على الرغم من أننا استطعنا التكيف بسهولة بالغة مع الطفرة التي حدثت في مصادر المعلومات والتواصل عبر الإنترنت، فهناك فجوة رقمية لا تزال قائمة، فضلًا عن أنها تهدد بالانتشار على نطاق أكبر في بعض المناطق في الشرق الأوسط.
من المعروف أن المعلومات تمثل مصدرًا للقوة. وربما يجب أن نقول إن الوصول إلى المعلومات في حياتنا المعاصرة هو الذي يمكّن الأفراد عندما يتعلق الأمر بعملية اتخاذ القرارات.
ويمكن أن تكون عمليات اتخاذ القرار مجرد تقييمات بسيطة مصمَّمة على نحو يساعدنا في اتخاذ قرار بشأن الطعام الذي سنتناوله أو المكان الذي سنقضي فيه عطلة نهاية الأسبوع. لكن يمكننا الآن أيضًا البدء في استخدام المعلومات في تقييم حالتنا الصحية، واتخاذ قرارات مالية مؤثرة، وتنفيذ جميع أنواع المهام المتعلقة بالعمل.
المعلومات مرادفٌ لفهم الإنترنت
جميعنا يعرف أن كلمة "المعلومات" أصبحت مرادفًا لفهم الإنترنت في الدول المعاصرة ذات الاتصال بالإنترنت في العالم العربي اليوم.
وعلى الرغم من توفر الاتصال الدائم بشبكة الإنترنت ضمن ترددات واسعة النطاق في مناطق كثيرة من دول الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط، لا يزال هنالك العديد من المستخدمين الذين لا يمكنهم الاستفادة من مصادر المعرفة المتاحة على الشبكة العنكبوتية، حيث لا يزال مستوى الاتصال بالإنترنت ضعيفًا نسبيًا في الشرق الأوسط في بعض المناطق داخل مصر والجزائر واليمن والمناطق الريفية النائية في عُمان على سبيل المثال.
أجهزة لا تتطلب اتصالًا بالإنترنت
وسعيًا لسد هذه الفجوة، تم إطلاق نظام التشغيل "إيندليس" (Endless OS)، الذي يهدف إلى توفير نظام تشغيل لأجهزة كمبيوتر منخفضة التكلفة تستخدم نظام لينكس وتدعم اللغات العربية والفرنسية والإنجليزية. تعمل هذه التقنية على أجهزة الكمبيوتر وأجهزة أبل ماكنتوش على حدٍ سواء، وهي متاحة أيضًا باللغات الصينية والبرتغالية والبهاسا الإندونيسية.
البرنامج متاح بالمجان ويوفر محتوى "مسبق التحميل" لأجهزة الكمبيوتر، سواء أكانت متصلة أم غير متصلة بشبكة الإنترنت. فالبيانات تكون مثبّتة مسبقًا، لذلك يعمل النظام بصرف النظر عما إذا كان جهاز المستخدم متصلًا بشبكة الإنترنت أم لا.
وتتضمن مصادر المعرفة الأساسية في نظام التشغيل "إيندليس" تطبيقات مخصصة في مجالات الصحة والتعليم والأعمال والترفيه. وهناك أيضًا حزمة تطبيقات من نوع "أوفيس"، تشمل معالج نصوص وجداول بيانات.
ويحتوي نظام التشغيل أيضًا على نسخة محمّلة من موسوعة ويكيبيديا، غير أنها نسخة ثابتة لن تخضع للتحديث المستمر كما هو الحال في إصدار ويكيبيديا المتصل بالإنترنت. إلى جانب الألعاب التي تحظى بشعبية كبيرة بين الكثيرين.
قال مات داليو، المؤسس والرئيس التنفيذي لإيندليس: "التحدي الأكبر أمام اتصال أربع بليون شخص بشبكة الإنترنت اليوم يتمثل في تزويدهم بأجهزة كمبيوتر ذات أسعار معقولة وبيانات منخفضة التكلفة. لا بد من خفض تكلفة الاتصال بالإنترنت بنسبة 90% في المتوسط، حتى يصبح الإنترنت في متناول الجميع على مستوى العالم."
وأضاف أنه "تم إنشاء نظام التشغيل إيندليس لمساعدة الأفراد الذين ليس لديهم دراية باستخدام الكمبيوتر أو لديهم اتصال محدود بالإنترنت في بعض المناطق في الشرق الأوسط في الانضمام إلى العالم الرقمي. ومع ذلك فإن الميزة الأساسية التي يتمتع بها نظام التشغيل هي الطريقة التي يعمل بها من خلال أيٍّ من أشكال الاتصال بشبكة الإنترنت، لذا يمكنك الوصول إلى التطبيقات مسبقة التحميل، والتي تشمل التدريب على ريادة الأعمال وتنظيم المشاريع الصغرى في أي وقت حسب الحاجة".
ريادة الأعمال
هل يمكن لخيار الوصول للبيانات من هذا النوع أن يحدث فرقًا حقيقيًا في هذه المنطقة؟ وهل يمكن أن يساعد في توفير فرص العمل وطرح أفكار للمشروعات الجديدة؟ يرى البعض أن هذا النوع من الوصول للبيانات يمكن أن يساعد في تعزيز ما يطلق عليه "ريادة الأعمال وتنظيم المشاريع الصغرى" في جميع أنحاء العالم العربي، فهل هذا صحيح؟
وفقًا لمبادرة مؤسسة "صلتك"، لا توجد وظائف كافية للشباب الذين يبحثون عن فرصة عمل في منطقة الشرق الأوسط. فوظائف القطاع العام في منطقة الشرق الأوسط "لم تعد تشكل ضمانة" للخريجين. كما تؤكد المؤسسة على أن ضعف النمو الاقتصادي الذي تشهده العديد من بلدان المنطقة يعني عدم توفر فرص عمل كافية لاستيعاب العاطلين عن العمل حاليًا.
ووفقًا لتقديرات المؤسسة، فإن "الغالبية العظمى من أرباب العمل في المنطقة والعالم عبارة عن شركات تصنّف 80-90% منها ضمن الشركات صغيرة الحجم، حيث لا يتعدى عدد موظفيها 50 موظفًا بينما تبلغ أصولها أقل من 50000 دولار أمريكي."
عقدت مؤسسة "صلتك" اتفاقية شراكة مع سيسكو، وذلك بهدف إنشاء منصة تكنولوجية تستهدف تعليم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتفاعل بين الشباب وأرباب العمل المحتملين. وإذا تم تصميم هذه المبادرة بشكل يتوافق مع البرامج المشغلة على نظام تشغيل "إيندليس" الجديد، فسيصبح ممكنًا تطوير دوائر رقمية جديدة ومفيدة.
من جانبه قال أميت ستارك، نائب رئيس مناطق الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا الوسطى والشرقية في شركة الحوسبة السحابية "ServiceNow": "إنه لشيء رائع أن نشهد استخدام نظام لينكس من أجل مشاركة المعلومات باللغة العربية. وبالنظر إلى النطاق الكبير للتطور الذي شهدناه في ملحقات نظام التشغيل باللغة العربية والتطبيقات والبرمجيات العربية على مدار السنوات الخمسة والعشرين الماضية، فإن هذا التطور على وجه الخصوص يظهر الكم الكبير من الوسائل المتاحة أمام الشركات لاستحداث طرق جديدة للحوسبة".
ويوافق ستارك على أن الآثار الأوسع نطاقًا والمترتبة على هذا النوع من التكنولوجيا يمكن أن تؤدي أيضًا إلى زيادة حجم ريادة الأعمال وتنظيم المشاريع الصغرى في العالم العربي، إلى جانب إحداث تطورات اقتصادية أخرى، وذلك على خلفية إتاحة المعلومات والتحليلات لأشخاص لم يسبق لهم الحصول على أدوات مماثلة من قبل.
نظام مجاني للجميع
ذكر ديف روزنبرغ، نائب الرئيس الأول للاستراتيجية والعمليات في مؤسسة لينكس أن "نظام لينكس متاح للجميع. وتتميز برمجيات المصدر المفتوح بقدرتها على تمكين الأفراد والمؤسسات من العمل مع قاعدة برمجيات قائمة وتطويرها لاحقًا بما يلبي احتياجاتهم. ومن هذا المنطلق فإننا نرحب بإنشاء النظم الجديدة القائمة على لينكس والتي ستساعد في سد الفجوة اللغوية وتقليل التكلفة بالنسبة للملايين من الناطقين باللغة العربية".
أكدت شركة إيندليس أنها وزّعت على مر السنوات المئات من أجهزة الكمبيوتر على الأسر اللاجئة في الأردن ومناطق أخرى في الشرق الأوسط. علاوة على ذلك، أنشأت الشركة أيضًا مختبرات كمبيوتر، ومكتبات ومرافق تعليم غير رسمية داخل مخيمات اللاجئين تتولى إدارتها منظمة اليونيسيف وجهات أخرى مثل الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، ومؤسسة الملك حسين، وهيئة إنقاذ الطفولة.
في عام 2014، وبموافقة من الحكومة الأردنية ودعم من الوكالات الإنسانية، أرسلت مؤسسة "إيندليس" 250 جهاز كمبيوتر للاجئين في مخيم الزعتري والمناطق الحضرية. كما طورت الشركة محتوى تعليمياً خاصاً باللغة العربية لهؤلاء اللاجئين.
وفي مطلع عام 2016، تبرعت المؤسسة بعدد من أجهزة الكمبيوتر المدعومة باللغة العربية للاجئين في مخيمي الزعتري والأزرق في الأردن. ومن خلال مشروع تشرف عليه الهيئة الطبية الدولية، سوف تُستخدم هذه الأجهزة في تشغيل خمسة مختبرات كمبيوتر، حيث يتلقى الأطفال والمراهقون تدريبات مكثفة مجانية لمدة عشرة أسابيع.
كل تلك الجهود تؤكد أننا بصدد طريقة جديدة للتغلب على الفجوة الرقمية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.