الانفاق على البحث والتطوير بدول المجلس

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٧/سبتمبر/٢٠١٦ ٢٣:٠٤ م
الانفاق على البحث والتطوير بدول المجلس

حيدر بن عبدالرضا اللواتي
haiderdawood@hotmail.com

تتكرر دعوة بعض مسؤولي دول مجلس التعاون الخليجي بضرورة تخصيص المزيد من المبالغ للانفاق على البحث والتطوير في مختلف المجالات التي تهم عمليات البحث والابتكار، خاصة في الصناعات الحديثة التي بدأت تتبناها دول المجلس ومن ضمنها صناعة الحواسيب والمعدات الإلكترونية. ومؤخرا جاءت دعوة الدكتور عبدالعزيز بن حمد العقيل الأمين العام لمنظمة الخليج للاستشارات الصناعية - والتي تعتبر واحدة من المؤسسات التي ساهمت بشكل كبير في تعزيز المنظومة الصناعية في دول مجلس التعاون الخليجي خلال العقود الثلاثة الماضية - لتعطي دافعا جديدا بضرورة النظر في تعزيز موازنات البحث العلمي والتطوير الصناعي والتكنولوجي، مؤكدا بأنه من المحتم على دول مجلس التعاون وضع خطط وسياسات وطنية لتعزيز بيئة جدية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ونتيجة هذه العملية تعني في نهاية المطاف ضخ المزيد من النماء في استثمارات ومنتجات القطاع الخاص، وجذب الاستثمارات الأجنبية في مختلف المجالات، من ضمنها صناعة الحواسيب والمعدات الإلكترونية، وكذلك تعزيز الاستثمارات المشتركة والتعاون البيني والإقليمي لإقامة مشاريع البحث والتطوير المتعلقة بهذه الصناعة في المنطقة، بالاضافة إلى تسخير الحواسيب والمعدات الإلكترونية لإدارة مختلف الأنشطة الاقتصادية والتجارية والإنتاجية والمالية والتسويقية وإدارة الموارد البشرية والأنشطة التعليمية والتدريبية، مما يجعلها أساساً لاستراتيجية تحقيق التنمية المستدامة لاقتصادات دول المجلس، بجانب تشغيل المزيد من الأيدي الباحثة عن العمل في المنطقة الخليجية.
فهذه الصناعات التقنية تعد من الصناعات التي يقوم عليها الاقتصاد المعرفي، وتحتاج إلى التطوّر التكنولوجي والدراسات والأبحاث المتطورة لدعمها ومساندتها باستمرار، خاصة وأن المؤشرات الاحصائية تشير إلى أن صناعة الحواسيب والمعدات الإلكترونية بدول المجلس ساهمت في ايجاد 7174 فرصة عمل في أسواق هذه الدول عام 2015، بما يشكل نسبة بلغت 0.4% من إجمالي فرص العمل في القطاع الصناعي الخليجي، والبالغ عددها 162.8 ألف فرصة عمل.
فهناك العديد من التحديات والصعوبات التي تواجه الصناعة في دول المجلس، وهي ناتجة عن الفجوة المعرفية على مستوى كل مؤشرات الاقتصاد المعرفي، ومن ضمنها انخفاض نسبة الإنفاق على البحث والتطوير في دول المجلس مقارنة بالتجارب الناجحة في مجال الاستثمار المعرفي لدول أخرى في العالم. كما تعاني الصناعة أيضا من ضعف ثقافة البحث والتطوير والابتكار لدى الشركات الصناعية، الأمر الذي يتطلب إعطاء المزيد من الحرص والاهتمام من قبل الصناعيين لهذا الأمر، وتخصيص مبلغا سنويا لتعزيز جوانب البحث والتطوير في المجالات التي تعمل بها لكي تتمكن من تطوير المنتجات الصناعية التي تقوم بانتاجها. وهذه الجوانب البحثية ستؤدي في نهاية المطاف إلى بناء قاعدة قوية للبحث العلمي والتطوير التقني في المنطقة، خاصة إذا تم ذلك من خلال التعاون والشراكة مع مراكز البحوث والجامعات العلمية، والقطاع الصناعي في المنطقة. وهذا بحد ذاته يتطلب تأهيل موارد بشرية تكون مهمتها الاهتمام بقضايا المعرفة والتقنيات وصناعة المعلومات وتشغيل المعامل والمختبرات العلمية لمراكز البحوث المحلية.
وللاستمرار في هذا الجانب فان الأمر يتطلب مواجهة التحديات والصعوبات في عملية البحث العلمي والتطوير، حيث أثبت العديد من الدول والشركات بأن تقدمها يعزى إلى اهتمامها بتلك الجوانب من خلال توفير القدرات المالية والفنية والبشرية. وهناك اليوم شركات بدأت بصناعات متواضعة لتصبح اليوم شركات كبيرة وعملاقة نتيجة إداركها بأن التفوق التقني في منتجاتها، وقدرتها على منافسة المنتجات الأخرى لا يأتي إلا من خلال الاستمرار في البحث العلمي وتقديم مزيد من الجودة العالية في المنتجات. وحيث أن كل الحكومات الخليجية تؤكد بأن المنطقة بحاجة إلى تنويع مصادر الدخل القومي وعدم الاعتماد على النفط كمصدررئيس للدخل، فان أحد الخيارات أمامها هو توسيع الرقعة الصناعية والانفاق على البحث والتطوير، بجانب تأهيل وتدريب الكوادر البشرية لتكون في مصاف الدول الصناعية الأخرى التي سبقتنا في هذه النواحي. فالكثير من دول المنطقة لم يصل نسبة الانفاق لديها على البحث العلمي والتكنولوجي إلى 0.5% من إجمالي الناتج المحلي، بينما نرى أن بعض الدول الصناعية زادت نسبة الانفاق لديها من 3% إلى 5% أحيانا لكي تحقق المزيد من المكاسب لاقتصاداتها الوطنية.
وعموما فان الانفاق في هذه المجالات يشكل جانبا مهما في تقدم الدول ونموها الصناعي والتكنولوجي، وأن عملية البحث والتطوير هي السبيل الوحيد التي تولد المعرفة. وهذا ما يجب على دولنا والشركات والمؤسسات والجامعات إدراكها بضرورة إيجاد الارتباط الوثيق بالصناعات والتقنيات والاختراعات، لكي تتمكن من تقديم المزيد من التطوير والإنتاج في التخصصات التي تعمل بها.