علي بن راشد المطاعني
تشهد المشاركة السياسية في السلطنة تطورا متدرجا، بجرعات تتواكب مع تطور المجتمع ذاته، ووعيه بعملية المشاركة من كافة جوانبها، فالتدرج ليس هدفه التأخر عن تجسيد الديمقراطية في البلاد، بقدر ما هو قياس لمدى الجاهزية المجتمعية لهذا الشأن، ولذلك فإن بدايات انتخابات مجالس البلدية في السلطنة، خطوة في الاتجاه الصحيح، سوف تتطور بمرور الوقت، وتهيئ المجتمعات المحلية في التعاطي معها، فتجارب المشاركة السياسية في الدول من الطبيعي أن تأخذ المدى الزمني لكي تتماشى مع الأوضاع في هذا المجتمع أو ذاك، فمن التجارب والأخطاء والتمرس، تولد القناعات بالتطوير، والتحديث، وسد الفجوات في التشريعات، والأطر والقوانين، كذلك تتطور الممارسة في التعاطي مع الشأن العام، والتفريق بين المصالح العامة والخاصة، في حين أن القفز على المراحل من شأنه أن يحرق التجارب الوليدة، وهي في المهد، بما لا يجعلها تنهض ثانية، وهو ما لا تحبذه الأمم والشعوب.
بلورة المشاركة السياسية، سواء انتخابات مجالس الشورى أو البلدية أو مؤسسات المجتمع المدني، كالجمعيات المهنية، والأندية، تأخذ وقتا طويلا إلى أن تنضج، وتستقر في مسارها الصحيح، ليس فقط في طلب الصلاحيات التي يلوّح بها البعض، وإنما في اختيار الأعضاء الذين يمثلون الولاية أو الأعضاء في هذه المؤسسات البرلمانية، فإذا كان الاختيار مبنيا على قناعات القبيلة والعائلية، وليس الكفاءة، فأية تجربة يمكن أن تتطور، وأية صلاحيات يمكن أن يعمل بها، وأية قوة لهذا المجلس أو ذاك من الطبيعي أن تنقص، فتطوير هذه التجارب لا ينطلق من الصلاحيات بقدر اختيار الأفضل ممن يمثل الولاية، وهنا ينطلق دور المجتمع في اختيار من يمثله بعيدا عن الاعتبارات العقيمة، لكن يجب الاعتراف بأننا ما زلنا لم نحدث تقدما كبيرا في هذا الجانب، لكي يعطي دفعة للمشاركة السياسية، لذا فعندما نقول إننا نحتاج وقتا، فإننا نعي بذلك أن المشاركة في اتخاذ القرار، تنبع من المجتمع قبل كل شيء، فهو من يوجه إلى ذلك من خلال اختياراته لمن يمثلونه.
لكن كما يقال علينا أن نبدأ ونطوّر التجربة، شيئا فشيئا، لا أن نظل بدون تجربة في المشاركة كما في بعض الدول، فمهما صغرت لكن تبقى خطوة في الاتجاه الصحيح، تعكس الرغبة في إشراك المجتمع، في المشاركة في اتخاذ القرار، فلا يجب أن نستعجل النتائج أو نستبق الوقت ونقفز على المراحل، بهدف التباهي مع الآخرين، بأن لدينا انتخابات بلدية أو شورية، إذا كانت لا تتوافق مع مصالحنا العليا، أو تهدم ما أنجز، بدواعي الديمقراطية كما في بعض الدول التي أصبحت هذه التجارب معرقلة للتنمية فيها، فالمشاركات من هذا النوع، يجب أن تنسجم مع الأهداف الكلية للدولة، كهدف لتطوير التنمية في المقام الأول، وتعزيز مشاركة الفرد في اتخاذ القرار ثانيا، فضلا عن حق المواطن في إثبات ذاته، بأنه له الحق في إبداء رأيه عبر قنوات المشاركة المتاحة، وليس في مظاهر الفوضى، فهذه الأهداف من تطوير المشاركات في اتخاذ القرار، في أية دولة، لا بد أن تؤطر، بحيث تكون لها مرام واضحة، وليس شكلا من أشكال التمظهر.
وربما الفترة الأولى لتجربة مجالس البلدية لم تظهر بالمستوى الذي يجب أن تكون عليه، من النواحي الإعلامية، ولكن ذلك لا يعني أن هذه المجالس لم تعمل في ترسيخ وجودها، وعملها في بعض جوانب العمل البلدي، فضلا عن أن البدايات الأولى لأي مجالس كهذه تعد تأسيسية وتأخذ من الوقت ما يكفي لبلورة عملها، وهو ما يتطلب إعطاءها الفرصة في المراحل المقبلة لكي تظهر أعمالها ودورها، لكن أساس لتطوير يكمن في الاختيار الأفضل، لإضفاء قيمة مضافة عالية للعمل البلدي من خلال مقترحاته وآرائه ومشاركاته الفاعلة في المجالس.
بالطبع، التحديات في تعزيز التجربة قد تواجه الصعوبات كغيرها ممن التجارب، وهذا طبيعي إلى أن يعي المجتمع ماهية هذه التجربة وأهميتها، وإعطائها الاهتمام الذي تستحقه، وتطويرها بما يتواكب مع تطور المجتمع. ومثال ذلك تجربة مجلس الشورى، التي استغرقت سنوات من التدرج شهدتها إلى أن وصل ما وصل إليه اليوم، كمجلس تشريعي، له دور محوري في دولة المؤسسات والقانون.
ولا يمنع من إضفاء المرونة في شروط العضوية في المجالس، من خلال شروط مخففة، تدفع العاملين في الأجهزة الحكومية إلى المشاركة، كنظرائهم في القطاع الخاص، لفترة بسيطة، إلى أن تأخذ هذه التجربة وضعها في البلاد، أو تمر على الأقل بالمراحل التي مرت بها انتخابات مجلس الشورى.
نأمل عدم الاستعجال في التعاطي مع المشاركة السياسية، عبر المجالس البلدية، ومراعاة التدرج الذي يضمن الاستمرارية، وأن تعطى الفرصة الكافية لنضوجها، بما يخدم التنمية التي تقطع أشواطا كبيرة في ربوع الوطن، وسيظل تطوير المشاركة، يكمن في الاختيار الأفضل من الأعضاء القادرين على تمثيل المجتمعات، وهو ما نعول عليه في الانتخابات المقبلة بأن تعطي قفزة نوعية في تمثيل المجتمع بصورة أفضل، تعجل بدورها في تطوير التجربة بشكلها الكلي وفق ما نتطلع إليه.