حالة فرح.. حالة ديْن

مقالات رأي و تحليلات السبت ٢٤/سبتمبر/٢٠١٦ ٢٣:٥٦ م

محمد بن سيف الرحبي
www.facebook.com/msrahby
alrahby@gmail.com

ضمن حديثي «عبر ثلاثة مقالات سابقة» عن انعدام المواجهة الإيجابية للواقع من خلال القراءة الواعية للمتغيرات والظروف، سأمضي في ذات المسألة (على الجانب الشخصي لأنه خيارنا المتاح كأفراد وندفع ثمنه بشكل مباشر) ولكن تخصيصا لحالة أخرى نشهد تناميها لتشكل منعطفا مفصليا في حياة شبابنا، وتبدو في مرحلتها الأولى ككرة ثلج صغيرة من الممكن تحمل مرورها على رأس متسلق الجبل، لكنها تكبر وتكبر، وتهوي به في قاع يلزمه سنوات لينهض سليما من السقوط المريع فيه، وينعكس سلبا على حياته، وهو ينشد استقرارا نفسيا مع أسرة يبنيها ولا تزال لياقته المادية في بدء تفتحها الأول.

قبل ثلاثة عقود (تقريبا) كان المهر يمثّل الجبل الشامخ في وجه تطلع شبابنا لحياة أسرية تبدأ بالزواج، حينئذ تدخلت الحكومة لتحديد المهور بألفي ريال، كما فعل مع أيام العزاء والإنفاق الكبير خلالها، فبارك الناس هذه الخطوة، وقد عكست متابعة حكومية واستجابة واعية منها نحو عادات وتقاليد خرجت عن سياقها المعتاد وهدفها الأسمى باتجاه تصاعدي يعكس رغبة المجتمع (كأفراد) في القول (نحن هنا أيضا)، هذا القول يتكرر الآن في ذبائح الأعياد ومناسبات الأعراس حيث يتكبّد الناس مصاريف كبيرة، وفوق طاقتهم، فقط لأن المسار التصاعدي، أو التفكير الجمعي، يدين من لا يفعل ذلك، ويتهمه بالتقصير والبخل.
مهر (الألفي ريال) لا يكفي اليوم لقطعة ذهب جيدة، ولذلك ارتفع، فيما بقي متوسط الرواتب على حاله إن قورن بالقدرة الشرائية الآن، وليس كأرقام.
لكن المهر لم يعد إلا ترفا مقابل ما ينتظر (العائلتين) من إنفاق يبدو خطيرا إن نظر إلى استنزافه لمقدرات يمكنها أن تدفع بزوجين إلى العيش سنوات طوالا من عمرهما يواجهان ضغوط الأقساط البنكية أو الجمعيات عدا الحلم ببيت المستقبل، الذي قد يبعد كثيرا بما يضخّم خطورة ما يحدث على استقرار الأسر العمانية الشابة خلال السنوات القادمة.. أكثر.
المتطلبات باتت ضاغطة بما يكفي لإعادة النظر بواقعية إلى ما يحدث.. كلفة عالية لاستئجار القاعات حيث المنازل لم تعد تكفي المدعوين حيث توسّعت العائلات بما يفوق قدرة المكان على استيعابهم، إلا في قاعة تلتهم ما يمكنها من بين كلف أخرى أسوؤها ذلك الجموح المبالغ فيه لدى بنات العائلات للفساتين الجديدة والغالية وصالونات التجميل وموضة الهدايا، هذه التي أصبحت وحشا جديدا يتناسل مع كل مناسبة: مولود جديد، عيد ميلاد، عيد الأم، يوم الحب، وما أكثر ما تخترع المناسبات لتذهب الريالات فرادى وعشرات تتطاير هكذا، لأن الثقافة العامة ضاغطة، ولا يمكن مقاومة تيارها، فـ «البرستيج» لا يسمح.
لمــــاذا ترفــع مناسبات الفرح حالة الدين معنا؟
ألا يمكن لفرح زفاف أن يمضي خفيفا دون تكلفة تبلغ عشرات الآلاف إذا احتسبت قيمة ما أنفقه أهل العريس والعروس والمدعوون على محلات الفساتين والصالونات والهدايا؟ ألا تكون الفرحة ممكنة دون تلك الطوابير المنتظرة (صحون العيش واللحم) وكلفتها لا تخفى على أحد؟
هـــل سنجـــد عريسا يمرّ علـــى عروســـه، كأيّامنا، يأخذها إلى بيته، أميرة مدللة، دون تلك «المسرحية» مهما بدت باذخة الجمال، لكنها باذخة.. التكاليف، حاضرا ومستقبلا.