المستشار السابق لصندوق النقد الدولي بواشنطن: لـ"الشبيبة" الاقتراض الخارجي ضرورة لإنقاذ الاقتصاد المصري

مؤشر السبت ٠٨/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٥٥ ص
المستشار السابق لصندوق النقد الدولي بواشنطن: لـ"الشبيبة"
الاقتراض الخارجي ضرورة لإنقاذ الاقتصاد المصري

القاهرة- خالد البحيري
أمور ثلاثة أكد عليها د. فخري الفقي المستشار السابق لصندوق النقد الدولي بواشنطن خلال حواره مع "الشبيبة" حول واقع الاقتصاد المصري ورؤيته المستقبلية لها.. الأول: أن الاقتصاد المصري يعاني من عدة أمور البعض منها ناتج عن عوامل محلية وإقليمية ودولية وعلى رأسها تراجع النمو العالمي وكذلك حجم التجارة الدولية، بينما يرجع البعض الآخر إلى فشل "المجموعة الاقتصادية" في الحكومة في إدارة هذا الملف باحترافية، وعدم تناغم السياسات بما يضمن نجاحا لها.
أما الأمر الثاني فهو أن اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للاقتراض ليس عيبا في حد ذاته، وربما يكون "الدواء المر" الذي لابد به منه لتعافي الاقتصاد المصري، وإعادة اطلاقه من جديد.
وأن الحكومة التي أعدت برنامج الاصلاح الاقتصادي هي المفترض أن تقوم بتنفيذه، وجاء الأمر الثالث ليؤكد أن القانون الذي تم إصداره مؤخرا والمتعلق بالضريبة على القيمة المضافة والذي يلقى معارضة شديدة من جانب الشعب المصري، له فوائد وأضرار ومن منافع تطبيقه أن يمنع التهرب من الدفع مثلما كان الحال مع ضريبة المبيعات كما أنه سيمكن الدولة من بناء مشروعات مثل المدارس والمستشفيات وتطوير العشوائيات وبناء مساكن الاسكان الاجتماعي، وعلى الجهة الأخرى فإن عيوبه تتمثل في أن له أثرا تضخميا وزيادة في الأسعار.
وإلى نص الحوار..

- برأيك لأي مدى يرتبط الوضع السياسي بالوضع الاقتصادي في الدولة؟
أحد شروط تحقيق تقدم على الصعيد الاقتصادي، أن تتمتع الدولة باستقرار أمني وسياسي، وهما متلازمان معا كشرط مسبق للتعافي الاقتصادي وتسريع وتيرة النمو والتنمية في أي دولة.
كيف تقيم الوضع الاقتصادي في مصر الآن؟
الاقتصاد المصري يمر بأزمة شديدة، تتمثل في معدل نمو اقتصادي أقل مما هو مُستهدف، حيث حقق نموا قدره 3.8% في العام الفائت (2015-2016)، بينما كان المُستهدف 4.5%، كذلك قدرة الاقتصاد على خلق مزيد من فرص العمل أقل ما هو مُتوقع، ولازالت الباحثين عمل مرتفعة بمستوى 12.5% من إجمالي القوى العاملة الموجودة في مصر والتي تقدر بـ 27.5 مليون فرد راغبين في العمل، بواقع 3.5 مليون عاطل في مصر، إذاً الاقتصاد المصري به مشكلة تتمثل في قلة قدرته على خلق مزيد من فرص العمل بالقدر المرَجو، ما يؤثر أيضاً على قلة معدل النمو الاقتصاد.
كذلك معدلات الزيادة في الأسعار في تزايد مستمر ومن المعروف أن التضخم يزيد الفقير فقراً ويزيد الغني غناً، وعندما نتحدث عن الفقراء فأننا نقصد بذلك غيرالمقتدرين من الموظفين والمتقاعدين ومن هم في حالة بطالة وعمال اليومية وأصحاب معاش الضمان الاجتماعي وهم حوالي 55 مليون مواطن من الـ 90 مليون مصري، وهؤلاء يحصلون على دخول ثابته في ظل تزايد الأسعار، وبالتالي هم من يمولون رجال الأعمال والتجار والحرفيين واصحاب المهن الحرة وهو ما يؤدي إلى تهديد السلام الاجتماعي وزيادة الفجوة بين الطبقات.
يضاف إلى ما سبق عجز الموازنة العالي، وهو ما يجعل الحكومة تسوي العجز من البنوك وتزاحم القطاع الخاص في الحصول على التمويل، أيضاً سعر الصرف للعملات الاجنبية عند البنك المركزي منخفض عن سعر السوق السوداء، ما يعني زيادة في الأسعار بشكل عام، كما أن أي خفض لسعر الجنيه المصري أيضاً يؤثر على الأسعار، كذلك تفاقم الدين العام ووصله إلى 98% من اجمالي الناتج المحلي، وهذه كلها أعراض مرض الاقتصاد المصري.

- بما أن تلك أعراض مرض جسد الاقتصاد المصري، فبرأيك ماهي أسباب ذلك المرض؟
مُقسمة إلى قسمين، الأول أسباب خارجة عن ارادة الدولة مثل تأثر الاحتياطي النقدي الأجنبي في السنوات الخمس الماضية نتيجة تأثر المصادر الخمس التي تصب الدولار في شرايين الاقتصاد المصري، وهي: الصادرات وتحويلات المصريين العاملين بالخارج،وعائدات قناة السويس، وعائدات السياحة وحجم تدفق الاستثمارات الأجنبية، مماأدى إلى أن جسم الاقتصاد المصري مُعطل، كذلك تباطؤ معدلات النمو في الاقتصاد العالمي، وخاصة دول مثل الصين واليابان وكوريا وأمريكا اللاتينية والاتحاد الأوروبي مماأثر على التجارة العالمية وبالتالي على عائدات قناة السويس في مصر.
ويضاف إلى ما سبق الهبوط الحاد في سعر برميل البترول بنسبة 60% مما قلل المساعدات من الدول التي كانت تدعم مصر وتساندها مالياً، أيضاً المصريين في الخارج أصبحوا أكثر حرصاً في عمل تحويلات لمصر ولا يمكن أن نتغافل عن تأثير الصراعات الدائرة بالدول المجاورة لنا.
والقسم الثاني يتعلق بأسباب ترجع للدولة، ومنها عدم تناغم السياسات الاقتصادية وسوء إدارة الاقتصاد مع وجود جهود اصلاحية متناثرة ما يفقدها قيمتها.

الإصلاح الاقتصادي
- كيف تقيم "برنامج الإصلاح الاقتصادي" كعلاج للوضع الاقتصادي في مصر؟
برنامج الإصلاح الاقتصادي وضعته الحكومة المصرية الحالية ولكن في "قالب مصري" يفتح شهية المستثمر المصري فقط، لذلك توجهت إلى صندوق النقد الدولي، ونحن لنا حصة به منذ تأسيسه قبل 70 عاماً ويحق لنا الاقتراض منه 12 مليار دولار كحد أقصى بسعر فائدة 1.5%، على عكس الاقتراض من الأسواق العالمية بفائدة 7.5%، بعدها قام الصندوق بمراجعة البرنامج الإصلاحي ووضع عليه بصمته ليجذب المستثمر الأجنبي أيضاً، ثم اعطانا الموافقة المبدئية على مستوى الخبراء الموجودين، ولكن هناك فجوة تمويلية وهي فرق بين المدخرات الضعيفة والاستثمارات الطموحة التي تقدر ب 30 مليار دولار في ثلاث سنوات بواقع 10 مليارات دولار لكل سنة، صندوق النقد الدولي سيعطي مصر منهم 12 مليار دولار ويتبقى 18 مليار دولار تقوم مصر بتدبيرهم بواقع 6 مليارات كل سنة، برنامج الإصلاح الاقتصادي يحتاج الدفعة الأولى 6 مليارات دولار لكي يحظى بالموافقة النهائية من صندوق النقد الدولي.
فأودعت الإمارات مليار دولار والسعودية بليون دولار، والبنك الدولي تعهد بإيداع 3 بلايين دولار، بليون دولار دفعة أولى، والبنك الأفريقي للتنمية 1.5 بليون دولار وتم ايداع نصف بليون منهم سابقاً وسيتم الإفراج عن الباقي قريباً، وكل تلك الجهود لكي يعطي الصندوق الدولي الموافقة النهائية على هامش الاجتماعات السنوية للصندوق الدولي خلال أكتوبر الجاري.
هذا البرنامج من المفترض أن يحسن معدل النمو ويزيد من فرص العمل والاستثمار، ثم يوحد البنك المركزي سعر الصرف وسيكون الاحتياطي النقدي في البنك المركزي 25 بليون دولار ويكون بذلك قادراً على تلبية احتياجات المستوردين من الدولار ويحد من توجههم للسوق السوداء التي سينخفض سعر الصرف بها كنتيجة لكل ذلك.

- وماذا عن الأصوات المعارضة لقرض صندوق النقد الدولي خوفاً من تكرار تجربة الارجنتين التي باءت بالفشلوأدت إلى إعلان إفلاسها؟
سبق وتعاملنا مع البنك الدولي عام 1991 وكنا على وشك إعلان إفلاسنا في العام 1990، فقد كان معدل النمو بالسالب، والتضخم 23% بخلاف ماهو الآن 16.8%، وعجز الموازنة كان 21% من الناتج المحلي وهو الآن 11.5% أي أن الوضع كان أخطر من الآن بكثير، وتم عمل برنامج إصلاح اقتصادي في حكومة د. عاطف صدقي لمدة 6 سنوات، وأخذ أول دفعة لقرض من صندوق النقد الدولي، فنزل التضخم من 23% إلى 3% فقط، وعجز الموازنة من 21% إلى أقل من 1% كذلك سعر صرف الدولار استقر طوال الـ 6 سنوات عند سعر 3.40 جنيه، وأيامها كان احتياطي البنك المركزي يلبي احتياجاتنا 3 أسابيع فقط وصل عبر برنامج الإصلاح إلى 18 شهر واردات، إذاً نجح البرنامج الاقتصادي آنذاك بل أن الصندوق عندما دفع لنا الدفعة الأولى من القرض دارت العجلة الاقتصادية واكتفينا ولم نأخذ باقي الدفعات وبدأنا في سدادها، فلماذا نقارن بتجربة الارجنتين ونتغاضى عن تجربتنا السابقة الناجحة.

القيمة المضافة
- أحد هذه التدابير هوقانون "الضريبة على القيمة المضافة" كيف تقيمه؟ ولماذا يرفضه بعض البرلمانيين والقوى المعارضة؟
هذا القانون من التدابير التي لابد أن تؤخذ في ميعادها، القانون له مزايا وعيوب بالقطع، وإذا قارناه بضريبة المبيعات فإن من مزاياه أنه سهل الحساب لأن سعره واحد وهو 13% هذا العام و14% العام القادم، ولكن ضريبة المبيعات لها أكثر من سعر بداية من 0% إلى 40%، وهو يؤثر على الأسعارمرة واحدة في السنة مع إقرار الضريبة، كما أنه أكثر عدالة وأكثر وفرة في الحصيلة لأنه لا يتهرب منه أحد على عكس ضريبة المبيعات يتهرب منها الكثيرون، وبالتالي ستتمكن الدولة من بناء مشروعات مثل المدارس والمستشفيات وتطوير العشوائيات وبناء مساكن الاسكان الاجتماعي، وعلى الجهة الأخرى فإن عيوبه تتمثل في أن له أثرا تضخميا وزيادة في الأسعار، لذلك تم اعفاء 57 خدمة وسلعة ضرورية للمواطن من هذه الضريبة كجزء من شبكة الحماية الاجتماعية والتي تمثل "السكر"المضاف على الدواء المُر ليصبر المريض حتى يشفى من مرضه.
متى يشعر المواطن المصري البسيط بتحسن الاوضاع الاقتصادية ونجاح برنامج الإصلاح؟
عند تراجع معدل التضخم وتوحيد سعر الصرف، سيتم خلق مزيد من فرص العمل والاستثمار وستدور العجلة الاقتصادية وتبدأ الأسعار في الاستقرار.