اليمن.. المصير المؤلم

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٩/سبتمبر/٢٠١٦ ٠٦:٥٣ ص
اليمن.. المصير المؤلم

علي ناجي الرعوي
يبدو أن آمال أهل اليمن في الخروج من المستنقع الدموي الذي يغرقون فيه قد تحولت إلى كابوس يقض مضاجعهم بعد أن دخلت الحرب الدامية التي تشهدها بلادهم منعطفا جديدا من التصعيد الميداني مصحوبا بتغير (قواعد الاشتباك) ومسارات عملية التسوية التي انطلقت أولى جولاتها منتصف ديسمبر 2015 ثم جولتها الثانية في إحدى المدن السويسرية مطلع العام الجاري قبل أن تجلس متربعة على الصحن الكويتي لثلاثة أشهر كاملة لتنتهي كما بدأت ومن دون أن تحقق أي اختراق يذكر.يعزى هذا التطور الدراماتيكي في مجريات الأزمة اليمنية إلى عاملين: الأول وهو الأبرز يتعلق بالتداعيات المحتملة للإجراءات الأحادية التي لجأ إليها طرفي النزاع في الأسابيع الأخيرة ففي حين اتجهت سلطة صنعاء أو تحالف (الحوثي - صالح) إلى إعادة إحياء مجلس النواب الذي لم تنته ولايته وتشكيل المجلس السياسي الأعلى كسلطة سياسية بديلة للرئيس هادي وحكومته المعترف بها من المجتمع الدولي عمدت هذه الشرعية الذي يقاتل التحالف العربي إلى جانبها بالرد على تلك الخطوات بنقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء إلى عدن واعتبار هذه المدينة الجنوبية عاصمة مؤقتة على الرغم مما قد يترتب على استخدام الورقة الاقتصادية كأداة من أدوات الضغط على الطرف الآخر من انعكاسات سلبية على أبناء المجتمع اليمني الذين صار أكثر من 80 % منهم بحاجة إلى المساعدة الإنسانية لتامين غذائهم اليومي بحسب تقديرات ألأمم المتحدة.

أما العامل الثاني فيرتبط باتجاه الأزمة اليمنية نحو التدويل بدخول بعض الأطراف الإقليمية والدولية على خط هذه الأزمة وسعيها إلى فرض نمط معين للحل السياسي وفق رؤية تلتقي مع أهداف تلك الأطراف وقد تجلت ملامح مثل هذا الانسياق في ظهور اللجنة الرباعية التي تضم وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات والتي سبق لها وأن اجتمعت في جدة ونيويورك بهدف وضع الترتيبات الخاصة بمستقبل الصراع في اليمن بمعزل عن الدور الذي تقوم به الأمم المتحدة في هذا الصدد ومن شأن هذا التدويل كما تشي الكثير من المؤشرات أن يطيل أمد الحرب من ناحية ويعقد الخيارات والنتائج من ناحية أخرى سيما وأن الوضع الداخلي اليمني هو أكثر تعقيدا من توقعات هذه اللجنة أو غيرها من التحركات السياسية المتسارعة إقليميا ودوليا بعد أن أضحى اليمن وسط تجاذبات تتحرك كالرمال في الصحراء.مع كل يوم يمر تتشابك بورصة الحسابات الساخنة والباردة التي تحاول الإمساك بتلابيب الصراع الجاري في هذا البلد الذي يشكل بموقعه الجيوبوليتيكي أهمية استراتيجية وحيوية لمنطقة الخليج العربي التي تعطي الانطباع دائما بأن خروج اليمن عن سيطرتها يمثل تهديدا لأمنها المشترك ولذلك فإنها تقف حائرة أمام الرهانات المتناقضة التي تدور حول اليمن في الكواليس والتي لا شك وأنها تكبر وتتصادم بمقدار ما تكبر الأحداث والصدامات على المسرح اليمني إلى درجة صار فيها الفصل بين الصراع الداخلي فوق خشبة هذا المسرح والصراع الخارجي عليه أمرا في غاية الصعوبة سواء تركز الاهتمام على خطة (الرباعية) أو مبادرة المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أو بالربط بينهما فالصورة بعد 19 شهرا من الحرب تغيرت كليا عن ما كان قبل هذه الحرب حيث أصبح كل طرف داخلي ينطلق من تصور مختلف عن الطرف الآخر فيما تضاءلت فرص المراجعة للمواقف أو ما كان محل رهانات على تفاهم أمريكي - روسي يضغط باتجاه حل سياسي يكون موضع قبول من كل الأطراف الداخلية والخارجية بعد الخلاف العميق بين واشنطن وموسكو حول التسوية في سوريا والذي انعكس على واقع اللعبة الإقليمية والدولية في اليمن.

بعد كل ذلك لم يكن مستغربا أن تلوذ الأطراف الداخلية اليمنية إلى إعادة ترتيب مواقفها في نطاق المستجدات التي طرأت على المشهد اليمني فقبل أيام قلائل تبنى رئيس المجلس السياسي صالح الصماد مبادرة جديدة للتعامل مع تطورات الأزمة دعا فيها دول التحالف إلى إيقاف الحرب وفك الحصار أولا في مقابل أن يقوم طرف صنعاء بوقف هجماته على المناطق الحدودية السعودية وكذا وقف إطلاق الصواريخ البالستية إلا أن هذه المبادرة سرعان ما رفضها التحالف على لسان المتحدث باسمه العميد احمد عسيري لكونها لا تسير في اتجاه وضع تسوية شاملة مطالبا جماعة الحوثي وصالح بالالتزام بتعهدهما للأمم المتحدة.

لذلك يمكن القول إن الأوضاع في اليمن تشهد تصعيدا غير مسبوق على كافة الجبهات ففي الوقت الذي تعول فيه الأمم المتحدة على استئناف المفاوضات بين طرفي النزاع تأتي ردود الفعل من الجانبين لتأخذ على الفور منحى تصعيديا في الميدان وهو ما يرجح بان الحرب في اليمن ربما تقترب من الطابع السوري في ظل تمسك كل الأطراف بشروطها ومن ذلك شرط صنعاء بأن أية مفاوضات قادمة يجب أن تكون مع قيادة التحالف العربي الذي يعد الفاعل الأساسي في الحرب التي تشن على اليمن وليس مع حكومة هادي وهو ما ترفضه قيادة التحالف التي ترى أن تدخلها في اليمن لا يعني أنها طرف في المشكلة اليمنية وأن ذلك التدخل جاء بناءً على طلب السلطة الشرعية المعترف بها دوليا.

واضح أن الصراع اليمني بدأ محليا بامتياز لكنه تحول إلى صراع بالوكالة عن الأطراف الإقليمية والدولية وكلما استمر هذا الصراع زاد خطر تقسيم البلاد إلى دويلات صغيرة وهو ما يمكن أن يدفعه مستقبلا وحسب اتجاهات عديدة إلى معطيات تنطوي على تهديدات ممتدة لدول المنطقة والعارفين بخفايا الأمور ليسوا بحاجة لتفسير استمرار الحرب في اليمن كل هذه المدة في الوقت الذي كانت فيه كل الأبواب مفتوحة لإطفاء نيران تلك الحرب بعد أسابيع أو أيام ولجم لهيبها وأهوالها التي أدت إلى كل ذلك الخراب والتدمير الذي أعاد اليمن إلى الوراء أكثر من مئة عام.

كاتب يمني