مسقط - ش
افتتحت أمس ندوة "آفاق حضارية من حياة الشيخ جاعد بن خميس الخروصي" في قاعة المؤتمرات بجامعة السلطان قابوس برعاية وزير العدل معالي الشيخ عبدالملك بن عبد الله الخليلي.
وأكد مساعد المفتي العام للسلطنة فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي في كلمته التي ألقاها في حفل الافتتاح أن صروح العلم والمعرفة ومراكز البحث والدراسة ومكامن المخطوطات ونفائسها كلها حظيت بأوفر نصيب وأوسع عناية في هذا العهد المبارك، وأن الدور إنما يقع على الباحثين والدارسين من أبناء الوطن في أداء ما عليهم بحثا وتنقيبا ودراسة وتحقيقا بأرقى مناهج البحث العلمي المعاصرة وبمختلف اللغات العالمية، كما أن المسؤولية مشتركة مع مؤسسات القطاع الخاص والمؤسسات الاهلية في التعاون على الاخراج والنشر والتوزيع.
وأشار فضيلته إلى ما يحدثنا به الوطن عن أمجاده وما يدخر لنا من سيرة عظمائه وأعلامه داعيا إلى أن ننصت لما يلقيه علينا في روية وبصيرة لنجد فيها مدد حكمة حاضرنا وضوء هدى مستقبلنا.
وأضاف: إن الحياة حبلى بأطوار ودول ومراحل وتدافع تمتحن فيها الاجيال في مبادئها وأخلاقها وفي عقولها وحلومها كما في آدابها وعلومها، فإذا أخذت أسباب الظفر ونبذت دواعي الضعف والوهن خرجت ـ بإذن الله ـ منتصرة وكتب لها النمو والرقي والحياة الكريمة.
وأوضح أن السلطنة في خضم أطوار الحياة تلك لم تخل ـ بحمد الله ـ في عصر من عصورها من مجددين مصلحين أرباب علم وعمل وعمالقة فكر ومنهج وحصون منيعة عن الأباطيل والشبهات وظلال ألفة وتراحم وأخوة وتناصح وأنصار حق وعدل وخير للمسلمين وللإنسانية جمعاء.
وتابع بالقول: من هؤلاء الذين أنجبتهم هذه الارض المباركة العلامة الكبير الشيخ الرباني أبو نبهان جاعد بن خميس الخروصي، علم احتفاء هذه الندوة، وقطب رحى بحوثها المعمقة ودراستها الغنية في ذكرى مرور مائتي عام على انتقال روحه الطاهرة الى مولاها الكريم، رحمه الله رحمة واسعة.
وأضاف أن الشيخ أبا نبهان نشأ في محضن علم وإصلاح فأشرب نفسه حب العلم والشمائل الكريمة والخصال الرفيعة وعلو الهمة واكتسى بسربال من حسن العشرة للناس ودثار من حب الخير لوطنه وأمته، نظر للمجتمع من حوله نظرة الفاحص الحريص على مصالحه الغيور على حرماته الساعي لعزه وكرامته، شخص أدواءه وعلله تشخيص الحكيم الحاذق ثم سعى مستوعبا تراث من سبقوه مضيفا اليه مما حباه الله تعالى به من فهم ثاقب، وذهن متقد، وذكاء نادر، محققا مدققا مجتهدا مصلحا، داعية موسوعيا ومجددا فكريا ومصلحا اجتماعيا.
رسالة للإنسانية
وقال فضيلة د. الخروصي إن المصلحين الكبار يضيق بهممهم وطموحاتهم رحب الفضاء لأنهم أصحاب رسالة للإنسانية كلها. وقد كان العلامة أبو نبهان في النخبة من هؤلاء الذين يقض مضجعهم ما يسوء أمتهم ويفرق شملها ويضعف شوكتها، ولذلك رأيناه ينتفض انتفاضة أبطال العلماء ناصحا علماء المسلمين بمختلف مذاهبهم ومدارسهم الاسلامية حيثما يصل حبر قلمه ومداد رسالته في أرجاء العالم الإسلامية كاشفا خطر الدعوات المتطرفة ومحذرا من غلوائها محاورا أهلها بالحجة والدليل ورادا على شبهاتهم بالقرآن والسنة ومخاطبا القادة والحكام وذوي الوجاهات في المجتمع بتحمل مسؤولياتهم وقطع أسباب الغلو والتطرف ونشر العلم وبسط العدل ورفع المظالم وإحياء السنن وإماتة البدع وقطع الذرائع أمام دعاوى العابثين والغلاة بالاصلاح الشامل وبتعزيز روح الدين الجامعة على البر والتقوى.
وأعرب فضيلته عن تطلعه الى الافاق الحضارية التي ستكشفها هذه الندوة عن شخصية الشيخ العلامة أبي نبهان وعن تراثه وعن عمان وتاريخها وتشوف الفوائد والفرائد التي سيجليها الباحثون والباحثات للخروج بما نحتاج اليه في واقعنا المعاصر من فهم لماضينا واستشراف لمستقبلنا.
إحياء التراث
من جانبه قال رئيس مركز الدراسات العمانية بجامعة السلطان قابوس رئيس اللجنة الرئيسية للندوة د. أحمد بن حمد الربعاني إن التاريخ العماني العريق امتاز بوجود أعلام انبروا لخدمة العلم ونشره فكانت لهم بصماتهم الواضحة في مختلف المجالات، مؤكدا أن مركز الدراسات العمانية يسعى الى تقديم هذه الشخصيات العلمية من خلال تعريف الاجيال بها وإحياء تراثها من خلال دراسة إنتاجها العلمي.
وأضاف في كلمة ألقاها في الجلسة الافتتاحية للندوة أن "هذه الندوة تأتي تكريما لعالم موسوعي جليل له صيته في مجال الفكر الديني والسياسي والاجتماعي والثقافي ترك إرثا علميا واسعا يشكل وجهة خصبة للباحثين والدارسين، ما يثري المكتبة العمانية ويعزز روح المواطنة والهوية الوطنية من خلال الفخر بتلك الانجازات والحفاظ عليها على مدى الزمن".
وأوضح أنه "نظرا لسعة الانتاج الفكري للشيخ جاعد الخروصي فإن الندوة الحالية تناقش سيرته العلمية في خمسة محاور هي السيرة الشخصية والعلمية والدراسات الشرعية والدراسات السلوكية والاصلاح والدراسات الادبية وذلك بمشاركة 20 باحثا وباحثة سوف يقدمون اوراقهم العلمية على مدار يومين اضافة الى معرض مصاحب يتزامن مع فعاليات الندوة".
معرض مصاحب
وقد قام معالي الشيخ وزير العدل يرافقه رئيس جامعة السلطان قابوس سعادة د. سعود البيماني والحضور بمشاهدة المعرض المصاحب للندوة الذي يقام في قاعة المعارض بالجامعة خلال الفترة من 26 - 28 سبتمبر وينظمه مركز الدراسات العمانية بالتعاون مع مركز ذاكرة عمان ويضم مخطوطات قيمة بعض منها تم اكتشافها حديثا وبعض النصوص ذات المعاني التي يحتاج اليها واقعنا المعاصر اليوم، ويتضمن المعرض أربعة محاور رئيسة في حياة الشيخ ابي نبهان تشمل (حياته وأسرته، آثاره العلمية، علاقاته ومراسلاته، مكتبته ومنسوخاته) حيث تعرض المخطوطات بنوعيها المصورة والأصلية بالإضافة إلى محور خاص بفن صناعة المخطوط.
وينظم الندوة مركز الدراسات العُمانية بالجامعة بالتعاون مع مكتب الإفتاء بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية بمناسبة ذكرى مرور مائتي عام على وفاة العلامة الشيخ جاعد الخروصي ـ رحمه الله ـ وهو من الأعلام الذين تجلى لهم أثر بالغ في الحياة العلمية والسياسية والاجتماعية في السلطنة.
جلسات الندوة
ناقشت الجلسة الاولى للندوة أبحاثا في إطار محور السيرة الشخصية والعلمية للشيخ جاعد الخروصي حيث قدم الباحث سلطان بن مبارك الشيباني ورقة بعنوان "دلائل النبوغ المبكر عند الشيخ جاعد الخروصي.. دراسة استقرائية" خلصت الى اثبات تعلم الشيخ أبي نبهان الخروصي في مرحلة مبكرة وقدمت دلائل متعددة تؤكد النبوغ المبكر لدى الشيخ وطلبه للعلم في سنوات عمره الأولى.
وهدفت الورقة الثانية التي قدمها الباحث فهد بن علي السعدي من وزارة الاوقاف والشؤون الدينية حول "التراث المخطوط لأبي نبهان الخروصي.. دراسة ببليوغرافية" إلى حصر آثار أبي نبهان العلمية وفرزها وتقديم وصف لها نظرا لكثرتها وتداخلها مع بعضها، وقد شملت الدراسة ما يقرب من مائتي نسخة من آثار ابي نبهان.
الورقة الثالثة التي قدمتها احلام بنت حمود الجهورية من هيئة الوثائق والمخطوطات الوطنية وجاءت تحت عنوان "قراءة في مكانة الشيخ من خلال الالقاب والكنى.. دراسة تاريخية وثائقية" استخلصت مكانة الشيخ أبي نبهان والمكانة العلمية البارزة والفاعلة التي تبوأها بالإضافة الى الصفات الشخصية التي تحلى بها. وقدم د. صالح بن عامر الخروصي من وزارة الخارجية ورقة بعنوان "الفكر الموسوعي للشيخ جاعد الخروصي" خلصت الى أن الشيخ أبا نبهان يعد عالما موسوعيا بحق وأسس مدرسة فكرية متميزة كان لها منهجها الخاص فيما يتعلق بالروحانيات وعلم السلوك.
وقدم د. مصطفى بن محمد شريفي ود. محمد الطريحي من جامعة نزوى ورقة حول قصيدة (يا أيها الغر الجهول الغافل) حيث سعت الورقة الى بيان القيمة الأدبية والسلوكية التي أضافتها القصيدة بتناولها جملة من المواضيع الهادفة الى تزكية النفس من الدنايا وتحذيرها من الاغترار بالدنيا والشيطان او الاستسلام للنفس الأمارة بالسوء وان الشيخ جاعد وظف في القصيدة بعض الألفاظ الخاصة بالمتصوفة واستخدم صورا أدبية وبلاغية رفيعة.
وفي الورقة الاخيرة خلال الجلسة الأولى بعنوان "نفائس العقيان للشيخ ابي نبهان" لمنير بن ناصر الحضرمي من جامعة السلطان قابوس، قدم الباحث دراسة وصفية وفنية للديوان الشعري للشيخ. وأظهرت الدراسة الخصائص الفنية واللغوية لقصائد الديوان.