"مبادرة الفكة" بمصر تعود بمنافع اقتصادية

مؤشر الأربعاء ٠٥/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٣:٠٧ ص
"مبادرة الفكة" بمصر تعود بمنافع اقتصادية

القاهرة- خالد البحيري

أثارت مبادرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والمعروفة إعلاميا بـ"مبادرة الفكة" الكثير من الجدل في الشارع المصري سواء على مستوى الخبراء أو المواطن البسيط.. ففي الوقت الذي رحب فيه الاقتصاديون بهذه المبادرة واعتبروها "نوعية وذكية" رفضت فئات عديدة من الشعب القبول بالتبرع بهذه الأموال الزهيدة مؤكدين حاجتهم إليها في ظل ارتفاع الأسعار وتفاقم أحوال الكثيرين بسبب ضعف الرواتب وثباتها وعجزها عن مواجهة أعباء الحياة.
البداية كانت بضع ضمن خطاب الرئيس السيسي، خلال افتتاح أعمال تطوير عشوائيات منطقة غيط العنب بالإسكندرية: "سيبولي فكة معاملاتكم البنكية أنا عايزها نفيد بيها البلد"، مخاطبا رجال الأعمال من المتعاملين مع البنوك، بحيث يتم استغلال هذه "الفكة" التي يتم حسابها بالقروش (الجنيه المصري يساوي 100 قرش) وتقدر بالملايين –في رأيه- في اقامة مشروعات تخدم البلاد، ضاربا مثالا على ذلك "يعني لو واحد بيصرف شيك بـ1255 وشوية فكة.. نأخذ الفكة دي ونضعها في حساب لصالح البلد"، ثم وجه حديثه بعد ذلك للقائمين على البنوك "أنا مش عارف هتعملوها ازاي".
الغريب، أنه على الرغم من قوة أسانيد هذه المبادرة، سرعان ما تم استغلالها للترويج عبر وسائل التواصل الإجتماعي أن هذه الكلمات مجرد بداية لفرض المزيد من الضرائب على الرواتب، رغم أن تجربة جمع الفكة موجودة في العديد من بلدان العالم، بل تجدها في صندوق زجاجي بمطار ميونيخ الألماني، تم وضعه خصيصا لجمعها من المسافرين، وتخصيصها لمشروعات النفع العام.
ليس هذا فحسب، بل تنفذ هذه المبادرة في الكثير من دول الخليج لصالح الجمعيات والمؤسسات الخيرية، بحيث يتم وضع صندوق إلى جوار الموظف المسئول عن تحصيل الأموال "كاشير"، في فروع السلاسل التجارية الكبري، بحيث يتم سؤال المشتري بمدى قبوله التبرع بالفكة لصالح المشروعات التطوعية من عدمه، وفي حالة الموافقة يتم وضع الفكة أمام ناظريه، وفق رقابة صارمة على إيرادات هذه الصناديق، بما يضمن عدم التلاعب في أرصدتها من قبل القائمين على هذه السلاسل التجارية، وبالفعل حققت هذه التجربة نحاجات ملموسة.
المبادرة الرئاسية، كان قد سبق دراستها بشكل علمي وطرحت على المجلس العسكري في أعقاب ثورة 25 يناير عام 2011، وتم الموافقة عليها لكنها لم تنفذ، وكانت في صيغة نظرية أطلق عليها صاحبها د. هشام إبراهيم، الخبير الاقتصادى، نظرية "ادخار العلامة العشرية"، التي توقع لها أن توفر تمويلا للمشروعات القومية، وذلك عن طريق استغلال الأموال المهدرة فى الفواتير، التى تقوم الجهات الحكومية وغيرها من مقدمي الخدمات بتحصيلها من المواطنين.

صندوق تمويلي
وتتلخص النظرية، بحسب د. هشام، في قيام الدولة بإختصار الفارق السعري من قيمة الفاتورة أو الرسم أو الغرامة المقررة – علما بأن عدد فواتير المياه والكهرباء فقط تزيد عن 60 مليون فاتورة شهريا - إلى أقرب رقم صحيح، بمعنى أن يتم تقريب الفاتورة التي تنحصر بين 99 و100 جنيه إلى 100 جنيه، وتتولي الدولة تحصيل كسر الجنيه في صندوق تمويلي، على أن ينصرف هذا الأمر –كمرحلة أولي- على كافة المعاملات، التي تتم بين المواطنين وأجهزة الدولة المختلفة حكومية أو عامة، بما يضمن توفير نحو 50 بليون جنيه سنويا.
وتعطل تنفيذ هذا المشروع في فترة حكم المجلس العسكري، لأن الأمر كان مرهونا بقرار سياسي متبوع بتعديل تشريعي عبارة عن تعديل طريقة إصدار الفواتير اليومية، سواء المسددة أو المؤجلة الدفع، التى تصدر عند قيام المواطن بإجراء أى معاملات تجارية من الكيانات الاقتصادية بمصر، ليتم تقريب قيمة تلك الفواتير إلى أقرب جنيه، فمثلا فاتورة الكهرباء التى تصدر بقيمة استهلاك المواطن بمبلغ 99.60 جنيه يتم تعديلها، لتصدر بمبلغ 100 جنيه، على أن يتم تحويل الفرق (40 قرشا) من خلال شركة الكهرباء إلى كيان وطني يقوم على إدارة هذه الإيرادات.
واقترح د. هشام إبراهيم، في دراسته، أن يتم تحويل هذه القروش إلى كيان اقتصادي، وليكن صندوق استثمار يسمى "بنك الشعب التمويلى"ليتولي إدارة هذه الأموال، وإدراج اسم المواطن صاحب هذا الكسر العشرى ورقمة القومى مع قيمة التحويل المجمع إلى الصندوق، ليصبح المواطن فيما بعد شريكا فى هذا الصندوق، ويتم تنفيذ هذا المبدأ مع جميع الكيانات، التى تصدر فواتير للمواطنين، أو تحصل رسوما على خدمات.

الكسور العشرية
وبحسب هذه النظرية، يتم تحصيل الكسور العشرية، التي تتبقي في كل العمليات النقدية التي يشهدها المجتمع، ويقدر عددها بالبلايين شهريا، لأنها تخاطب كل فاتورة تصدر لمواطن يتبعها دفع طبعا، سواء داخل المصالح الحكومية أو خارجها في الأسواق التجارية، بذات طريقة تحصيل ضرائب المبيعات، على أن تتولي جهات التحصيل توريد هذه الأموال إلى "بنك الشعب"، الذي يتولي إدارة هذه الأموال بشكل علمي يقرره مجلس حكماء البنك، الذي يتولي تحديد أوجه الصرف، على أن تشرف مصلحة الضرائب على طريقة التحصيل، ويتولي الجهاز المركزى للمحاسبات الرقابة على أوجه الصرف.
وبحسبة بسيطة، وفقا لنظرية "الكسر العشري"، فإن فواتير مياه الشرب والكهرباء البالغ عددهم نحو 60 مليون فاتورة شهريا يمكن أن توفر للدولة نحو 30 مليون جنيه شهريا أي 360 مليون جنيه سنويا، فما بالك لو تم التوسع في تطبيق هذه النظرية على كل ما يصدر من فواتير، لكانت حصيلة الكسور العشرية بالبلايين، لو أحسن إدارتها لكانت فاتحة خير على الاقتصاد، الذي يعاني فجوة تمويلية تشل قدرته على الحركة.
وجاءت المبادرة بعد النجاح، الذي حققته مبادرتي "تحيا مصر" و"صبح على مصر بجنيه"، ونجاحهما في جمع نحو 7 بلايين جنيه خلال فترة وجيزة.. ثم كانت دعوته لرجال الأعمال بأن يتركوا الفكة للدولة حتي يتم استغلالها في تنفيذ مشروعات تعود بالنفع على المجتمع ومنها مشروعات تطوير العشوائيات، بما يترتب عليه تخفيف الضغط على موازنة الدولة، التي تئن من كثرة الأعباء الملقاة عليها من أجور ودعم وخدمة دين واستثمارات وخلافه.
تنفيذ هذه المبادرة، وفقا لـ"د. رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية"، يمكن أن يتم تطبيقها عن طريق امضاء عميل البنك على نموذج استمارة يقر فيه بأنه يسمح بخصم القروش من مرتبه أو الشيك، الذي يقوم بصرفه حال رغبته فقط، علما بأن تطبيق هذه المبادرة في صورتها الأولية، التي اقترحها الرئيس قد تحقق إيرادات يومية قدرها 10 ملايين جنيه تقريبا من نحو 20 مليون تعامل يتم مع البنوك يوميا.
وهنا يثار تساؤل جوهري مفاده: هل نجاح البنوك في تنفيذ هذه المبادرة قد يترتب عليه انفراجة اقتصادية؟ بالطبع، لا يمكن الاعتماد على مثل هذه المبادرات وحدها لدفع عجلة التنمية، وتحقيق انفراجة في معدلات الأداء الاقتصادي، لكن بمثل هذه المبادرات غير التقليدية يمكن أن تتحسن الأمور شيئا فشيئا، فكل سبيل يترتب عليه توفير تمويل غير تقليدي يساهم في دفع عجلة التنمية.