مسقط - ش
يبحث المحللون والمسؤولون في القارة العجوز، عن إجابة لما تشهده منطقة اليورو من صعوبات اقتصادية خطيرة تتمثل بتفاقم أزمة الديون وتفشي الفساد والتهرب من دفع الضرائب، الى جانب اضطرابات اجتماعية كبرى نتيجة لتصاعد اليمن المتطرف والشعوبية في دول اتحاد القارة العجوز، فضلا عن التنافس السياسي بين القوى الكبرى -المانيا وفرنسا- في هذا الاتحاد المترهل وبين القوى العالمية القديمة والاوربية حاليا "المملكة المتحدة" التي انسحبت من الوحدة الأوربية، لتسهم جل هذه العوامل آنفة الذكر بإضعاف وحدة اتحاد القارة العجوز محليا ودوليا وقد تدفع به إلى حافة الانهيار، بالتالي مما ادى الى تعالي الدعوات نحو التفكيك.
وقال البنك المركزي الأوروبي على موقعه الإلكتروني يوم الخميس الفائت إن من غير الممكن حدوث "تكوين للأموال على نحو غير منضبط" باستخدام هذا التسهيل المعروف باسم اتفاقية صافي الأصول المالية لأن هناك سقف لما يمكن لكل بنك من البنوك المركزية الوطنية شراؤه لمنع تداخله مع السياسة النقدية بحسب رويترز.
لكن تلك الحدود غير معلنة. وبينما يتعين على البنوك المركزية الوطنية إخطار البنك المركزي الأوروبي بما تقوم بشرائه فإن الكثير من تلك البنوك لا يعلن مثل تلك التفاصيل. وخلص البحث إلى أن حجم الأصول المصنفة تحت بند "أوراق مالية أخرى" في الميزانيات العامة للبنوك المركزية الوطنية والتي جرى شراؤها بأموال مخلقة ذاتيا قفز من 122.6 مليار يورو في 2005 إلى 374.9 بليون يورو في 2014.
ويبلغ حجم تلك الأصول حاليا 358.2 بليون يورو بحسب البيان المالي المجمع لمنظومة اليورو (يورو-سيستم). وقال هوفمان في دراسته "هذه الزيادة في الحجم... غابت عن الرأي العام بشكل كامل تقريبا."
وقال مصدر من منظومة اليورو إن إجمالي حجم الأصول التي تمتلكها البنوك المركزية بمنطقة اليورو لأغراض غير نقدية بلغ 575 بليون يورو في نهاية 2014 مقارنة بإنفاق شهري يبلغ 60 بليون يورو بموجب برنامج شراء الأصول الخاص بالبنك المركزي الأوروبي الذي أطلق في مارس آذار ومن المقرر استمراره لمدة 25 شهرا مما يعني أن الحجم الإجمالي قد يصل إلى 1.5 تريليون يورو.
اليورو يتراجع
وتراجع اليورو الى ما دون 1.05 دولار لاول مرة منذ يناير 2003 متاثرا بالفارق الكبير في التوقعات الاقتصادية بين منطقة اليورو والولايات المتحدة. وهبط اليورو قرابة الساعة 4.00 (5.00 بتوقيت باريس) الى 1.0495، ادنى مستوياته منذ يناير 2003، قبل ان يعود ويرتفع بشكل طفيف ليتراوح في جوار 1.06 دولار.
واليورو الذي كان لا يزال يقارب 1.10 دولار قبل اسبوع، فقد اكثر من 13% من قيمته منذ مطلع العام. وقال بترا كوراليوفا المحلل في شركة ترايد نكست ان "اليورو يبقى تحت الضغط. ليس هناك في الوقت الحاضر اي تصريحات او معطيات يمكن ان تقلب التوجه الحالي نحو التراجع". بحسب فرانس برس.
وخطة الدعم هذه التي وضعها الاتحاد النقدي ستصل قيمتها الى 60 بليون يورو شهريا حتى سبتمبر 2016 على الاقل، اي 1140 بليون يورو كحد ادنى سيتم استثمارها بشكل خاص في سندات سيادية.
مجابهة تباطؤ الاقتصاد العالمي
من جانب آخر يرى المتخصصون في الشؤون الاقتصادية ان البنوك المركزية مازال أمامها الكثير الذي يمكنها فعله لمجابهة تباطؤ الاقتصاد العالمي بما لا يغير توقعات التعافي في منطقة اليورو، فهم يخشون من أن المضي قدما قد يعمق الاستياء الشعبي تجاه أوروبا بعد سنوات الأزمة الاقتصادية التي زادت البطالة ورفعت نتائج الأحزاب الشعبوية المتشككة في الاتحاد الأوروبي باستطلاعات الرأي.
فيما يتوقع بعض المحللين ان يصل اليورو قريبا الى التعادل مع الدولار قبل ان يعود الى الارتفاع، واشا هؤلاء المحللون الى ان "الزيادة المتواصلة في سعر الدولار تطرح معضلة بالنسبة للاحتياطي الفدرالي" وخصوصا لانها "تعيق قدرة المصدرين (الاميركيين) على الحفاظ على قدرتهم التنافسية".
وتاثر اليورو بسياسات البنك المركزي الاوروبي الذي اعطى الاثنين اشارة الانطلاق لبرنامج غير مسبوق لشراء ديون عامة يتوقع ان يسمح بضخ مئات مليارات اليورو في اقتصاد منطقة اليورو على امل اعادة تنشيطه، ما يؤدي الى تراجع قيمة العملة الموحدة الاوروبية.
من جهته قلص بنك الاستثمار الأمريكي جولدمان ساكس توقعاته لليورو متنبئا بنزوله عن مستوى التعادل مع الدولار في غضون عام وهبوطه إلى مستوى قياسي جديد بحلول نهاية 2017. وتعد توقعات جولدمان ساكس لليورو هي الأكثر تشاؤما بين تقديرات جميع المؤسسات المالية الكبرى في الوقت الحالي.
وقد تسارعت وتيرة تدهور سعر صرف اليورو امام الدولار مع بدء البنك المركزي الاوروبي تطبيق برنامجه لشراء اصول، ومع اتساع الفجوة مع الولايات المتحدة يبدو ان عودة الى التعادل بين اليورو والدولار باتت في الافق. وعلق كريغ ارلام المحلل في شركة اواندا للوساطة ان "بدء تطبيق برنامج التيسير الكمي للبنك المركزي الاوروبي الاثنين اثار تحركات غير معقولة في الاسواق"، وعليه ويرى المسؤولون في الاتحاد الأوربي ان تغلب أوروبا على أزمة اليورو يحتاج لسنوات، وبالتالي أصبح مصير منطقة اليورو والعملة الأوروبية الموحدة مهدداً بخطر التفكك حتى في المستقبل القريب.
إجراءات عاجلة لدعم اليورو
في هذا السياق يقول تقرير حديث أوعز به جاك ديلور أحد مهندسي العملة الموحدة إنها لن تجتازها على الأرجح ويحث صناع السياسات على تغييرات فورية للوحدة النقدية الأوروبية المضطربة من أجل تفادي الانهيار الحتمي. يأتي تقرير "الإصلاح والإعداد - النمو واليورو بعد الخروج البريطاني" في وقت يحذر فيه حتى أصلب المدافعين عن اليورو من زيادة التكامل إثر استفتاء بريطانيا لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
ويقر كتاب التقرير وهم مجموعة من الأكاديميين والباحثين وصناع السياسات السابقين من أنحاء أوروبا بالعقبات لكنهم يقولون إن الساسة لا يملكون ترف الانتظار. وقد وضعوا خطة من ثلاث مراحل لدعم اليورو يعتقدون أنها ممكنة سياسيا رغم أجواء الاضطراب بحسب رويترز.
ويقول التقرير "إصلاح اليورو قد لا يحظى بقبول شعبي. لكنه ضروري وعاجل: في وقت ما من المستقبل ستتعرض أوروبا لأزمة اقتصادية جديدة. "لا نعرف هل يكون هذا خلال ستة أسابيع أم ستة أشهر أم ست سنوات. لكن اليورو بهيكله الحالي لن يجتاز على الأرجح تلك الأزمة القادمة."
وقد وضع التقرير الذي يقع في 38 صفحة وبدأ العمل على إعداده قبل تصويت الخروج البريطاني في يونيو أستاذ الاقتصاد السياسي المقيم في برلين هنريك إندرلاين ورئيس الوزراء الإيطالي السابق إنريكو ليتا وكلاهما من معهد ديلورس وبالتعاون مع مؤسسة برتلسمان.
وشارك فيه محافظا البنوك المركزية السابقان يورج أسموسن وجرترود تمبل جوجيريل مع لورانس بون المستشار الاقتصادي السابق للرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند وباسكال لامي الرئيس السابق لمنظمة التجارة العالمية وفيليب مايستاد وزير المالية البلجيكي السابق.
ويوصون في المرحلة الأولى لدعم العملة الموحدة بعدد من "الإصلاحات السريعة" التي تشمل تعزيز آلية الإنقاذ بمنطقة اليورو وتقوية الاتحاد المصرفي وتحسين تنسيق السياسات التي لا تتطلب تغييرات بمعاهدة الاتحاد الأوروبي.