الأمن والمستقبل في مصر وإيران

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٧/سبتمبر/٢٠١٦ ٢٣:٠٦ م
الأمن والمستقبل في مصر وإيران

دافيد إغناتيوس

ما هو الشيء المشترك بين رئيسي كل من مصر وإيران؟ الكثير، على ما يبدو، ويشمل الانشغال بالاستقرار الداخلي والجوع والنمو الاقتصادي.
وكلاهما يتحدثان عن الاعتدال والموارد الثرية لثقافتيهما القديمة، حتى في الوقت الذي تحتدم فيه الحروب الطائفية في المنطقة. ويدعي كل منهما أنه يريد تعزيز المزيد من حقوق الإنسان، ولكنهما يصران على أن النظام في بلديهما لا يمكن أن يتغير إلا بالتدريج. ويبدو أن قلقهما الأكبر هو بشأن الأمن – شبح الإرهاب والاضطرابات التي تقع على أعتابهما.
لقد أتاح الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة فرصة للقاء هذين الرئيسين. فقد التقيت مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لمدة ساعة في مقر إقامته ثم بعد ذلك انضممت إلى اجتماع جماعي يضم الرئيس الإيراني حسن روحاني. وقد أدلى السيسي بتصريحاته بشكل رسمي، أما روحاني فقد تحدث بشكل غير رسمي لكنه عبر عن نفس وجهات النظر في أحاديثه العامة.
وإحدى النقاط التي استخلصتها من اللقائين هي الدور المحوري الذي لا تزال الولايات المتحدة تؤديه في الشؤون العالمية، مهما كانت مشكلاتها السياسية الداخلية أو منافسوها الخارجيون. إن العالم له قوة عظمى واحدة فقط، والسيسي وروحاني، ومعهما عشرات الرؤساء الآخرين، يأتون إلى نيويورك كل عام في شهر سبتمبر للانخراط في نظام عالمي تقوده الولايات المتحدة. ومن بين من كانت حركتهم دائبة في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة أيضا وزير الخارجية الأمريكي جون كيري. إن إحباطه الأخير بشأن التفاوض على اتفاق سلام في سوريا هو رسالة تذكير بأنه حتى بالنسبة لدولة عظمى كالولايات المتحدة، الدبلوماسية وحدها لا تكفي.
لقد كان الحوار مع السيسي فرصة لتقييم زعيم يمثل لغزا، حتى بالنسبة لأقرب حلفائه العرب. إنه يتحدث عن إصلاح مصر ولكنه يصف مستنقع الدعم والبيروقراطية والجمود السياسي الذي أعاق الرؤساء المصريين السابقين. كان السيسي معسول الكلام – ولكنه متشكك بشأن حقوق الإنسان. وكان متحمسا أكثر للحديث عن هشاشة الدولة المصرية، وهو الأمر الذي يشغله بشكل واضح.
قال السيسي: "إن ما نعيش فيه ليس دولة حقيقة، بل هو شبه دولة،" في ترديد لنفس التصريحات التي أدلى بها في مصر في مايو الفائت. وهدفه هو "دولة كفؤ وقادرة" ذات بنية أساسية حديثة ونمو اقتصادي أسرع وحقوق إنسان على نطاق واسع في نهاية المطاف. ووصف مصر بأنها مازالت في حالة دوار جراء ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك. "إن بلدا كمصر تحتاج إلى الاستقرار، تحتاج إلى الأمن". وحذر من أن "انهيار الدولة" يمكن أن يحول مصر إلى شعب من اللاجئين مثل سوريا.
الاستقرار الداخلي هو الأساس المنطقي الذي غالبا ما تستخدمه القيادات السلطوية لتقليص الحقوق. فعندما سألت لماذا لا تستطيع مصر أن تكون مثل الهند والبرازيل، وهما دولتان ناميتان شهدتا نموا سريعا وكذلك ديمقراطية وحقوق للإنسان بشكل متزايد، أجاب السيسي أن دولة مثل الهند تتمتع بعقود من الاستقرار السياسي الذي يمكن بناء البناء عليه، بينما جهوده هو في الإصلاح لم يتجاوز عمرها العامين فقط.
وأعرب السيسي عن استيائه من الدعم الذي توفره الدولة والذي ظل الاقتصاديون ينتقدوه على مدى عقود. وقال إن مصر لديها سبعة ملايين موظف في القطاع العام يؤدون عملا يمكن أن يؤديه مليون واحد فقط، وأن رواتب القطاع العام قد زادت بأكثر من الضعف منذ ثورة عام 2011 ومطالبتها بالعدالة الاجتماعية. وقال السيسي إن النقاد قد يركزون على سجل حقوق الإنسان في مصر، ولكن ما يقلقه هو فرص العمل والغذاء والإسكان.
"لن تكون منصفا لي ولا للظروف في مصر إذا ظللت تنظر إلينا من خلال العدسة الأمريكية". ولكن إن كان السيسي يريد حقا تنشيط مصر فإنه يحتاج بالتأكيد إلى إحياء ديناميكيتها السياسية والاقتصادية – في بلد أكثر حرية وأكثر انفتاحا.
أما روحاني فقد كانت تصريحاته العلنية هنا سلاح ذو حدين. ففي خطابه يوم الخميس في الأمم المتحدة، وجه كلامه لمنافستهم الإقليمية، المملكة العربية السعودية، طالبا منها "التوقف والكف عن السياسات المثيرة للانقسام" وانتقد الولايات المتحدة أيضا "لعدم التزامها" بوعودها في الصفقة النووية التي تمت معها العام الفائت بفتح التجارة مع إيران.
ولكن روحاني هو سياسي دقيق. فهو يعرف جيدا أن نهجه المعتدل، الذي أدى إلى التوصل إلى الاتفاق النووي، مازال يحظى بشعبية لدى الناخبين الإيرانيين. وهو ينظر إلى التدخل العسكري الإيراني في كل من سوريا والعراق على أنه عازل ضروري ضد تنظيم داعش، الذي لولا هذا التدخل لكان قد استولى على دمشق وبغداد.
بالنسبة لكل من روحاني والسيسي، تبدأ السياسة الخارجية بعد تحقيق الأمن الداخلي. لقد قامت إيران بثورتها منذ 37 عاما؛ أما ثورة مصر فلم يمر عليها سوى خمس سنوات. ولن ينمو أيا من البلدين ويزدهر بدون المزيد من الحرية لتمكين المواطنين. وهذا هو السبب في أن الضغط الأمريكي من أجل حقوق الإنسان، بغض النظر عن مقدار إزعاجه لهذين الرئيسين، هو في نهاية المطاف في صالح بلديهما.

كاتب عمود متخصص في الشؤون الخارجية في صحيفة واشنطن بوست