من يصنع الإشاعة؟

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٣/أكتوبر/٢٠١٦ ٢٣:١٩ م
من يصنع الإشاعة؟

علي بن راشد المطاعني

في الوقت الذي تُنمّق الإشاعات من قبل مروجيها لما تحدثه من فواجع مؤلمة كحوادث وفيات، وترويع الناس وتخويفهم بمعلومات غير صحيحة، وتكهنات ليس لها في الواقع صدى يمكن الوقوف عليه، وما نشهده عبر مواقع التواصل الاجتماعي من إشعال نار الاشاعة كالنار في الفتيل، إلا أن بعض الجهات للأسف، هي من يصنع الإشاعة أو تساعد على انتشارها من خلال عدم بث المعلومات الصحيحة في الوقت المناسب، وتوضيح الأمور للرأي العام بشكل دقيق وعلى العلن، عندها تنطفئ نيران الإشاعات ويخمد هديرها في "السويشل ميديا" .
فالإشاعات تنتشر عندما لا تتوفر المعلومات الدقيقة والبيانات الصحيحة من مصادرها في التوقيت الصحيح، وهنا تكمن المشكلة، وما نقصده أن الجهات المختصة تغفل أحيانا عن موافاة الرأي العام بالتطورات ذات العلاقة بعامة الناس، ما يفسح المجال للآخرين أن يجتهدوا بقصد أو بدون قصد في اختلاق معلومات وأخبار غير دقيقة للعديد من العوامل التي يتعلق بعضها بذات الشخص، لكي يكون مصدرا مطلعا على سبيل المثال في جلب المعلومات في الأوساط التي لديه، كالمجموعات مثلا ، وبالتالي ينبغي على الجهات إطلاع الرأي العام عن أي تطورات في الوقت المناسب، تلافيا للإشاعات التي تجد من يصدّرها بالنيابة عنها، إذا تقاعست أو تأخرت عن إيضاحها، وعدم إتاحة المجال للمتصيدين تصدّر المشهد المحلي، وتحريف الحقائق وتشويهها كمّا وكيفا.
فبلا شك إن الإشاعات اليوم أصبحت الشغل الشاغل لشرائح واسعة من المجتمع تستخدم وسائط التقنية وتتلقى معلوماتها من خلال ما تنقله من غثّ، بات يشكل خطورة بالغة في تشويش الرؤية وتحييد الحقيقة، والصيد في المياه العكرة في الكثير من المواقف، وعقد المقارنات الظالمة في بعض الأحيان، والإساءة للجهات المختصة، وهضم حقوق أفراد في المجتمع، وجحود المتحقق من التنمية في البلاد، والقفز على المكتسبات، وإلغاء الآخرين، تشويهات كثيرة تُلصق بقصد أو بدون قصد.
وفي المقابل فإن الجهات المختصة مقصّرة في إدارة هذا الجانب باحترافية يمكن أن توضح الحقيقة، وتفضح الممارسات الخاطئة في التطاول على الدولة ومؤسساتها، خاصة في المرحلة الراهنة، فهي تحتاج إلى التعاطي بمسؤولية كبيرة مع هذه الأمور، باعتبارها تشكل رأيا عاما بقوالب مختلفة، منهم الجاحد للتنمية، ومنهم الناقم على النعمة التي يرزح تحتها وآخرون لهم مآرب أخرى، فلا يجب أن نترك لهم مجالا أن يعيثوا في الأرض فسادا، بما ينقلونه من خبائث كحق يراد به باطل، أو لغايات في نفس يعقوب.
وهناك من الأمثلة ما يكفي لندلّل على عجز الجهات المختصة في إيضاح الحقائق في الوقت المناسب لتجد من يبثها بطريقته، ويضيف عليها ما يروق له ويحقق مآربه، فمثلا عندما صدرت التعديلات في قانون المرور، كان يفترض من شرطة عمان السلطانية أن توضح التعديلات للعامة عبر حملة إعلامية توعوية، وعقد مؤتمرات صحفية توضّح المخالفات والعقوبات، وعدم ترك البعض يفتي ويبث معلومات خاطئة عنها حيّرت أذهان الكثيرين وجعلتهم يعلقون بالسلب، فمثلا ما يبث عن عقوبة استخدام النقال وقيادة السيارة في حالة السكر مثلا إشاعة وجدت من يصدّقها، فيقول هل يعقل أن تكون عقوبة استخدام الهاتف النقال أكثر من السكر، وقيادة السيارة بتهور؟، هناك مرامٍ من تصدير مثل هذه المعلومات الخاطئة عن جانب مهم يهمّ الجميع بمعرفة الحقيقة، وتأخر الجهة في توضيح التطورات في قانون المرور أفسح للآخرين التوضيح بطريقتهم الخاصة وإثارة اللغط فيها.
وهناك أمثلة كثيرة بعضها يمسّ مواقف السلطنة من بعض القضايا المحلية والإقليمية والدولية، فمن المهم جدا إطلاع الرأي العام عنها، خاصة الشباب المدمنين على استخدام تكنولوجيا الاتصالات، يبنون مواقفهم على ما يبث فيها، فهل نتركهم فريسة للآخرين يشكلون آراءهم ويصيغون عقلياتهم بما يدسّ عبر بثّ معلومات مغلوطة، أو توضيح الحقيقة لهم وربطهم بمصادرها الرسمية في البلاد، بل جعلهم قريبين منا كجهات نكسب ودّهم، ونبلور مواقفهم على معلومات دقيقة عن وطنهم.
إن الحرب الراهنة هي حرب إعلامية بامتياز، سواء على الجهات أو على الدول، فعلينا أن لا نقف متفرجين أمام ما يجري بيننا، ونجعل الآخرين يلعبون دورا يُفترض أن نقوم به.
بالطبع لا ننكر أن هناك محاولات من جهات تعمل قدر طاقاتها لإيضاح بعض الحقائق حول أدائها، ولكن ليست بتلك الفعالية التي على مواقع التواصل الاجتماعي، وسرعتها واحترافيتها في تزوير البيانات، وبالتالي عليها أن تعدّ العدّة لمثل هذه التطورات بأجهزة إعلامية إلكترونية فعّالة وقادرة على سدّ الفجوة في إعلام الناس أوّلًا بأوّل، وعدم المساعدة في صنع الإشاعة بالتأخير في توضيح المستجدات خاصة إذا تعلقت بالشأن العام.
نأمل أن نعمل على الحدّ من الإشاعة وكل تبعاتها من خلال خطوات عملية، تسهم في الحد منها أو اقتلاعها من جذورها، للتعاطي مع المتغيرات بسرعة حتى لا تدع مجالا لقلب الحقائق، وتزوير الواقع، وبناء صورة ذهنية غير إيجابية عن ما يتحقق في هذا الوطن.