فريد أحمد حسن
المتابع للقضايا التي رفعت في السنوات الأخيرة في مختلف دول مجلس التعاون من قبل حكوماتها ضد بعض مواطنيها وأصدرت المحاكم بحقهم أحكاما مختلفة بالسجن أو الغرامة أو بكلتا العقوبتن يلاحظ أن تلك القضايا لم تخرج في الغالب عن ثلاثة ؛ إعابة ذات الحاكم ، بث الفتنة في المجتمع ، والنيل من هيبة الدولة ، وكلها أمور لا يمكن لأي دولة أن تقبل بها ، فما من دولة يمكن أن تسكت عن مواطن ، أو غير مواطن ، حتى لو كان يعاني من مشكلات عقلية ، يعيب ذات الحاكم التي هي حسب الدساتير والأعراف والأخلاق مصونة ، أو يعمل على بث الفتنة في المجتمع فيشغلها عن نموها وتطورها ويتسبب في أذى الناس ، أو ينال من هيبة الدولة ومكانتها وسمعتها فتتضرر ، فكل الدول تعتبر المتورط في هذه الأخطاء متجاوزا لكل الخطوط الحمراء ويستحق العقاب الشديد .
دونما شك فإن التطورات التي شهدتها المنطقة العربية في السنوات الخمس أو الست الأخيرة وما صار يطلق عليه اسم الربيع العربي كان لها تأثيرا كبيراعلى الجميع ويسهل اعتبارها سببا في قيام البعض بمثل تلك التجاوزات ، وبالمثل يمكن اعتبارالحروب التي تشهدها العديد من الدول العربية سببا في انفلات البعض وتجاوزه دائرة الحماس ، فما جري في المنطقة خلال هذه السنوات ولا يزال أكبر من قدرة البشر على التحمل ، والأمر نفسه فيما يتعلق بالظروف المجتمعية الخاصة بالأفراد خصوصا العاطلين عن العمل والذين يجدون صعوبة في الوصول إلى حيث الحياة التي يطمحون إليها.
لكن كل هذه التبريرات وغيرها لا يمكن أن تصمد أمام القانون ، ولا أمام الأعراف والعادات والتقاليد التي تحكم، فكلها لا تقبل بتلك التبريرات ولا بغيرهاولا تضع في الاعتبار الظروف التي كان يعاني منها المتورطون في مثل هذه القضايا ، لذا تأتي الأحكام في الغالب قاسية ، وأحيانا سريعة كي يكون لها التأثير المطلوب وتنبه الجميع إلى أن تجاوز هذه الخطوط نتيجتها صعبة .
في مختلف دول مجلس التعاون يمكن للمواطن أن يوصل اليوم صوته إلى المسئول عبر العديد من الطرق والوسائل ومن دون الإضطرار إلى مثل تلك التجاوزات ، وطالما أن الصوت واصل في كل الأحوال فلماذا يتم اللجوء إلى مثل تلك الأساليب التي يرفضها المجتمع ويرفضها الدين والأخلاق ويعاقب عليها القانون ؟
التطاول على ذات الحاكم بأي طريقة لا يؤدي إلى تحقيق المكاسب المرجوة ، وبما أن ذات الحاكم مصونة ، لذا فإن الإقدام على مثل هذا العمل يعني الابتعاد عن العقل الذي لا بد أن يعود إلى وضعه الطبيعي وإلا شكل خطرا على كل شيء . والعمل على بث الفتنة في المجتمع يخسر المجتمع والوطن ويؤذي الناس ولا يربح فاعليه . والنيل من هيبة الدولة بأي طريقة لا يحقق لمن قام به أي مكسب ، لذا فأي عقل وأي شطارة في القيام بهذه الأخطاء ؟
المتابع لمثل هذه القضايا يلاحظ أيضا أن التورط في هكذا أخطاء يأتي غالبا من توظيف وسائل التواصل الاجتماعي المتاحة للجميع بطريقة لا تليق ، ويبدو أن البعض يعتقد أن من حقه أن يكتب وينشر ما يشاء طالما أن هذه الوسائل متاحة وبلا رقيب، بل أن البعض يعتقد أن هذا الحق خاص به دون غيرهلذا فإنه يقيم الدنيا ولا يقعدها لو أن أحدا تعرض له بالنقد عبر تلك الوسائل ، وهو تناقض مثير .
الانفلات الذي حدث بسبب توفر وسائل التواصل الاجتماعي للجميع تطلب وضع قوانين تنظم العملية، وهو أمر وإن كان صعبا ويحتاج إلى وقت طويل كي يتوصل القانونيون إلى صيغ مناسبة تضبط الأمور وفي نفس الوقت لا تظلم الناس إلا أن الانتظار إلى الساعة التي يتوصلون فيها إلى ما يحقق ذينك الأمرين معا يمكن أن يتسبب في الكثير من الأذى للأنظمة القائمة وللمجتمعات والأوطان وينال من الدول وهيبتها . لهذا سارعت الدول – كل الدول – إلى التحقيق مع المتورطين في مثل هذه القضايا وإحالتهم إلى النيابة العامة وإلى المحاكم التي صدر عنها العديد من الأحكام والعقوبات .
الحديث إذن يتمحور حول الحريات وانفلاتها ، والديمقراطية وأهميتها ، إيجابياتها وسلبياتها وثغراتها ، وحول التعامل الصحيح مع التطور التكنولوجي والتقني الذي يعيشه العالم وثورة الاتصالات ، وبالتأكيد عن مكاسب الناس من كل هذا ، ومدى تضرر الأنظمة والحكومات منه . هذا يعني أمرين يشوبهما التناقض ؛ الأول هو أن من حق الناس أن يعبروا عن آرائهم ومواقفهم إزاء كل ما يمت إلى حياتهم ومعيشتهم بصلة ، والثاني هو أن من حق الأنظمة والحكومات أن تمنع التجاوز وتضمن عدم التطاول عليها بما يمنعالنيل من هيبتها أوالتعرض إلى ذوات حكامها وبث الفتنة في المجتمع .
هذا يعني أيضا أن الحاجة باتت ملحة لإيجاد قوانين تضمن حصول كل الأطراف ذات العلاقة على حقها من كعكة التطور التقني ، فتضمن للدول عدم تجاوز خطوطها الحمراء ، وتضمن للمواطنين حقهم في التعبير عن آرائهم ومواقفهم من كل ما له علاقة بحياتهم ومعيشتهم ومستقبلهم . وكما أنه ينبغي من الدولة أن تعلم أن الزمن تغير والظروف اختلفت وأن الاستفادة من التقنية الحديثة حق للأفراد صار صعبا انتزاعه ، كذلك ينبغي من الأفراد أن يعلموا أن من حق الدولة أن تحمي نفسها وتمنع التطاول عليها والإساءة إليها .
• كاتب بحريني