هل هذه هي الأيام الأخيرة للتجارة الحرة؟

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٩/سبتمبر/٢٠١٦ ٠٦:٠٢ ص

روبرت صامويلسون

هل لك أن تخمن أن ترامب في حالة انتخابه رئيسا يستطيع أن يعتمد خطة جديدة للتجارة من دون أي تفويض من الكونجرس؟ وهذا يمكن أن يؤدي إلى حرب تجارية عالمية وركود اقتصادي عميق بالولايات المتحدة. إن السياسات التي تعد بأن تجعلنا في وضع أقوى اقتصاديا يمكن أن تفعل العكس تماما.
هذه هي الخلاصة الرئيسية من الدراسة التي أجراها معهد بيترسون للابحاث في واشنطن عن السياسات التجارية لكل من دونالد ترامب وهيلاري كلينتون. إن كلا المرشحين يعارضان اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، بل إن ترامب يدعو إلى سياسات معارضة للتجارة أكثر شدة – زيادة الرسوم الجمركية على المكسيك (35%) والصين (45%) وكذلك إلى انسحاب محتمل من منظمة التجارة العالمية.
ليس مستغربا أن معهد بيترسون – الذي تحيزه للتجارة ليس سرا – يستنكر هذه المقترحات. إن عدم تصديق الكونجرس على اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ سيكون خطأ استراتيجيا كبيرا، كما كتب الاقتصادي ماركوس نولاند، حيث إن ذلك سيمثل تراجعا عن مركز القيادة في آسيا، وتنازلا "للصين عن زمام المبادرة في وضع قواعد التجارة" للمنطقة. "إن التأثير الاقتصادي للصين سينمو على حساب النمو الاقتصادي للولايات المتحدة. واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ يلغي معظم التعريفات الجمركية بين الدول الأعضاء البالغ عددهم اثنى عشر دولة وتضع بعض القواعد للشركات المملوكة للدولة ومناطق أخرى من مناطق التجارة الدولية.
ولكن النتيجة الأكثر إثارة للدهشة التي توصلت إليها الدراسة هي أن ترامب يمكنه تنفيذ معظم مقترحاته بموجب أمر تنفيذي، وهو ما سيكون تنصلا من سياسات مؤيدة للتجارة استمرت على مدى عقود طويلة. هكذا يؤكد جاري هوفباور من معهد بيترسون بعد مراجعة لقوانين التجارة. على مد العقد الفائت، كما يقول هوفباور ، أصدر الكونجرس العديد من القوانين التي "تفوض الرئيس بفرض رسوم جمركية أو حصص على الواردات". وهذه تمثل سوابق كثيرة للعمل المستقل للرئاسة، كما يقول هوفباور.
وتشمل هذه القوانين قانون التجارة مع العدو لسنز 1917، وقانون الاتفاقيات التجارية المتبادلة لسنة 1934، وقانون التوسع التجاري لسنة 1962، وقانون التجارة لسنة 1974، وقانون صلاحيات الطوارئ الاقتصادية لسنة 1977. وحتى اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) تسمح لأعضائها (وهم الولايات المتحدة وكندا والمكسيك) بالانسحاب منها مع إشعار قبل ستة أشهر. وهناك أحكام مشابهة في اتفاقيات التجارة الحرة الأخرى التي الموقعة عليها الولايات المتحدة مع ثماني عشرة دولة أخرى، منها كولومبيا وكوريا الجنوبية. وقد قال ترامب إنه قد ينسحب من هذه الاتفاقيات إن لم يمكن إعادة التفاوض عليها بطريقة مرضية.
بالطبع قد تكون كل تهديدات ترامب هي مجرد حيلة لتحسين موقفه التفاوضي مع دول أخرى. كما أنه من المحتمل أيضا أن المعارضين المحليين – كبار مصدري السلع الزراعية والصناعية – سيسارعون إلى المحكمة طلبا للحصول على أمر قضائي مؤقت بانتظار نتيجة المحاكمة. ومن المفترض أن هؤلاء سيجادلون بأن الكونجرس قد فوض تفاصيل السياسة التجارية للرئيس ولكن ليس إجراء التغييرات الجذرية في السياسة التجارية.
ولكن هوفباور يشك في أنه يمكن إقناع المحاكم، فهو يعتقد أن المحاكم لن تتحرك ضد الرئيس إلا إذا خسر البيت الأبيض إحدى القضايا، والقضية يمكن أن تستغرق عاما أو عامين، مما يعطي ترامب فترة طويلة من الحرة في مواصلة سياساته.
إذا رفع ترامب الرسوم الجمركية على المكسيك والصين فإنهما سينتقمان، وهذا يمكن أن يفجر حربا تجارية عالمية واسعة النطاق، كما تقول دراسة معهد بيترسون. حتى مع افتراض أن ترامب لا يتبنى تدابير متطرفة أخرى (مثل الخروج من منظمة التجارة العالمية أو إلغاء اتفاقيات التجارة الحرة الأخرى) فإن النتيجة ستكون حالة من الركود الشديد، بحسب تقدير النموذج الاقتصادي الذي استخدمه معهد بيترسون. كما أنه سيحدث انخفاض في التجارة والاستثمار، وسترتفع معدلات البطالة إلى 8.6% في عام 2020.
في الواقع، لا يعرف أحد ما سيحدث. ولكن الأمر شبه المؤكد هو أن ما يحدث سيكون غير مواتيا. على مدى العقود، كان توسيع التجارة هو المحرك للنمو الاقتصادي العالمي. ويبدو أن ترامب يفترض أنه إذا تمكن من خفض العجز التجاري فإنه بذلك يدافع عن فرص العمل في الولايات المتحدة وتحفيز النمو الاقتصادي. وفي ظل عجز تجاري بلغ 500 بليون دولار في الولايات المتحدة في عام 2015، يبدو أن هناك مجالا واسعا للتحسين.
ورغم أن هذا يبدو أمرا منطقيا، فإنه تراجع في الحقيقة. فعندما ينمو اقتصاد الولايات المتحدة بشكل سريع، فإن العجز في الميزان لاتجاري يرتفع (لأن الواردات تزيد) وينخفض معدل البطالة (لأن المتسوقين أيضا يشترون السلع والخدمات المحلية). وعلى النقيض من ذلك، عندما يسقط الاقتصاد في حالة ركود، فإن عجز الميزان التجاري ينخفض (لأن الأمريكيين يشترون عددا أقل من الواردات) وترتفع معدلات البطالة (لأن الاستهلاك يضعف أيضا). وليس مستغربا إذن أن الكساد الكبير تسبب في انخفاض هائل في العجز التجاري. في عام 2009، بلغ العجز 384 بليون دولار مقارنة بمبلغ 762 بليون دولار في عام 2006,
فإذا سار ترامب في طريقه، فإن بعض المصانع في الخارج قد تعود إلى الولايات المتحدة ومواطنها الأخرى. ولكن التأثير الأكبر كثيرا سيكون في صورة ضعف التجارة العالمية والاستثمار. وستكون حرب التجارة التي تهدم الدعم السياسي للتجارة الحرة هي الحدث البارز. ولأن الشركات لن تعرف أين تستطيع البيع والشراء بشكل مربح، فإنها ستؤجل الاستثمارات حتى تتضح الرؤية. وهذا قد يستغرق وقتا طويلا. فهل تكون هذه هي الأيام الأخيرة للتجارة المفتوحة؟ ربما.

كاتب عمود متخصص في الشؤون الاقتصادية في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.