«الجيش الموحد» مشروع أوروبي بعيد المنال

الحدث الخميس ٢٩/سبتمبر/٢٠١٦ ٠٧:٠٤ ص

براتيسلافا – – وكالات

أعلن وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون أن بلاده حتى بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي ستظل تعارض «أي مشروع لتشكيل جيش أوروبي» لأن حلف شمال الأطلسي يجب أن يظل «ركيزة الدفاع في أوروبا». وصرح فالون عند وصوله للمشاركة في اجتماع لوزراء دفاع الاتحاد الأوروبي في براتيسلافا «نحن موافقون على أن أوروبا عليها بذل جهود أكبر لمواجهة تحديات الإرهاب والهجرة لكننا سنواصل معارضة أي مشروع لتشكيل جيش أوروبي أو مقر قيادة لجيش أوروبي لن يؤدي سوى إلى تقويض (سلطة) الحلف الأطلسي». وأضاف «هناك عدد من الدول توافقنا الرأي بأن ذلك يتعارض مع سيادة الدول».

وعقد قادة دول الاتحاد الأوروبي اجتماعا غابت عنه بريطانيا في 16 سبتمبر في براتيسلافا تباحثوا خلاله في سبل المضي قدما بعد تصويت بريطانيا في استفتاء في 23 يونيو الفائت على الخروج من الاتحاد الأوروبي. اتفق قادة دول الاتحاد خلال هذا الاجتماع على خارطة طريق لستة أشهر من اجل إعداد «رؤية» جديدة للاتحاد الأوروبي من بينها تعزيز القدرات الدفاعية وهو ما عارضته بريطانيا على الدوام.
لكن فالون شدد في المقابل على أن بلاده ستواصل المساهمة في الدفاع الأوروبي بصفتها عضو في الحلف الأطلسي. وقال فالون «نحن نخرج من الاتحاد الأوروبي لكننا سنظل ملتزمين امن أوروبا ونشر عدد اكبر من القوات في أستونيا وبولندا العام المقبل».
من جانب آخر، وصفت نظيرته الألمانية، أروسولا غرترود فون در لاين، تشكيل جيش أوروبي موحد بأنه إجراء تحتاج إليه «أوروبا القوية»، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن الدول القارية تسعى أيضا إلى الحفاظ على علاقات وطيدة مع بريطانيا، لا سيما في مجال الدفاع.

جدل

يذكر أن مبادرة تشكيل جيش أوروبي موحد طرحت من قبل رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر في العام 2015 ولكن العمل على تطبيقها لم يبدأ، إذ استخدمت لندن حق الفيتو لمنع ذلك.
واستؤنف الجدل بشأن هذه الفكرة بعد الاستفتاء بشأن مستقبل لندن ضمن الاتحاد الأوروبي، 23 يونيو، حين صوت 52% من البريطانيين لصالح خروج بلادهم من الاتحاد.
وحذرت لجنة شؤون حلف شمال الأطلسي (ناتو) في البرلمان البريطاني من أن قيام جيش أوروبي موحد قد يطيح الناتو خصوصاً إذا وصل الى السلطة في واشنطن إدارة انعزالية رأت أن أوروبا بجيشها الموحد لم تعد بحاجة الولايات المتحدة دفاعياً.
وأثار القرار البريطاني غضب الكوادر القيادية في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً أن رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر أعلن في خطاب له أن الوقت قد حان لتوحد أوروبا دفاعاتها، ودعا «دول الاتحاد الى توحيد قدراتها الدفاعية في منظومة دفاعية موحدة دائمة»، واقترح أن يتم بحلول نهاية العام الجاري إنشاء صندوق مالي مشترك مخصص للدفاع.

لكن هذا الاقتراح لم يرق للندن، فقد حذر وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون في مقابلة سابقة مع صحيفة «التايمز» من أن قيام مثل هذا الجيش سيخلق منافسة شديدة للناتو. وقال «لا يمكن أن نترك هذا الأمر يحصل. نحن لا نزال نملك عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي، وسنعرقل انشاء أي جيش من شأنه أن ينافس الناتو ويعرض استمراريته للخطر».

وأثنت لجنة شؤون الناتو في البرلمان البريطاني على كلام فالون، واعرب اللورد منسيز كامبل، العضو فيها والزعيم السابق لـ»حزب الليبراليين الديموقراطيين» عن قلقه الشديد على مصير الناتو عندما تتم بريطانيا عملية خروجها من الاتحاد الأوروبي، وقال في هذا الصدد «الأمر مقلق للغاية فماذا سيحصل للناتو عندما تغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي، ويمرر الأخير قراراً بإنشاء جيش أوروبي موحد، بالطبع لن تتمكن بريطانيا عندها من منعه لأن عضويتها الأوروبية تكون قد انتهت».
وذكر بأن «الركيزة الأساسية لقوة الناتو العسكرية هي واشنطن، لأن الولايات المتحدة تساهم بنحو 75 في المئة من الميزانية المالية للحلف». وحذر من أن «قيام جيش أوروبي موحد سيشجع الانعزاليين في الولايات المتحدة الى سحب أيديهم من التعاون الدفاعي المشترك والترويج الى أن الجيش الأوروبي الموحد كاف لحماية أوروبا».
وندد كامبل بشدة بخيارات زعماء الاتحاد الأوروبي، متسائلاً: «كيف يمكن الآن إيجاد ميزانيات دفاعية مشتركة موازية لميزانية الناتو التي تتخبط كل دولة أوروبية عضو في الحلف في الاسهام فقط بـ2 في المئة منها؟».

سري للغاية

في مايو الفائت وقبل استفتاء الخروج كشفت صحيفة «تايمز» البريطانية عن محاولة إبقاء مشروع تشكيل الجيش الأوروبي الموحد طي الكتمان في بريطانيا، وذلك حتى موعد الاستفتاء التاريخي الذي حدد مستقبل المملكة المتحدة خارج منظومة الاتحاد الأوروبي.
إلا أن «المشروع السري» تسرب إلى الإعلام ونشرته صحف بريطانية، كان آخرها التايمز التي قالت إن مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغيريني، ساهمت في وضع مسودة «الجيش الأوروبي».
وتدعم ألمانيا ودول أوروبية أخرى المشروع الذي لم يرسل إلى الحكومات الوطنية في أوروبا لمناقشته قبل انتهاء الاستفتاء في بريطانيا الذي نظم في 23 يونيو الفائت.
والبريطانيون كانوا قد اعترضوا على مشروع مماثل العام 2011، مما يفسر محاولة الاتحاد والحكومة البريطانية إبقاء المشروع الحالي في إطار السرية، خوفا أن تستغله الحملة المطالبة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وأشارت الصحيفة إلى أن موغيريني أمضت 18 شهرا في التحضير لمستندات مشروع الجيش الأوروبي الموحد، الذي عرض على زعماء الدول الأوروبية للنقاش خلال القمة الأوروبية التي عقدت في 28 يونيو الفائت.

الخروج من العباءة الأمريكية

في أواخر مايو الفائت رأت صحيفة «ذا اندبندت» البريطانية، أن الاتحاد الأوروبي، بات بحاجة فعلية لتشكيل جيش مشترك، يكون قادرًا على الدفاع عن دول «شنغن»، ويسمح بالخروج من العباءة الأمريكية، خاصة في حال وصل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
وكان الاتحاد الأوروبي نفى حينها وجود خطة سرية لتشكيل جيش أوروبي، كما يدعي البريطانيون الذين ايدوا لخروج بلدهم من الاتحاد.
وقالت المتحدثة باسم مفوضة الاتحاد الأوروبي لشؤون السياسة الخارجية والأمن، فيديريكا موغيريني:»ليست هناك أي خطة بتاتًا لتشكيل جيش أوروبي في إطار الاستراتيجية الشاملة».
وتقول الصحيفة إنه «بالنسبة للمؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد، كان هذا بالتحديد ما هم بحاجة له. فخرج المحاربون القدامى في بريطانيا للتحذير من التهديدات على سيادة المملكة المتحدة وحلف الشمال الأطلسي».
وتضيف أن «هؤلاء المؤيدين يقولون إن فكرة إنشاء جيش للاتحاد الأوروبي، كانت مجرد اختراع من نسج خيال اتحاد فيدرالي عفا عليه الزمن. ليس فقط أنه لن يتحقق -لأن معاهدات الاتحاد الأوروبي تنص على ضرورة الإجماع لقيام مثل هذا المشروع- لكن، في حال نجح ذلك –وهو أمر مستبعد- فستظهر بريطانيا له نفس الازدراء، الذي أظهرته تجاه معاهدة شنغن الحدودية».
وأشارت إلى أنه «في الماضي القريب، تورطت دول الاتحاد الأوروبي، وتحديدًا بريطانيا، في صراعات لم يكن عليها المشاركة فيها. فلم تكن هناك أي مبررات قوية لتورطها، عدا عن التضامن مع الولايات المتحدة، حليفها الأكبر، فلماذا تنضم القوات البريطانية إلى جهود التدخل في أفغانستان، وما هو أقل سبب دفعها للانضمام إلى الغزو الأمريكي للعراق؟».
وتتابع أنه «بالرغم من أن فرنسا تبنت توجهًا مختلفًا، إلا أن بريطانيا وقعت ضحية لولائها للولايات المتحدة والتفوق المفترض لجهاز استخباراتهما المشترك. فيجب أن تدعو هذه الكوارث وحدها للتكاتف لصالح تغليب السيادة الأوروبية للمصالح الأمنية من الآن فصاعدًا بدلًا من مصالح الدول الأطلسية فحسب».
وتلفت إلى أنه «لم تكن المحاولات الأخيرة في العمل المستقل ناجحة دومًا. فبالرغم من أن جهود المملكة المتحدة في سيراليون والعمليات التي قادتها فرنسا في مالي متواضعة من حيث الحجم إلا أنها حققت نتائج مقبولة. وعندما وضعت الدولتان على عاتقهما حماية الليبيين في بنغازي، وقامتا بشكل مضلل بتمديد المهمة لإزالة القذافي، اضطرا إلى طلب المساعدة من الولايات المتحدة المترددة. بالرغم من أنهما لم يكونا يعانيان من نقص الأموال ولا حتى نقص القدرات، مما أظهر خللًا آخر في التحالف الأطلسي».
وتوضح أن «فكرة حلف الشمال الأطلسي (الناتو) بأكملها تنص على أن تكون دفاعات الاتحاد الأوروبي غير مكتملة”، معتبرة أن جزءا من السبب في ذلك يعود إلى محاولة الحفاظ على المشاركة الأمريكية في أوروبا».

وتشير إلى أن أمريكا «قاومت مؤخرًا توجهات الاتحاد الأوروبي في الاستقلال الدفاعي والعسكري، في ظل الترجيحات بأن يصبح أعضاء حلف الشمال الأطلسي الأوروبي -مع القليل من التعديلات والدعم الأمريكي- قوة مسلحة فعالة، حتى ولو بالاسم فقط».

التقرب من روسيا

ورأت الصحيفة أن «من المزايا الإضافية لتحالف الاتحاد الأوروبي الأمني المنفصل عن الجناح الأطلسي المهيمن، هو تكوين علاقات أفضل مع روسيا؛ فسيتم عندها تقليص عامل الخوف ومضاعفة القوى الضاغطة من أجل التعاون».
لكنها نوهت إلى أن «تغيرًا كهذا سيلقى معارضة من الدول الأوروبية الوسطى والشرقية، التي سيكون عليها وضع ثقتها في القدرات الدفاعية للاتحاد الأوروبي بشكل أكبر من ثقتهم بها اليوم. لكن ستغلب حجة المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا في النهاية بسبب توليهم دفع ثمن أغلب نفقات القانون الأمني».
وتقول «ذا اندبندنت» إنه «من المرجح أن يأتي اليوم الذي تضطر فيه الدول الأوروبية إلى الدفاع عن أنفسها بوقت أقرب مما كان متوقعًا. فسواء فاز دونالد ترامب في انتخابات رئاسة الولايات المتحدة أم لا، فإن الأمريكيين يشعرون أن على الأوروبيين القيام بالكثير لمساعدة أنفسهم».
وتضيف أنه «وفي ظل هذا كله إضافة إلى ميل الولايات المتحدة الجديد نحو آسيا، سيكون تحول الذراع الأوروبي لحلف الشمال الأطلسي إلى كيان دفاعي مستقل، حلًا منطقيًا». لكنها تشدد على أن «نفوذ ومصداقية هذه القوة سيتم تعزيزهما كثيرًا ببقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي».