الى اين تمضون باليمن ؟!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠٦/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٠ ص
الى اين تمضون باليمن ؟!

علي ناجي الرعوي

هل يجوز لنا في ظل الكارثة الانسانية المؤسفة والحرب المستعرة في اليمن منذ ما يقارب العامين والأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي تحيق بأبناء شعبه الذي يصل تعداد سكانه الى 27 مليون انسان والذين صارت الغالبية العظمى منهم على شفاء مجاعة قد تؤدي بهم الى الهلاك ان نسأل ما اذا كان الذي جرى ويجري في هذا البلد من حرب داخلية وخارجية هو فعلا وليد الاحتقان المتراكم عن عوامل الفقر والبطالة ومحدودية الموارد وكذا الانقسامات القبلية والمناطقية والجهوية والمذهبية وضعف الدولة المركزية وغيرها من العوامل التي ازدادت التهابا بفعل موجة (الربيع العربي) التي اجتاحته وبعض الدول العربية بدايات العام 2011م ؟
ام ان مأساة كالتي تحدث اليوم في اليمن منشأها فعلا يعود في الاساس الى من هو الاصلح والأنسب للحكم من وجهة نظر الاقليم والمجتمع الدولي وبالتالي فان (جماعة الحوثي) التي استولت على الحكم كما يقال عنوة في سبتمبر 2014م وقامت بإزاحة الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومته التي تحظى بدعم اقليمي ودولي قد تجاوزت تلك الحسابات وكانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر اليمن وبما دفع الدول الخليجية وبعض الدول العربية الى الانخراط في تحالف عربي عسكري من اجل اسقاطها عن طريق القوة بعد ان شعرت تلك الدول ان احتكار هذه الجماعة التي تصنف بعلاقتها المتينة مع ايران للسلطة يخل بالتوازن الذي سبق وان رسمته دول الاقليم للوضع في اليمن ولذلك فقد جاءت الحرب محصلة طبيعية لاختلال ذلك التوازن دون اعتبار لما قد ينجم ويترتب على تلك الحرب من دمار وخراب وضحايا بشرية ومآسي انسانية ؟
ام ان كل ما سبق لم يكن سوى مبررات شديدة المرارة لهذه الحرب التي تعتمل على ارض اليمن والتي تخوضها اكثر من 11 دولة تحت غطاء الدفاع عن شرعية (السلطة الدستورية) فيما الحقيقة ان حربا كهذه ليست بعيدة عن الصراع القائم بين بعض الدول الخليجية وإيران والذي كان ثمرة من ثمار الصراع بين الشيعة والسنة والذي يجري تغذيته من قبل اطراف دولية بهدف انهاك دول المنطقة وتحديدا اللاعبين الكبار فيها وقد ازدادت حمى هذا الصراع في الاشهر الاخيرة نتيجة التقارب الايراني الغربي بعد الاتفاق حول البرنامج النووي لطهران وشعور بعض الدول الخليجية بان هذا الاتفاق وان كان العرب ليسوا طرفا فيه وتحديدا الخليجيين فإنهم المستهدف الاكبر منه بطريقة مباشرة والى جانب هذا وذاك فقد تضاعفت حدة هذه الخلافات التي يدفع اليمنيون ثمنها جراء بعض التصريحات الايرانية التي بدت مستفزة للدول الخليجية وبالذات منها تلك التي قال فيها بعض المسئولين الايرانيين بان بلادهم قد نجحت في السيطرة على اربع عواصم عربية كان اخرها صنعاء التي التحقت ببغداد ودمشق وبيروت بسيطرة (جماعة الحوثي) على مفاصل الحكم فيها على الرغم من نفي هذه الجماعة لأي ارتباط لها بطهران ؟
بكل تأكيد ليست المرة الاولى التي يكون فيها اليمن ساحة لحرب بالوكالة او بالإنابة فالواقع انه ومنذ ظهور النظام الاقليمي العربي بشكله المعروف بعد الحرب العالمية الثانية والذي توزعت فيه الدول العربية الى فئتين : دول كبيرة الحجم والموارد تتصارع على زعامة العالم العربي ودول ضعيفة وهشة تحولت تلقائيا الى ساحة صراع واستقطاب للفئة الاولى فقد كانت اليمن احدى الساحات الحاضنة لمثل تلك الصراعات ويتجلى هنا أشدها ضراوة الصراع المصري – السعودي الدموي في اليمن ما بين 1962م – 1967م والذي كان من اكبر تداعياته هزيمة العرب من اسرائيل عام 1967م كما ان اليمن في حقبة الحرب الباردة كان على الدوام بين شمال اقرب للولايات المتحدة الامريكية والأنظمة في الخليج وجنوب اقرب للاتحاد السوفيتي والصين الامر الذي اسهم في نشوب العديد من الحروب بين شطريه نتيجة ذلك الصراع الايديولوجي الذي لم يتوقف إلا بقيام وحدته وانصهاره في اطار دولة واحدة عام 1990م وهو العام الذي بدأ فيه تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار منظومته وتقاسم اسطوله في البحر الاسود بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا.
لاشك ان هناك حالة من الاحتقان الشديد في المنطقة العربية واليمن ليست استثناءا غير ان ما يحدث في هذا البلد الذي تآخى ابناؤه مع السلاح على مدى حقب طويلة يتآكل اليوم بعمق فهناك جنوب يتوق الى الانفصال ويرى في انفصاله عن صنعاء حل لجميع مشاكله الامنية والخدمية والتنموية والحقوقية ويجد الكثير من ابناء هذا الجنوب في ما يصدر من بعض السياسيين الخليجيين من تصريحات حيال حق الجنوب في تقرير المصير من كونه قبولا خليجيا لاحتمالية فكاك الجنوب عن الشمال بعد ان وجد ظهير اقليمي ينتصر به على افرقائه في الجانب الاخر وربما لم يضع البعض في حسبانه المخاطر التي قد تنعكس عن تمزق اليمن مرة اخرى الى شطرين او اكثر واقل هذه المخاطر هو اننا سنشهد انفجار اجتماعي يتشكل ضمن اجندات تصفوية انفصالية تحركها منطلقات جهوية وقبلية ومذهبية تتقاتل في كنتونات منقوصة السيادة ومختلة الامن والوئام الاجتماعي.
وبصرف النظر ان كان ما يجري الان في اليمن هو نتاج لصراع اقليمي وحرب بالوكالة او مجرد ارتجاج لما من شأنه الدفع باليمنيين الى التسليم بثقافة التقسيم على اساس الجغرافيا وتباين اللكنات او كان ذلك يصب في خانة التمهيد لفرضية التأسيس للكيان الفيدرالي والاتحادي الذي يصر عليه الرئيس هادي فان الذي يستفحل اليوم على ارض الواقع لن يقود اليمن الى أي من تلك الخيارات وإنما الى جملة من التعقيدات وشبكة من المتداخلات التي ربما يضيع معها اليمن الذي صارت فيه حياة الافراد كتلة من الفوضى والعنف واللا امن والجوع الذي بات ككابوس جاثم على بطون الملايين من ابنائه الذين يشكون ظلم ذوي القربى ويترقبون القادم المجهول الى اين سينتهي بهم ؟

كاتب يمني