حتى الصغيرة منها، فتحول الواحد منهم إلى "مديونير" عوضا عن "مليونير" وهذا واقع مؤسف جعل من رائد الأعمال الأضحية التي لم يذكر اسم الله عليها أثناء ذبحها.