آن أبلباوم
يعاد استخدام كلمة "الشعبوية"، وهي جزء قديم للغاية من المفردات السياسية، من جديد لتركز على حركة الشعب ضد النخبة، سواء أخذ ذلك شكل الثورة الفرنسية أو ثورة المزارعين الأميركيين. وعادة ما تشير إلى حركات يسارية، إلا أن الكلمة أسئ استخدامها الى حد كبير في أمريكا اللاتينية ، حيث عمد قادة يتمتعون بكاريزما شعبية الى تحفيز الحركات الجماهيرية من خلال برامج مصممة ظاهريا للإنفاق العام ومساعدة الفقراء، إلا أن جميعها انتهت عاجلا أو آجلا بالفشل. وربما كان المثال الأكثر استثنائية متمثلا في هوجو تشافيز في فنزويلا، والذي أثارت خطبه إعجاب اليسارين والقادة الشعبويين في أنحاء العالم. ومؤخرا في يونيو 2015 أشاد زعيم حزب العمال البريطاني جيرمي بإنجازات فنزويلا في قطاعات الوظائف والسكن والصحة والتعليم. إلا أن المعجبين التزموا الصمت مؤخرا بعد أن انتهى مزيج النفاق المسرف والتأميم وسوء الإدارة الى تضخم جامح وطوابير طويلة من أجل الغذاء ونقص من كافة متطلبات الحياة.
ويعيش الشعبويون من الجناح اليساري أصحاب الأمل الدائم في اليونان واسبانيا وغيرهما، بينما نجد في معظم بقية العالم الغربي أن اليمين هو الذي يتبنى الصورة الأكثر نشاطا للشعوبية. وأصبح هناك صوتا جديدا لحالة مجابهة النخبة، وأخذ صور مناهضة العولمة ومكافحة التجارة ومعاداة المهاجرين. ويعارض بعض من المتمسكين بأهدابها "الاستقامة السياسية"، بما قد لا يزيد على استخدام لغة عنصرية، بينما يكتفي آخرون بترديد الشعارات الوطنية.
بيد أن الشعبويين الجدد يجمعهم شئ ما مع الشعبوين القدامى، فهم يقدمون الأوهام والخطط والأفكار الغامضة والوعود غير القابلة للتحقيق، وفي نهاية المطاف لا يقدمون المال. والواقع أنهم يمثلون شيئا قديما للغاية وهو توق الإنسان الى حلول سريعة وبسيطة ( وان كانت غير واقعية) للمشاكل الصعبة - بالاضافة الى المزيد من الاموال.
وسواء سميتها نظرة أفلاطونية أو حالمة، يبدو أنها تتكرر وتعود كل جيل أو جيلين. فالأحزاب الشعبوية في المجر وفرنسا تتحدث الآن عن التأميم، ويزعمون أنه فقط إذا كان الشعب هو الذي يملك الشركات فسيكون كل شئ على ما يرام. ونحن نعلم فحوى هذا السيناريو من التاريخ ونعلم كيف ينتهي.
والشعارات الشهيرة التي يرددها ترامب " بناء الجدار" و " لنجعل أمريكا عظمى مرة أخرى" يصاحبها ادعاؤه أنه يمتلك خطة اقتصادية لتخفيضات ضريبية بـ 4.4 ترليون دولار، تضاف الى العجز الحالي في الموازنة والذي لا يوجد وسيلة معقولة لسداده، وإن كان ذلك كما أشار بعض الزملاء يمثل تحسنا أفضل عن الرقم الذي ادعاه في السابق للتخفيضات الضريبية بـ 9.25 ترليون دولار.
وربما يمثل ذلك تطورا ملتويا للسيناريو الفنزويلي، فترامب يريد أن يعطي الناس المال من خلال خفض الضرائب، وهو إذا ما حث سيؤدي الى افلاس الدولة. كما ألمح أنه قد يتخلف عن سداد الديون، ونحن نعلم أيضا من التاريخ ما يعنيه هذا السيناريو.
وربما كان هناك ثمة نسخة للمال الحر أقل قليلا في الشطح الخيالي رأيناها في النقاش حول استفتاء بريطانيا بخصوص الاتحاد الأوروبي البريطاني، عندما ادعت الحملة المؤيدة للخروج أنها سوف تجعل من الممكن تخصيص 350 مليون استرليني لنظام الرعاية الصحية أسبوعيا. وعلى الرغم من ان الادعاء قد دحض مرارا وتكرارا (وتم التخلي عنه منذ التصويت) فقد أظهرت استطلاعات الرأي ما بعد التصويت أن جميع الحجج المقدمة، والتي كان أكثرها إقناعا: نترك أوروبا لنحصل على المزيد من المال، كانت هباء منثورا.
والواقع أن الشعبوية الفاشلة تقود عادة الى شعبوية راديكالية، وبدورها فالشعبوية الراديكالية تقود الى العنف، وذلك عندما ينتهي الأمر بعد الوفاء بالوعود التي قطعوها على أنفسهم ما يطلق ثورة غضب الشعوب. وثمة دروس مستفادة خلال القرن العشرين إلا أنه على ما يبدو أن علينا أن نعيدها مرة أخرى في القرن الحادي والعشرين. ولا شئ جديد عن هذه اللحظة الشعبوية، فقط وجوه وأعلام تتغير.
كاتبة مقال رأي في صحيفة واشنطن بوست