التراكم غير المتناسب للدخل

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٧/سبتمبر/٢٠١٦ ٢٣:٠٤ م
التراكم غير المتناسب للدخل

لورا تايسون

في أيامنا هذه، تركز المناقشة الدائرة حول قضية التفاوت غالبا على التراكم غير المتناسب للدخل والثروة لدى حصة صغيرة للغاية من الأسر في الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات المتقدمة. والأمر الأقل وضوحا ــ ولكنه لا يقل إزعاجا ــ هو الاتجاه إلى هبوط أو ركود الدخول لغالبية الأسر.
خلال قسم كبير من فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان النمو القوي في الناتج المحلي الإجمالي وتشغيل العمالة في الاقتصادات المتقدمة يعني أن كل الأسر تقريبا شهدت ارتفاعا في مستويات الدخل، سواء قبل أو بعد الضرائب والتحويلات. ونتيجة لهذا، نشأ جيل بعد جيل وهو يتوقع أحوالا أفضل من أحوال آبائه. ولكن وفقا لبحث جديد من معهد ماكينزي العالمي، فربما لم يعد هذا التوقع مسوغا أو مضمونا.
خلال العقد الماضي، توقف نمو الدخل بشكل مفاجئ لأغلب الأسر في الدول المتقدمة، وكانت الأسر الأشد تضررا تلك التي تعيلها نساء منفردات، أو التي تضم عاملين أحدث سنا وأقل تعليما. فكان الدخل الحقيقي من الأجور ورأس المال للأسر في نفس الجزء من توزيع الدخل في عام 2014 أقل مما كان عليه في عام 2005 لنحو ثلثي الأسر في 25 دولة متقدمة ــ أكثر من 500 مليون شخص. وفي المقابل، في الفترة من 1993 إلى 2005، كانت دخول أقل من 2% من الأسر في هذه الاقتصادات ثابتة أو متراجعة.
وقد ساعدت الزيادات في التحويلات الحكومية وانخفاض المعدلات الضريبية في تخفيف تأثير الركود أو انخفاض دخول الأسواق على الدخل القابل للتصرف. ومع ذلك، واجهت 20% إلى 25% من الأسر دخولا ثابتة أو متراجعة في الفترة من 2005 إلى 2014، مقارنة بأقل من 2% في السنوات الاثنتي عشرة السابقة.
بيد أن انخفاض النمو بعد الأزمة ليس المشكلة الوحيدة. فقد ساعدت عوامل أطول أجلا مثل ضعف الاستثمار، وتباطؤ نمو قوة العمل، والتباطؤ الحاد في نمو الإنتاجية في خفض نمو دخول الأسر المتوسطة في أغلب الدول المتقدمة نسبة إلى الفترة 1993-2005.
يؤكد بحث ماكينزي الدور الذي تلعبه مثل هذه العوامل الطويلة الأجل في تقويض دخول غالبية الأسر. وهو يُظهِر أن دخول السوق الحقيقية لأغلب الأسر ظلت ثابتة أو انخفضت، حتى برغم بقاء النمو الكلي إيجابيا في الفترة 2005-2014.
في الولايات المتحدة بشكل خاص، تآكلت إلى حد كبير قدرة العمل على حماية حصته في الدخل الوطني، وقدرة الأسر المنخفضة والمتوسطة الدخل على حماية حصتها في مجمع الأجور. ونتيجة لهذا، تباطأ النمو الحقيقي في الدخل المتوسط القابل للتصرف بنحو تسع نقاط مئوية في الفترة من 1993 إلى 2005، ثم بنحو سبع نقاط مئوية أخرى في الفترة من 2005 إلى 2014.
من المؤكد أن الولايات المتحدة تدخلت بعد الأزمة، فنفذت حزمة من الحوافز المالية في عام 2009، والتي ساعدت بجانب تحويلات أخرى في زيادة نمو الدخل المتاح المتوسط بما يعادل خمس نقاط مئوية.
والنتائج المترتبة على مثل هذه الإخفاقات بعيدة المدى. ذلك أن الدخول الراكدة أو المتراجعة لا تعمل كمكابح للطلب الاستهلاكي ونمو الناتج المحلي الإجمالي فحسب؛ بل وتعمل أيضا على تغذية السخط الاجتماعي والسياسي، مع فقدان المواطنين الثقة في الهياكل الاقتصادية القائمة.
وقد وجدت استطلاعات الرأي أن الأشخاص الذين لا تنمو دخولهم، والذين لا يتوقعون تحسنا، يميلون إلى النظر إلى التجارة والهجرة بقدر أكبر من السلبية مقارنة بأولئك الذين يشهدون مكاسب إضافية أو يتوقعونها. ومن العلامات الواضحة التي تدلل على هذا الاتجاه السلبي التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في المملكة المتحدة والمعارضة من قِبَل الحزبين الجمهوري والديمقراطي لاتفاقيات التجارة في الولايات المتحدة.
كانت المناقشات الدائرة مؤخرا حول التفاوت في الدخول في الولايات المتحدة وغيرها من الدول المتقدمة تركز على الزيادة السريعة في الدخول لصالح قِلة من الناس. ولكن ركود أو انخفاض أجور الغالبية يضيف بُعداً مختلفا إلى المناقشة ــ ويتطلب أنماطا مختلفة من الحلول التي تؤكد على نمو الأجور لغالبية شرائح توزيع الدخل. فمع استمرار أغلب الأسر في مواجهة ركود الأجور أو انخفاضها ــ ومع سلوك الأجيال الشابة بالتالي مسارا يجعلهم أكثر فقرا من آبائهم ــ تصبح الحاجة ماسة إلى مثل هذه الحلول.

الرئيسة السابقة لمجلس المستشارين الاقتصاديين لرئيس الولايات المتحدة،