جمال زويد
ليس من المرجح أن يكون لما يُسمى (الفيتو) الرئاسي الذي استخدمه الرئيس الأمريكي أوباما الجمعة الفائتة ضد مشروع قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا) أي تأثير على عدم المضي فيه، وليس متوقعاً أن يستمع الكونجرس الأمريكي لتفصيلات تبريرات أوباما وأسباب استخدامه حق النقض في عدم تمريره وتوقيعه لهذا القانون الخطير الذي يؤسس إلى انتهاكات وخروقات فجّة في علاقات الدول ومساس غير مسبوق بالحصانة السيادية للدول.
استخدام (الفيتو) هنا ليس سوى محطة في عملية تبادل الأدوار أو فاصل تمثيلي لا يختلف عن كثير من المسرحيات التي أتقن الكابوي الأمريكي إنتاجها وإخراجها خاصة في منطقة الشرق الأوسط حيث إن الفصل التالي للـ (فيتو) هو إصرار الكونجرس على قانون جاستا وتمريره بثلثي أصواته، وهي الحالة التي تجعله حينئذ نافذاً، ولا قيمة له إطلاقاً لـ (فيتو أوباما).
الواقع أن كثيرين تكلموا عن أثر هذا القانون (جاستا) الذي يهين حصانة الدول وينتهك سيادتها ويتيح محاكمتها أمام القضاء الأمريكي بناء على دعوى أفراد، الأمر الذي يتيح لضحايا الأعمال الإرهابية التي تقع في الولايات المتحدة الأمريكية (والمقصود تحديداً تفجيرات 11 سبتمبر) أو لعائلاتهم مقاضاة حكومات أجنبية للحصول على تعويضات مالية عن الأضرار الناشئة عن هذه الأعمال الإرهابية في سابقة لم تعرفها دول العالم ومخالفة للقانون الدولي، ومبادئ وبنود ميثاق الأمم المتحدة.
ورغم أن جون برينان مدير جهاز الاستخبارات الأمريكية قد أكّد في مقابلة مع قناة العربية في شهر يونيو الفائت أنه لم يتم رصد أي خيوط لها مدلولات تشير إلى علاقة المملكة العربية السعودية كدولة أو مؤسسة أو مسؤولين بأحداث الـ11 من سبتمبر إلاّ أن جميع المؤشرات منذ بدء فكرة مشروع قانون (جاستا) كانت تعني المملكة العربية السعودية فضلاً عن أن السياق العام للأحداث والمواقف والتحالفات الأمريكية الآن تؤكد أن السعودية هي المقصودة بابتزازات وضغوطات هذا القانون المريع.
ولكن بعيداً عن كل تجاوزات أو انتهاكات هذا القانون حال إقراره والمخاطر السيئة المتوقعة من آثار تطبيقه، وبعيداً عن الاعتراضات والجدل الدائر حول مدى صحته ومقدار اتساقه مع القانون الدولي من عدمه، بعيدا عن كلّ ذلك، يقفز إلى الأذهان سؤال حائر مع ما فيه من المنطق: لماذا لا نعاملهم بالمثل؟
الأمريكيون يمارسون الإرهاب وينفذون أبشع الجرائم ضد الإنسانية، ويعتبرون أراضي العالم أملاكاً خاصة بهم، فبوارجهم وقاذفاتهم يمكنها أن تفزع أي مكان في أرض الله الواسعة،و تدّك قرى ومدنا آمنة، فتسقط مئات القتلى والجرحى، وطائراتهم - بطيار أو بدونه- تسقط أنواع مذهلة من الحمم والقنابل التي تنهي حياة مئات وربما آلاف المدنيين، وأفعالهم (الكابوية) تعدّت حدود هوليود وتخطّت العروض السينمائية لتصبح ممارسة واقعية تنشر الدمار وتزهق الأرواح وتسيل الدماء وتقصف الآمنين دون حسيب أو رقيب، وغالباً من دون خجل أو حياء، ولا يستطيع أحد أن يمنعهم من ذلك أو يكبح جماحهم، الشواهد على ذلك لا تُحصى، في أفغانستان كما في العراق كما في الصومال كما في سوريا كما في ليبيا كما في السودان و... إلخ.ضحايا الإرهاب الأمريكي فاقوا أضعاف ضحايا أحداث 11 سبتمبر، والأضرار التي لحقت بعائلاتهم وذويهم ليست محلاً للمقارنة أو حتى التفكير في المقارنة. وبالتالي لا يوجد ما يمنع دولنا العربية والإسلامية أن ترد على (الجاستا) الأمريكي بقانون (جاستا) إسلامي، ليس من باب المعاملة بالمثل أو سياسة (الندّ للندّ) فحسب وإنما لأن جرائم الأمريكان إرهاب حقيقي ومستمر، توفرت فيه كل أسباب وصفات ودلائل الإرهاب في حين أن أحداث الـ11 من سبتمبر ما زال الأمر محل شكوك وتتزايد بشأنه نظريات الفبركة والخديعة والصناعة الأمريكية البحتة له، تخطيطاً وتنفيذاً.
سانحة:
مما تعلمته في حياتي أن بعض البشر يكونون مثل الأواني، الأواني الفارغة تحدث ضجة أكثر من الأواني الممتلئة..
كاتب بحريني