جين هارمان
جيمس بيرسون
الجنون هو فعل الشيء نفسه مرارا وتكرارا مع توقع نتيجة مختلفة. ومنذ سنوات ونحن نطبق عقوبات أحادية ومتعددة الأطراف في محاولة لإجبار كوريا الشمالية على نزع السلاح النووي. كما سعينا لحث الصين - جارة كوريا الشمالية وأكبر شريك تجاري معها - لاستخدام نفوذها الفريد لوقف استفزازات كيم يونج أون التي يطال تهديدها الصين أيضا. بيد أن أي من الاستراتيجيتين لم تعمل، وكوريا الشمالية تواصل تحقيق تقدم في اختبار الصواريخ والقنابل البالستية، وربما حتى في صنع رؤوس حربية صغيرة.
وبعد ستة أشهر من تنفيذ عقوبات قاسية جديدة بموجب قرار مجلس الامن الدولي رقم 2270، لا تزال كوريا الشمالية على موقف التحدي. وفيما يتوقع عدد قليل أن تأتي العقوبات بنتائج سريعة، إلا أن الإطار الزمني لأية نتائج ربما يكون أطول مما توقعه كثيرون.
والواقع أن العقوبات غير فعالة ضد كوريا الشمالية، فمنذ الحرب الكورية تواجه البلاد ظروفا تشبه العقوبات مثل تقييد الوصول إلى الأسواق والمؤسسات المالية الدولية والسلع والتقنيات المتطورة. ويبدو أن الكوريين الشماليين أصبحوا بارعين في التأقلم مع العيش في ظل هذه الظروف.
وطوال هذه الفترة كانت كوريا الشمالية تفرض عقوبات ذاتية على نفسها، فقد اختار قادتها العزلة الاقتصادية على الاندماج في الاقتصاد العالمي، وللحفاظ على حريتهم في العمل لم يندمجوا حتى في الكتلة الاقتصادية الاشتراكية. واختاروا المضي قدما بالاعتماد على الموارد البشرية والمادية الذاتية، وعندما تتفاقم الأمور تتحمل شريحة من السكان دفع الثمن، وربما يكون حياتهم.
كما أن فعالية العقوبات تظل محدودة بسبب موقف الصين، فالقادة الصينيون يدركون أن ممارسة النفوذ الاقتصادي على كوريا الشمالية سلاح ذو حدين، لأن الضغط المتواصل يمكن أن يؤدي إلى انهيار الدولة والمجتمع، ما يعجل بتدفق اللاجئين إلى شمال شرق الصين، وأيضا فانهيار كوريا الشمالية يمكن أن يؤدي إلى كوريا موحدة متحالفة مع الولايات المتحدة على حدود الصين، والتي ترى بكين أنها نتيجة أسوأ من كوريا الشمالية النووية التي تقف بمثابة دولة عازلة.
والى جانب ذلك فالمحللون الأميركيون يبالغون في الحديث عن خضوع بيونج يانج لبكين، فوثائق الكتلة الشيوعية التي حصل عليها مركز ويلسون تكشف أنه على مدى عقود عديدة ظلت كوريا الشمالية تعتبر أن الصين تتدخل في شئونها ويعتبرون ذلك عدم احترام للسيادة الكورية. والواقع فإن تصور أن تقوم الصين بالتأثير على سياسات كوريا الشمالية يعني أن تطلب من الصين أن تفعل بالضبط ما تبغضه كوريا الشمالية. ويدرك المسؤولون الصينيون أن الامتثال لرغبات الغرب لا يعني سوى مزيد من العداء لهم مع كوريا الشمالية.
والواقع أن العقوبات يمكن أن تستغرق وقتا طويلا جدا حتى تقنع زعماء كوريا الشمالية بالتخلي عن السلاح النوي بصورة كاملة لا رجعة فيها كشرط مسبق للمحادثات، ونحن أيضا لا يمكن أن نتوقع من الصين ان تستخدم كل السبل التي لديها.
وفي تلك الأثناء فإن كل اختبار جديد تجريه بيونج يانج يعكس تقدما حقيقيا في تطوير برامج أسلحتها، وقد باتت كوريا الشمالية قاب قوسين من وضع رأس حربي على صاروخ قادر على ضرب أي من حلفاء الولايات المتحدة أو قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة، أو حتى الولايات المتحدة نفسها.
ومع ذلك فالولايات المتحدة تملك ورقة جيدة في حوزتها، فكوريا الشمالية تحاول التحدث إلينا منذ عام 1974، والولايات المتحدة – التي تمثل التهديد الوجودي المفترض الذي يبرر البرامج النووية والصواريخ البالستية – يمكنها المعالجة بصورة تامة للمخاوف الأمنية لبيونج يانج.
وللقيام بذلك يجب أن نظهر بعض المرونة، فالدرس الذي تعلمه قادة كوريا لاشمالية من حرب العراق ومن تدخل الناتو في ليبيا أن أي دولة في معزل لن تكون آمنة حتى مع امتلاكها السلاح النووي. وعلى الجانب الآخر فارسال قاذفات ب -1 على طول المنطقة منزوعة السلاح وكذا السفن والغواصات قبالة سواحل كوريا الشمالية سيجعل بيونج يانج أكثر تمردا. كما أن الفشل في إدراك مخاوف كوريا الشمالية بطريقة أو بأخرى، حتى لو اعتبرنا أن هذه المخاوف لا أساس لها، يجعل احراز أي تقدم أمرا عسيرا.
وفي حين أن نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية يبقى هو الهدف على المدى الطويل، ولكن الاقتراح الآن هو استخدام هذا النفوذ الأمريكي للدخول في محادثات مع بيونج يانج مع هدف معلن للتفاوض وهو تجميد جميع التجارب النووية والصاروخية طويلة المدى لكوريا الشمالية وعودة مفتشو وكالة الطاقة الذرية. وهذا الهدف لا يمكن تحقيقه من الناحية الواقعية إلا من خلال محادثات مباشرة مع كوريا الشمالية، وليس بالعودة إلى المحادثات السداسية التي أثارت الكثير من عدم الثقة بين الأطراف الرئيسيين، وخاصة بين بيونج يانج وبكين.
وهذا التجميد سيكون البداية فقط، فقد وافقت كوريا الشمالية على التجميد من قبل ثم أعادت تشغيل البرنامج النووي بعد توقف المحادثات أو تحويل الولايات المتحدة اهتمامها الى جهات أخرى. ولكننا الآن بحاجة إلى التعامل بجد مع موضوع كوريا الشمالية وكذا وضع خطط طوارئ في حال النكوث بالاتفاق. ولدى واشنطن خبرة حديثة مماثلة في بلورة اتفاق نووي مشابه مع إيران.
وبعد التجميد سيكون على الإدارة الأمريكية المقبلة استثمار جهد دبلوماسي كبير في تحريك المحادثات نحو الهدف النهائي من التفكيك الكامل الذي يمكن التحقق منه ولا رجعة فيه. وهذا سيتطلب في الغالب مرونة إضافية من جانب الولايات المتحدة، بما في ذلك استخدام الجزر وكذلك العصي. وإذا ظهرت احتمالات تحقيق تقدم كبير، ينبغي أن ننظر في تعليق المناورات العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية في المستقبل وتقديم معاهدة عدم اعتداء تسعى اليها كوريا الشمالية منذ فترة طويلة.
كما أن تجميد البرنامج النووي لفترة قصيرة يهئ الفرصة أيضا لتخفيف حدة التوتر في شبه الجزيرة الكورية وجميع أنحاء المنطقة ويمهد الطريق للحد من الأساليب الوحشية للنظام الكوري الشمالي ضد شعبه.
* جين هارمان: رئيسة مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين، 2011.
** جيمس بيرسون: منسق مركز مؤسسة هيونداي موتور كوريا للتاريخ الكوري