هل ركب العالم العربي قافلة الطاقة المتجددة؟

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١١/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:١٠ ص
هل ركب العالم العربي قافلة الطاقة المتجددة؟

2015، تاريخ سيبقى محفوراً في تاريخ الطاقة المتجددة في العالم. والسبب؟ شهد هذا العام الكثير من التقدم حتى لو أن التحديات ما زالت موجودة. ومن بين هذه التطورات، نذكر انخفاض كبير في أسعار الوقود الأحفوري العالمية، والإعلان عن عدد من عقود الطاقة المتجددة الطويلة الأمد بأسعار منخفضة، وانتباه متزايد لتخزين الطاقة ولعلّ الأهم الاتفاق حول تغير المناخ التاريخي في باريس، وكانت قد انضمت إليه مؤخراً كل من الولايات المتحدة والصين، أكبر بلدين متسببين بالاحتباس الحراري.

حتى أن التزامات العالم أخذت منحى آخر مع «أهداف التنمية المستدامة» الـ 17 لتحويل عالمنا من قبل منظمة الأمم المتحدة إلى عالم أكثر استدامة حيث اتخذت الطاقة حيزاً كبيراً منها لاسيما أن إمكانية حصول الجميع على الطاقة أساسي، سواء من أجل فرص العمل أو الأمن أو تغير المناخ أو إنتاج الطاقة أو زيادة الدخل. وبالتالي، طاقة مستدامة تعني خدمات طاقة حديثة وتحسين كفاءة الطاقة وزيادة استخدام مصادر الطاقة المتجددة.

إدراك عربي -ولو متأخراً- لأهمية الطاقة المتجددة

بالفعل، أدرك العالم بأسره أن الطاقة المتجددة هي مصدر رئيسي في مجال الطاقة. وبحسب تقرير «شبكة سياسات الطاقة المتجددة للقرن الـ 21»، يُعزى النمو السريع، لاسيما في قطاع الطاقة، إلى عوامل متعددة بما فيها تحسين التكلفة التنافسية لتكنولوجيات الطاقة المتجددة، وتخصيص مبادرات لوضع السياسات، ونفاذ أفضل للتمويل، وأمن الطاقة والقلق البيئي، والطلب المتزايد للطاقة في الدول النامية والاقتصادات الناشئة والحاجة إلى النفاذ لطاقة حديثة.
أما في ما يتعلق باهتمام المنطقة العربية بالطاقة المتجددة، فيرى بيار الخوري، مدير عام المركز اللبناني لحفظ الطاقة في لبنان أن هذا الاهتمام قد يختلف من دولة إلى أخرى إلا أن «العالم العربي ككل ليس متأخراً كثيراً. فلا بد من الإشارة إلى أن ما بين 1990 و2005، كانت الطاقة المتجددة مكلفة جداً ولم تحمل أي جدوى اقتصادية وشهدت في العام 2015، نمواً مطرداً في العالم». ويضيف «ربما نحن متأخرون مقارنة بالدول الأوروبية ولكن ليس مقارنة بالولايات المتحدة. فمتى اهتم العالم بالطاقة المتجددة، التحقت الدول العربية بالموجة».
أمر أكد عليه أيضاً تقرير أصدره المركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة الذي أشار إلى أن التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة تكتسب أخيراً زخماً في المنطقة العربية. ووجد التقرير أنه منذ أول نسخة له العام 2013، شهدت العديد من الدول في المنطقة تقدماً كبيراً نحو خلق ظروف أفضل للإقبال على الاستثمارات في الطاقة المتجددة. فعلى سبيل المثال، اعتمدت كل من الجزائر ومصر وفلسطين وتونس خططاً لتعرفة إمدادات الطاقة المتجددة من أجل الترويج لها في حين أن الأردن وقّعت 14 اتفاقاً من أجل تطوير مشاريع الطاقة المتجددة. أما المغرب والإمارات العربية المتحدة، فبدأت بتنفيذ مشاريع للطاقة الشمسية على نطاق واسع في حين أن لبنان حصل على تمويل خاص من أجل تطوير مشاريع الطاقة المتجددة على نطاق صغير.
وفي ما يتعلق بلبنان، يخبرنا الخوري أن «العام 2009، كان هدفنا أن نصل إلى نسبة 12% من الطاقات المتجددة بحلول 2020 وكان الأمر التزاماً سياسياً. ونعمل اليوم على الخطة الوطنية الثانية لـ 2016-2020 من أجل تحديد كل التكنولوجيا الضرورية لتحقيق هذا الهدف». ويشير إلى أن لبنان حقق الكثير من التطور في مجال اللامركزية على مستوى المستهلك غير أن الكثير من العمل ما زال ضرورياً على مستوى الحكومة».

أي طاقة متجددة في المنطقة العربية؟

لا شك أن مصادر الطاقة المتجددة شهدت الكثير من التطورات حيث يقول الخوري «إضافة إلى طاقة الشمس والمياه والرياح يمكننا أن نضيف إليها تحويل المواد العضوية إلى الطاقة واستعمال حرارة جوف الأرض وموج البحر وتوليد الطاقة بالاندماج وإلى ما هنالك إلا أننا على المستوى العربي، نركز على تكنولوجيات ثبتت جدواها وتمت تجربتها والتأكد من نتائجها الإيجابية».
وكان دليل الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة في الدول العربية الذي أصدرته أمانة الطاقة التابعة للجامعة العربية العام 2015، قد أكد على طفرة غير مسبوقة في التوجه نحو إنشاء محطات كهرباء تعتمد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وجاء في الدليل أن المغرب كان أعلن عن هدف الوصول إلى 52% من الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة العام 2030، فيما الأردن يريد أن تساهم الطاقة المتجددة في خليط الطاقة الأولية بنسبة 10% بحلول العام 2020. وكانت مصر قد رسمت استراتيجية على أساس الوصول إلى 20% من مساهمة الطاقة المتجددة من إجمالي الطاقة الكهربائية المولدة بحلول العام 2020. وتسعى إمارتا أبوظبي ودبي في الإمارات العربية المتحدة إلى زيادة مساهمة الطاقة المتجددة لتصبح 7% العام 2020 و15% العام 2030، على التوالي.

ويضيف إلى ذلك الخوري أن دول عربية فقيرة مثل جيبوتي والسودان والصومال تستفيد من الطاقة المائية لتوليد الكهرباء في حين أنه يشدد على أن «لبنان من بين أفضل 10 دول في مجال تسخين المياه على الطاقة الشمسية بحسب الوكالة العالمية للطاقة وبأن سوق الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء عند المستهلك النهائي مزدهرة جداً» كاشفاً أنهم بانتظار موافقة الدولة اللبنانية على أول 3 محطات رياح بقدرة 200 ميجاوات بمحافظة عكار الشمالية.

ويزيد الخوري أنه لا بد من النظر إلى قدرة هذه المشاريع لا حجمها قائلاً «المشاريع التي تنفذ في الإمارات والمغرب مثلاً هي على مستوى الحجم الأكبر على الإطلاق. ولكن، إذا قارنا الحاجة فإن 100 ميجاوات لا تشمل 1% من حاجات الإمارات من الطاقة في حين أنها تشكل 7 إلى 10 % في لبنان» داعياً إلى التركيز على نسبة مساهمة الطاقات المتجددة من إجمالي الحاجة الطاقوية لكل بلد.

ولا شك أن أهم مشاريع الطاقة الشمسية في المنطقة العربية هي «محطة نور 1» للطاقة الشمسية في المغرب التي تعتبر من الأكبر في العالم والتي استغرق بناؤها ثلاث سنوات تقريباً وبلغت تكلفتها 671 مليون دولار. هذه المحطة التي تمتد على مساحة 450 هكتاراً ضمن مشروع أكبر تصل مساحته إلى 3 آلاف هكتار تهدف إلى إنتاج 580 ميجاوات من الكهرباء يومياً.
ولا يمكننا أن نغض الطرف عن مدينة مصدر الإماراتية في أبوظبي التي جعلت من الطاقة النظيفة جوهر استراتيجيتها حيث التزمت «مصدر» باستثمار أكثر من 1.7 بليون دولار في مشاريع الطاقة المتجددة وتساهم مشاريعها بتوفير نحو 1 جيجاواط من الطاقة النظيفة في الإمارات وخارجها. فإضافة إلى مشاريعها المحلية مثل «شمس 1»، تنجز «مصدر» العديد من المشاريع في الخارج كشبكة الطاقة الشمسية في موريتانيا و»مصفوفة لندن» لتوليد طاقة الرياح.

التحديات مستمرة

أحرزت الدول العربية الكثير من التطورات والإنجازات في ما يتعلق بالطاقة المتجددة. ولكن على الرغم من هذا التطور، ما زالت هناك العديد من التحديات مثل الاستثمارات الخاصة التي ما زالت نادرة، والبنية التحتية غير الكافية للشبكات في معظم الدول العربية، وصعوبة النفاذ إلى المساحات الشاسعة الضرورية لتنفيذ المشاريع.
ويعد الخوري أن موضوع الطاقة المتجددة لديه العديد من الأوجه بغية أن يتكلل بالنجاح ويجب أن تتوفر عوامل عدة. ويقول «لا يكفي أن يكون لدينا إطار قانوني جيد من دون خطة وطنية ولا يكفي أن يكون لدينا خطة وإطار وطني بدون ثقافة ووعي لدى الناس. الطاقة المتجددة هي حلقة متكاملة وهذا ما ينقص في العديد من الدول العربية».
نحن بحاجة حلقة متكاملة تتضمن إذاً خطة وطنية وإطار قانوني داعم وآليات تمويل واضحة وبناء القدرات ونشر ثقافة دائمة. وتجدر الإشارة إلى أنه حتى الآن على الرغم من أن عدد الدول العربية التي بدأت التخطيط لكفاءة الطاقة تجاوز الـ 12 إلا أن ست منها فقط اعتمدت خططاً وطنية.
وتبقى المشكلة، بحسب الخوري، أن «معظم الدول العربية لا تملك العناصر الخمسة». إلا أن العديد منها بدأ بجهود فردية لإحداث قفزة نوعية، كما لا يمكن إنكار جهود إدارة الطاقة في جامعة الدول العربية التي تعمل على اعتماد معايير مشتركة بين الدول والربط بينها وإلى المركز الإقليمي للطاقات المتجددة في القاهرة الذي يعمل على بناء القدرات وتبادل النجاحات إلا أن التعاون على مستوى صناع القرار ما زال ضئيلاً.
ما شكل الطاقة المتجددة في المنطقة العربية بعد 10 سنوات؟ هنا يجيب الخوري «نبذل جهوداً كثيرة في مجال الطاقة المتجددة ولكن إن لم يتخذ عملنا طابعاً مؤسساتي جديّ ضمن الحلقة المتكاملة، لن يتطور كثيراً. وعلى الرغم من أن العديد من الدول العربية أظهرت التزاماً واضحاً بالطاقة الجديدة، يبقى السؤال: بأي سرعة؟».

متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية