الحرب لا تنام

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٧/سبتمبر/٢٠١٦ ٢٣:٠٧ م
الحرب لا تنام

فيكتور ديفيز هانسون

في هذا الصيف كثيرا ما يلعب الرئيس أوباما الجولف فيما يعد مرشحا الرئاسة هيلاري كلينتون ودونالد ترامب أنهما سيتركان العالم وشأنه، ومع نهاية الصيف يبدو العالم في حالة سبات وهدوء نسبي. وأيضا في صيف عام 1914 كان كل شئ في أوروبا يبدو هادئا، ولكن في 28 يوليو اغتيل الدوق النمساوي فرانز فرديناند في سراييفو على يد جافريلو برينسيب بمساعدة من شركائه من الانفصاليين الصرب وأدى هذا الحادث الفردي الى اندلاع الحرب العالمية الأولى. وفي صيف عام 1939 كان معظم المراقبين يعتقدون أن أدولف هتلر قد أوقف سلسة أعمال العنف ظنا منهم أنه قد وصل الى حالة الشبع، إلا أن ألمانيا أقدمت في 1 سبتمبر بصورة غير متوقعة على غزو بولندا وفجرت الحرب العالمية الثانية، التي أدت الى مقتل نحو 60 مليون شخص.
وكثيرا ما تبدو الحروب قادمة من العدم عندما تؤدي بعض الأحداث الى اشعال فتيل نزاعات متأججة والدخول في واجهات عالمية. وغالبا ما يكون المحرضون مهاجمون ضعفاء يعتقدون بغباء أن الدول الأكثر قوة حريصة على السلام بأي ثمن، ومن ثم فإنها لن ترد على العدوان الانتهازي.
ومن المؤسف ان الصيف الهادئ هذا العام يخبئ الكثير من التوترات المتأججة التي تطل نذرها برأسها بين الفينة والأخرى، إلى حد كبير بسبب الموقف الانعزالي من الولايات المتحدة المتعبة حسبما يفترض البعض. بيد أن الحرب – ليست مثل الدول – فهي لا تنام.
فروسيا تواصل حشد قواتها على حدودها مع أوكرانيا، ويبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعتقد أن أوروبا في حالة فوضى مطلقة، ويفترض أن الرئيس أوباما لا يزال أكثر اهتماما بالاعتذار للأجانب عن الشرور التي اقترفتها الولايات المتحدة في السابق. ويراهن بوتين على أن أي قوة غربية متعبة لا يمكنها ولن تقدم على الوقوف في وجه استيلائه على أوكرانيا مجددا ثم دول البلطيق بعد ذلك. فمن في أمستردام يعنيه ما يحدث بعيدا عنه في كييف؟
وايران تبادلت الرهائن الأمريكيين مقابل مبالغ مالية، وقبل وقت ليس ببعيد أخطأ صاروخ إيراني حاملة طائرات امريكية، ونفذ الايرانيون عملية خطف لقارب أمريكي وحلقت طائرات فوق سفن حربية أمريكية في الخليج. وتتوعد ايران بين وقت وآخر بتدمير اسرائيل أو أمريكا أو كلاهما. فماذا يمكن ان تكون أرباح السلام وراء الصفقة الأخيرة مع ايران؟
وكوريا الشمالية أكثر من مجرد أوهام، فالتجارب النووية الأخيرة وإطلاق صواريخ تجاه اليابان تشير إلى أن رجل كوريا الشمالية القوي كيم يونج أون يعتقد فعلا أنه يمكنه أن يكسب الحرب، ومن ثم الحصول على مكاسب وتنازلات أكبر من الغرب ومن جيرانه الآسيويين.
ويبدو أن أوروبا والولايات المتحدة في موقف متحير بسبب الاعداد الكبيرة من المهاجرين الشباب من الشرق الأوسط الذي مزقته الحرب، ووصل الحد الى أن الصواب السياسي قد عقد ألسن القادة الغربيين حتى عن التعبير عن التهديد، ناهيك عن الرد على هذا التهديد.
وبدلا من ذلك يبدو أن الحكومة الأمريكية أكثر قلقا حول اغلاق مركز الاعتقال في جوانتانامو، والتأكيد على عدم نطق عبارة "الإرهاب الإسلامي"، وإصدار تحذيرات للأميركيين بعدم توجيه انتقادات عنصرية. كما يجد المعتدون تشجيعا في ذلك التخفيض الكبير في ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية، ورئاسة أوباما البطة العرجاء التي تقود السياسات من وراء الستار بينما تعكس أميركا المنقسمة ثقافيا وعرقيا حالة الضجر لدى الناخبين ازاء الالتزامات الخارجية.
وسيكون من الخطأ أن نفترض أن الحرب مستحيلة لأن المنطق يقول أن أحدا لن يستفيد منها أو أنها أسلوب قد عفى عليه الزمان ومن المستبعد حدوثها في القرن الحادي والعشرين الأكثر تطورا، أو أنها ضرب من الجنون في عالم يعج بالأسلحة النووية.
الواقع أن الطبيعة البشرية لا تتغير وتظل غير عقلانية، والشر دافع أبدي، وللأسف فالأشرار لا يعتبرون أن التهدئة موقف نبيل يجب مبادلته بالمثل، ولكن غالبا ما ينظرون اليها على أنها فرصة يجب استغلالها. وعما قريب يجب أن يكون هناك من يقول للكوريين الشماليين ان النظام العالمي المستقر لا يمكن أن يتحمل اطلاق الصواريخ المتكرر والتفجيرات النووية.
ومن يذكر بوتين أن الجمهوريات السوفيتية السابقة لها الحق في تقرير المصير. ومن يبلغ الصينيين أن أحد لا يستطيع أن يهبط بجزر صناعية وقواعد عسكرية للسيطرة على الممرات البحرية التجارية؟
وربما تكون المشكلة أنه لا يوجد أحد آخر (لا سيما الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي) يمتلك النفوذ والسلطة التي تمكنه من ابلاغ تلك الرسائل باستثناء الولايات المتحدة. ولكن لفترة طويلة قامت أمريكا بأكثر من نصيبها العادل من دور الشرطة الدولية، كما أن شعبها قد سئم التكاليف التي تنفق في الخارج. والنتيجة أنه حتى هذا الوقت المتأخر فالدواء الصعب لاستعادة الردع على المدى الطويل لا يقل خطورة عن مرض التهدئة المستمرة على المدى القصير. ويبدو أن أوباما يفترض أنه يمكنه أن يترك منصبه كصانع سلام ، ويؤكد لنا أن العالم لم يكن أكثر هدوءا من قبل. وهذا هو الشئ نفسه الذي قاله آخرون في الأسابيع الهادئة الأخيرة من صيف عامي 1914 و 1939. والواضح أن نذر الحرب تتجمع والأوقات الصعبة سرعان ما تحل فجأة.

مؤرخ في معهد هوفر في جامعة ستانفورد، آخر مؤلفاته: "أبانا جميعا: الحرب والتاريخ القديم والحديث"