ونحن صغار كنا نسمع بأن الوقت "كالسيف إن لم تقطعه قطعك". وليس ذلك بكليشيه مبتذل ككثير من العبارات التي تردد على مسامع الصغار بل هي حكمة تزداد قناعتنا بها رسوخا كلما مر بنا الزمان واكتشفنا بأن الوقت عدو لا صديق، ومنافس لا معين، ونحن في الدول العربية ضحايا لجبروته لأنه هزمنا مرارا فما عدنا خصما يعتد به..
خلصت دراسة أجراها اتحاد تنمية الموارد البشرية العربية، ومقره جمهورية مصر، إلى أنّ معدل إنتاجية الموظف الحكومي العربي يتراوح من (18) إلى (25) دقيقة يومياً !
لذلك فإن المعاملات التي تتطلب ساعة تستغرق أسابيع، والمخطط الذي يستغرق تنفيذه 18 شهرا يحتاج لثلاث سنوات، وما كان يجب أن نصل له في 2015 سنصل له بعد أن تتقطع أحذيتنا في 2020 بعد أن يتجاوزنا الوقت وتتخطانا الأمم..
إن الهدر ليس بالمال فقط.. فهناك هدر في "الوقت" تتجاوز كلفته هدر المال نفسه.. وهناك أيضا هدر في "رأس المال البشري" فالبشر في هذه الحياة رأس مال للدول والأمم أيضا.. إما أن تُحسن استثمارهم وتحسن من نوعية حياتهم ودخل الدولة.. أو تفشل في ذلك وتدفع – ويدفعون- الثمن غاليا..
تسويف الوقت على صعيد شخصي..
تضييع الوقت على صعيد مؤسسي..
شيء يستنزف مقدرات دولنا ويعيدنا للوراء كلما تقدمنا خطوة..
لقد تآلفنا مع هذا الوضع فما عاد يزعجنا.. ولا نرى فيه ما يستحق التذمر.. ولو عبرت عن استيائك لمسؤول عن تأخر معاملة ما أو بطء إنجازها فسينظر لك على أنك لجوج لحوح عوضا عن أن ينكفئ المسؤول خجلا !
البطالة المقنعة والبيروقراطية وضياع الفرص وتأخر النمو، كلها ثمار لعلاقتنا السيئة بالوقت..
ولكي لا نبدو متشائمين سنقول لأنفسنا إن هناك بارقة أمل.. وسنقول لأنفسنا إننا قيثارة تحتاج أوتارها "لدوزنة" لتعزف أعذب الألحان.. نحتاج لقوانين تضع إطارا زمنيا لكل معاملة، ولأجهزة كتلك الموجودة في المطارات لاستفتاء رأي الناس في أداء كل موظف بإعطائه علامة من سيئ لممتاز بحيث يتم ربط نتائج تلك الاستطلاعات – المنتشرة في الدول الغربية بشكل واسع – بالترقيات والحوافز التي يحصل عليها الموظف العمومي والخاص.. وقبل هذا علينا أن نحترم المواعيد الخاصة بالخطط والمشاريع ولا نقبل الذرائع والمبررات الواهية..
إن الوقت سيف قطعنا إربا وسحبنا للخلف وتقدمنا بمراحل.. وحان الوقت لنصد ضرباته بجدية..