علي بن راشد المطاعني
على الرغم التأكيدات الدائمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله - على أهمية القطاع الخاص واهمية دوره كشريك للحكومة في التنمية، ووضع سياسيات تدعو القطاع الخاص الى الاضطلاع بمسؤوليات كبيرة في بناء هذا الوطن، نجد أن هذه الشراكة المطلوبة، لم تصل إلى أسماع بعض المسؤولين في الأجهزة الحكومية للأسف، أو أن لدى بعضهم مشكلة سوء فهم تحول بين ترجمة التوجيهات العليا إلى واقع ملموس، ومن المؤسف أن يصل سوء الفهم إلى أجهزة الإعلام الرسمية التي بدأت تهمّش هي الأخرى دور القطاع الخاص إعلاميا، وتنتهج وتبلور ممارسات تغلب عليها الشخصنة في إدارة الأمور الإعلامية، غير مكترثة بما تقوم به وعواقب ذلك على البلاد والعباد.
إن بعض الأجهزة الحكومية تقف حجرة عثرة أمام كل ما يمتّ بصلة للشركات والمؤسسات الخاصة غير واعية بخطورة الممارسات التي تُنهك هذا القطاع، وتبعده عن مجالات الاستثمار التي يحتاجها الوطن والمواطن كحاجته للماء والهواء من خلال وضع العراقيل التي تقف عائقا أمام نموّه وتطوّره، والأدهى من هذا وذاك، أن رجال القطاع الخاص لا يشعرون أن لهم ومشروعاتهم أهمية في القنوات الاذاعية والتلفزيونية، ولا تسلط الأضواء عليهم وما يقومون به من جهود استثمارية في ربوع الوطن في تهميش واضح من وسائل إعلامنا بل إن الأمر وصل بوسائل إعلامنا الرسمية إلى أن تتوجس من مشروعات القطاع الخاص وكأنها شيئا غريبا و العياذ بالله ، أو تمثل ملكا خاصا لأصحابها، لا ينبغي ان تظهر للعامة، متناسية أن هذه المشروعات تضيف قيمة مضافة عالية من الاستثمارات في القطاعات الإنتاجية والخدمية في البلاد التي هي في أمسّ الحاجة إليها، فتحرّم عليها الظهور عبر الأثير، أو من غير المهم أن تأخذ بصيصا من التغطية في أجهزة إعلامنا العامة.
وإذا تبرعت هذه القنوات بتغطية مشروع ما، ليس لكونه مهمّا ورافدا للتنمية في البلاد، كلف ملايين الريالات، ووظف العشرات من أبناء البلد، وحقق الاكتفاء الذاتي من منتج أو سلعة معينة، وإنما لأن من يرعاه واحد من أصحاب السمو أو المعالي للأسف، في تعاط غير مسؤول من إدارة هذه الأجهزة الحكومية بطرق غير مهنية، تفتقر للعديد من القيم التي ينبغي أن ترسخها هذه الأجهزة في المجتمع بأنها موجهة للجميع بدون استثناء.
و تتمادئ بعض البرامج في اقحام نفسها في العلاقات بين بيت التجار وموظفيه في تحد سافر، في معالجة القضايا الإدارية بين الموظفين و الجهات التي تحتكم للقضاء، وتفصل فيها العدالة، ولا تناقش في برامج عامة التي يستحيل أن تجد لها حلولا من خلالها؛ فحتى الهيئة العامة للاذاعة والتلفزيون، نفسها لديها مشكلات مع موظفيها، لماذا لم تناقشها في برنامج البث المباشر، مثلما ناقشت قضايا الغرفة في برنامج هدف منه الصيد في المياه العكرة.
بل إن البعض المسؤولين لا يكتفون بهذه الممارسات وما تكيده، ويصل الحال بهم إلى وضع بعض أسماء رجال الأعمال في القوائم السوداء لا ينبغي أن تظهر صورهم في أجهزة الإعلام، وفي اللقاءات، والمناقشات والبرامج العامة، ويحظر عليها أن تظهر صورهم في التلفزيون، ويسمع صوتهم عبر الأثير، في تسلط وشخصنة للأجهزة الإعلامية، أشبه بالذي يوزع الأدوار الدرامية يظهر فلان، ولا يظهر علان، فهل هذا مناسب في أجهزة الإعلام في هذه المرحلة، وهي رسالة لها العديد من اوجه السلبية تعجز هذه السطور عن رصدها.
لقد تألمت عندما شاهدت خبر زيارة وفد اقتصادي من غرفة تجارة وصناعة عمان يمثل السلطنة، في أبعد بقاع الأرض، روسيا وبيلاروسيا، ولا يحظى بالاهتمام الذي يستحقه، ولم يبث تقرير من دقائق لما يبذله بيت التجار من جهود كبيرة في الترويج للاستثمار في السلطنة وخارجها، وسعيه الدائم لبناء شراكات اقتصادية مع نظرائه في الدول الشقيقة والصديقة، ويفتح آفاق التعاون مع بلدان العالم، مما يسهم في فتح آفاق جديدة للاقتصاد الوطني، فهل هذه الجهود لا تستحق تقارير تبث في وسائل الإعلام وتليق بهذه المناسبات التي احتفى بها رؤساء حكومات، أشادوا بنهج جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله - بل إن مثل هذه الأحداث والمناسبات مراقبة من الدول، في قياس مدى الاهتمام الإعلامي المتبادل بين الدول التي ترتبط بعلاقات وثيقة، يجب أن تأخذ أجهزة الإعلام كالتلفزيون هذا في الاعتبار عند تناول هذه العلاقات، والمناسبات، فزيارة رجال الأعمال، حظيت باهتمام إعلامي في بيلاروسيا، و لم تحظى بنفس الاهتمام في قناة عمان الأولى، وإنما اكتفت بخبر في نشرة الأخبار و تقرير بسيط بشكل عام عن الزيارة.
نأمل من المسؤولين في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون أن يعوا أن وسائل الإعلام ينبغي أن تكون أكبر من ممارسات شخصية، ولا تخطئ في تقدير دورها المحوري وترجمة أهدافها كوسائل إعلام عامة في إبراز الجهود في الوطن أينما كانت، وممّن تكون ما دامت في مصلحة البلاد والعباد، وأن تفيق من بعض النوازع غير الإيجابية في التعاطي مع القطاع الخاص ومما هي عليه الآن من تعاطٍ غير مسؤول، إلى السمو الذي يترجم توجيهات حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد - حفظه الله - وخطط الدولة التي تسعى لأن يكون القطاع الخاص شريكا في التنمية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وأولها الاعتراف به في وسائل الإعلام وتقدير رجال الأعمال وفتح آفاق علاقة تكامل وشراكة تعكس التطلعات المستقبلية لهذا الوطن وأبنائه.