زيادة متوسط العمر المتوقع، وانتشار الأمراض المزمنة، والتركيز على جودة الرعاية الصحية، وظهور العلاجات والتقنيات المبتكرة ليست الا بعض العوامل التي جعلت وستجعل من التغيير المحرك الرئيس لقطاع الرعاية الصحية العالمية وستحثّ الحكومات والقطاع الخاص وكل أصحاب المصلحة على تكثيف الجهود من أجل توفير رعاية فعّالة وفعلية ومنصفة.
وهذا التغيير يُتوقع أن يؤدي، بحسب تقرير حديث للشركة الاستشارية الدولية "ديلويت"، الى نمو الانفاق في قطاع الرعاية الصحية ليتجاوز عتبة الـ 4% عام 2016 ويرتفع الى أكثر من 6% عامَي 2017 و2018. كما من المتوقع أن يكون هذا النمو سريعاً في العديد من الأسواق، لاسيما في آسيا والشرق الأوسط، مع تطور أنظمة الرعاية الصحية الخاصة والعامة في بعض الدول.
ولا شك أن التكنولوجيا تأتي في صلب هذا التغيير والانفاق. فبلغ حجم سوق الصحة الرقمية العالمية، دائماً بحسب تقرير "ديلويت"، 60.8 بيلون دولار عام 2013 ومن المتوقع أن يزداد الى 233.3 بليون دولار عام 2020. ويدفع هذا النمو بالعديد من القطاعات قدماً على غرار أدوات الشبكات اللاسلكية وأجهزة الاستشعار والأجهزة بشكل عام. فلا بد من الإشارة الى أن تمويل الشركات المتخصصة بالصحة الرقمية فاق الـ 4 بلايين دولار عام 2014 في حين أن التطبيب عن بعد كان القطاع الأسرع نمواً، بنسبة 315% بين 2013 و2014.
الابتكارات الرقمية قد أحدثت إذاً ثورة في عالم الطب والرعاية الصحية؛ ثورة ما زالت في بداياتها لاسيما أن التكنولوجيا في تطوّر مستمر. فما هي إذاً أبرز التكنولوجيا الذي تغيّر هذا القطاع؟
1. الحوسبة السحابية
أظهرت دراسة مؤخرا (2014) أن 944 خدمة سحابية يتم اللجوء اليها في قطاع الرعاية الصحية في العالم. ولا بد من الإشارة الى أن تكنولوجيا السحابة تحوّلت الى ضرورة منطقية للرعاية الصحية لأنها توفر قيمة مضافة على تكنولوجيا المعلومات عبر مجموعة واسعة من الخدمات والحلول على الرغم من أنها تطرح تحديات أمنية متعلقة بسلامة وخصوصية المعلومات الطبية. فتسهّل هذه التكنولوجيا دعم البيانات الضخمة التي تولّدها السجلات الصحية الالكترونية وصور الأشعة وبيانات الجينوم بالإضافة الى مشاركة هذه الأخيرة بين الأطباء والمستشفيات في مختلف المناطق الجغرافية مما يوفّر معلومات قد تُنقذ العديد من الأرواح. كما وتساعد التكنولوجيا السحابية في تحسين القدرة على تحليل المعلومات وتعقّبها.
2. البيانات الضخمة
من المتوقع أن تكون البيانات وتحليلها من بين أبرز مجالات الاستثمارات في المؤسسات الصحية التي تبحث عن تحديث البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات هذا العام. ولا شك أن الاهتمام المتزايد بتحليل البيانات الصحية يُعزى الى عطش أصحاب المصلحة للمعلومات من أجل إدارة بيانات متنوعة وضخمة ومواجهة المنافسة المتزايدة والابتكارات التي لا تتوقف. وكثيرون يعتبرون، بحسب تقرير "ديلويت"، بأن تحليلات قطاع الرعاية الصحية ستُشكل النزعة المقبلة لاسيما أن الأنظمة الصحية تشهد تحولات أساسية من أجل توفير رعاية شخصية للمريض وتسهيل عملية نقل ومشاركة المعلومات وتشخيص أفضل ووقاية أكثر دقة.
3. الأجهزة القابلة للارتداء
هذه الأجهزة تحوّلت في السنوات الأخيرة لرفيق دائم للإنسان وأحدثت ثورة في عالم الرعاية الصحية حيث بات الفرد قادراً على استخدام أجهزة متنقلة لوظائف مختلفة. وقد استخدمت العديد من التكنولوجيا المتعلقة بالصحة قوة أجهزة الاستشعار الحيوية القادرة على مراقبة الحركة والضوء والضغط والحرارة والرطوبة وانما قريباً المواد الكيميائية والمؤشرات الحيوية. فعلى سبيل المثال، تمّ تصميم السماعات الحيوية لرصد دقات القلب واللياقة البدنية واللاصقات الذكية لمراقبة الأعضاء الحيوية والتذكير بموعد تناول الدواء وحتى تعطيك الدواء أو أقراص الدواء الذكية التي تسمح للأطباء بالتأكد من أن مرضاهم يتناولون الأدوية أو العدسات اللاصقة الذكية لمراقبة معدلات السكر في الدم. وقد أشار تقرير "ديلويت" الى أنّ هذا الاهتمام بالنزعة الصحية الرقمية، ساهم في زيادة استثمار صناديق رأس المال المخاطر في الأجهزة القابلة للارتداء التي تعتمد على أجهزة الاستشعار الحيوية بخمس مرات بين 2011 و2013 لتصل الى 282 مليون دولار عام 2013.
4. الاتصالات المحمولة
تساهم هذه التكنولوجيا في احداث تغييراً جذرياُ في الرعاية الصحية عبر تطوير "الصحة المحمولة" mHealth الأكثر فعالية والأكثر تركيزاً على المريض والتي تعتمد أيضاً على الأجهزة القابلة للارتداء. وتضطلع "الصحة المحمولة" بأدوار عدة على غرار مراجعة صور الأشعة ووصف الأدوية والنفاذ الى السجلات الصحية الالكترونية واجراء الاستشارات الطبية عن بعد ومراقبة المرضى والحصول على بيانات من الأجهزة الطبية والتواصل مع المرضى وغيرها من الوظائف.
وقد أشارت بعض التقارير أنه بحلول 2018، 50% من أكثر من 3 بليون مستخدم للأجهزة المحمولة سيحمّلون مختلف التطبيقات الخاصة بالرعاية الصحية بكل أشكالها.
5. تقنيات الرعاية الصحية عن بعد
لنصل الى أن مختلف التكنولوجيا الحديثة من المحمول والبيانات الضخمة والسحابة تجتمع معاً من أجل تطوير تقنيات الرعاية الصحية التي قد تساعد العديد من المرضى لاسيما في المناطق النائية أو البعيدة حيث لا تتوفر الا أدنى الخدمات الطبية. كما أنّ تكنولوجيا التطبيب عن بعد على غرار المراقبة عن بعد في المنزل قد تقلص الحاجة الى دخول المستشفى أو تزيد من قدرة الأفراد على العيش بشكل مستقل لاسيما مرضى السكري أو قصور القلب أو الاكتئاب أو الذين يعانون من أمراض مزمنة أخرى.
6. التكنولوجيا الثلاثية الأبعاد
ربما تخطو هذه التكنولوجيا أولى خطواتها في عالم الرعاية الصحية الا أنّ الأكيد أنّها ستساعد على انقاذ وتحسين حياة الآلاف من المرضى. وتتعدّد المجالات الطبية التي تُستخدم فيها هذه التكنولوجيا بدءاً بالطباعة الثلاثية الأبعاد للأعضاء البشرية. ولعلّ أهم حدث شهدته الطابعة الالكترونية كانت طباعة قلب ثلاثي الأبعاد سمح للفريق الطبي بدراسة القلب قبل العملية ومعرفة الاجراءات التي يجب اتباعها من أجل انقاذ حياة الرضيع. ولا تتوقف الابداعات هنا، فقد نجح العلماء في صناعة أعضاء أخرى جديدة كاليد والأذن وصمام القلب من خلايا جسم المرضى بفضل الطباعة الثلاثية الأبعاد وزرعها في جسم المريض.
وتستخدم التكنولوجيا الثلاثية الأبعاد أيضا ًفي تشريح جسم الانسان إذ تعتبر أكثر تفصيلاً ودقة من صور الأشعة التي اعتدنا عليها. ويعتمد هذا التشريح على البيانات التي توفرها الأشعة المقطعية بالكمبيوتر والتصوير بالرنين المغناطيسي. واعتُمدت هذه التقنية لكشف أسرار الجسم البشري للطلاب حتى أنها باتت تستخدم من الجراحين بفضل دقتها العالية.