بعد "جاستا"..فليشرب الكونجرس الأمريكي من البحر

مقالات رأي و تحليلات السبت ٢٤/سبتمبر/٢٠١٦ ٢٣:٠٦ م
بعد "جاستا"..فليشرب الكونجرس الأمريكي من البحر

احمد المرشد

قرأت كثيرا عن مشروع قانون "جاستا" الأمريكي أو ما يطلق عليه " العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي أقره الكونجرس الأمريكي بموافقة مجلسيه الشيوخ والنواب بأعضائه الجمهوريين والديمقراطيين. وقبل التعليق عليه اليوم، لا أكترث بما كتبه البعض وأثاروا فزعنا منه وأدخلوا الرعب في قلوب العرب عموما والسعودية خصوصا، فمشروع القانون لا يهمنا في شئ، وأراه مسألة محلية أمريكية بحتة ولا يجب أن يخيفنا ولا أن نخشاه، فالأمريكيون لا هم لهم سوي ابتزاز العرب شعوبا وحكومات وقيادات، والأمريكيون لا يريدون لنا أن نعيش في سلام، فهم يريدوننا فقط تحت أقدامهم، ولا يجب أن يغضب مني أحد من هذا التعبير، فهذا ما يريده الأمريكيون لنا، هم يرون أن "وضعنا" يجب أن يكون تحت سيطرتهم تماما وأن نكون في حالة هلع وفزع منهم، ورأيي هو أنهم إذا أرادوا تطبيق هذا القانون الناقص فليطبقوه داخل بلادهم وليس بلادنا فهو غير صادر عن الأمم المتحدة..مشكلة الأمريكيين انهم يعملون "زيطة وزمبليطة" مثل التعبير المصري، وهذا لتحقيق مرادهم الخاص بتأليب الشعوب العربية ضد قادتهم، ورسالتي هي أن يتركونا في حالنا، وأن نبادر جميعا باعطائهم درسا في القانون الدولي ونقلب عليهم الطاولة، وهذا لن يأتي سوي بتكاتفنا جميعا ومطالبة الأمم المتحدة بارغام الحكومات الأمريكية المتعاقبة بأن تدفع لنا تريليونات الدولارات تعويضا عن تخريبهم للدول العربية وقتل شعوبها، وأتحدث تحديدا عن حقوق العراق والعراقيين، اليمن واليمنيين، ليبيا والليبيين، فلسطين والفلسطينيين، الصومال والصوماليين، وشعوب اخري مثل أفغانستان وفيتنام ولاوس وكمبوديا واليابان..والي التفاصيل كما يقولون في نشرات الأخبار.

وبغض النظر عما سيكون عليه موقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما من المشروع – رفضه أم وافق عليه وهذا مستبعد حاليا- فإن المشروع سيخرج الي النور سواء في ولاية أوباما أو من سيخلفه، لأنه في حالة رفضه حاليا سيعاد طرحه علي الكونجرس ويتطلب اعتباره قانونا موافقة ثلثي أعضائه وهو أمر سهل مع حالة الميوعة التي نراها من نواب الشيوخ والنواب حاليا.
نعلم يقينا أن المشروع يجيز لضحايا الأعمال الإرهابية التى وقعت فى الولايات المتحدة الأمريكية (والمقصود تحديدا تفجيرات ١١ سبتمبر 2001) أو لعائلاتهم مقاضاة حكومات أجنبية – السعودية تحديدا - والحصول على تعويضات مالية عن الأضرار الناشئة عن هذه الأعمال الإرهابية.
المثير للدهشة أن من وضع هذا المشروع يريدون تنصيب الكونجرس الأمريكى مجلسا تشريعيا دوليا يتولي إصدار تشريعات ملزمة لدول العالم، وبما يمنح المحكمة العليا الأمريكية ولاية تطبيق هذه التشريعات فى مواجهة دول أجنبية ذات سيادة؟.. وهذا أمر خطير يجب تضافر الجهود الدولية لمناهضته، بمعني أنه لا يهمنا نحن العرب فقط ولكن بقية بلدان المجتمع الدولي مجتمعة، فمن الخطورة بمكان أن يترك العالم الولايات المتحدة تحدد لهم من هو الإرهابي من الجيد، الشرير من الطيب، وأن تتولي المحكمة العليا الأمريكية مسؤولية تطبيق الأحكام علي الدول وليس الأفراد.
كما أنه من الخطورة بمكان الاعتراف بهذا القانون الذي لا يستند الي أي أساس قانوني لمساءلة (دولة) عن أفعال إرهابية ارتكبها ( أفراد ) يحملون جنسية هذه الدولة، هذا بدلا من محاكمة الإنسان نفسه بما أنه هو الذي ارتكب جريمة إرهابية، خصوصا وأن الولايات المتحدة اعتقلت معظم المشاركين في (تفجيرات 11 سبتمبر 2001) وعذبتهم في جوانتنامو، أي أنها اقتصت منهم في الواقع ثم وزعتهم علي معتقلات أخري في بلدانهم. بمعني أن الولايات المتحدة هي التي فرطت في الإرهابيين وكان بيديها محاكمتهم محاكمة قانونية شرعية وليس فقط تعذيبهم بما يخالف قواعد حقوق الإنسان التي تتشدق بها يوميا.. ولكن للأسف، فالقانون الأمريكي المقترح يضع الدولة التي ينتمي اليها مرتكبو الجرائم الإرهابية، في مقام الفاعل الذي ارتكب هذه العمليات، وهذا خطأ بالغ.
يبدو أن المشرع الأمريكي يري نفسه الأكثر الماما بالقانون الدولي بما يضعه فوق مستوي البشر من بقية دول العالم، حينما أورد بمشروع قانون "جاستا" فقرات تجنب توجيه أي دول في العالم نفس العقوبة للولايات المتحدة، ويبدو أن هذا المشرع وضع في باله وهو يعد لهذا القانون العراق وأفغانستان واليمن وليبيا، لما اقترفته القوات الأمريكية بأوامر مباشرة من البيت الأبيض من جرائم ضد شعوب هذه الدول. ولهذا تنبه الكونجرس الأمريكي واستبعد تطبيق القانون علي ما تضررت منه الشعوب والدول جراء أعمال الحرب Acts of war.. في حين وكما قرأت من متابعات قانونية، فإن هذه الدول المتضررة من أعمال الحرب الأمريكية بإمكانها تطبيق بنود نفس القانون على جرائم الحرب Crimes of war ، هذا مع العلم بأن الولايات المتحدة ترفض حتي الآن الانضمام لنظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، تجنبا لأن تطالها هذه الجرائم.
قلت في البداية، ليس علينا أن نخاف أو نخشي من مثل هذه القوانين الافتراضية، فنحن أمة خليجية لا تخشي في الحق لومة لائم، ونحن أمة خليجية لا تتعامل مع العالم عموما والولايات المتحدة خصوصا كتابع ومتبوع، نؤمر فنطاع، ولكن الذي يحكم العلاقة بيننا هي المصالح المشتركة، رغم إدراكنا أن واشنطن – وكما هي عادتها – تبيع حلفاءها الإستراتيجيين ولسنا بحاجة الي تعداد مواقفها مع حلفائها علي مر التاريخ الذين تخلت عنهم في لحظة، فهم كثر. وندرك أن الأمريكيين لم يعودوا أصدقاء، ليس السعودية فقط ولكن لكل دول الخليج، وتدرك واشنطن أن كل دول الخليج تقف قلبا وقالبا مع السعودية، تفعل ما تفعله الرياض، فإذا ابتعدت المواقف بين السعودية وأمريكا فطبيعي ألا نتخل عن السعودية.
بدأت وقلت، إنه علينا ألا نخشي مثل هذه القوانين الأمريكية، فالذي دفع الأمريكيون للتفكير في مثل هذه الاجراءات الانتقامية هو أن السعودية أصبحت مشروعا قوميا ضخما صعب النيل منه، فهي لا تدير الحرب في اليمن ضدالحوثيين فقط وإنما تواجه المد الإيراني في المنطقة، وتقف له بالمرصاد، وكانت قوية في مواقفها ضد النظام السوري المدعوم من طهران، وأجهضت المشروع الإيراني في اليمن، كل ذلك بفضل قوتها العسكرية وامكاناتها الاقتصادية الهائلة التي من خلالها تحافظ علي الاستقرار الاقتصادي وسوق النفط ..ومعلوم أنه لو السعودية أرادت تغيير تقويم سعر النفط العالمي من الدولار لليورو لفعلت، ولكنها دولة تعمل علي استقرار السوق العالمي..ثم أن السعودية تعد ثاني مستثمر بعد اليابان في سندات الخزانة الأمريكية ولو فكرت في سحب هذه الاستثمارات لانهار سوق المال الأمريكي حيث سيصبح هشا آنذاك، وحينئذ سيندم الأمريكيون – أعضاء كونجرس وشعب – علي أي قانون يتخذونه.
قلنا إنه ليس علينا أن نخشي في الحق لومة لائم، لأننا ندرك تماما أن الفترة الحالية هي فترة انتخابات للكونجرس الأمريكي وكذلك انتخابات رئاسة، وبالتالي هي فترة مزايدات وابتزاز، وكان يجب علي المشرعين الأمريكان الرجوع أولا الي قانون وزارة الخارجية الأمريكية، فالولايات المتحدة تعادي فقط الدولة التي تضعها الخارجية الأمريكية تحت لائحة الدول الراعية للإرهاب، وللعلم فإن هذه اللائمة تضم سوريا وإيران التي أعفتها واشنطن من الحظر الاقتصادي وأبرمت معها الاتفاق النووي لتدمرنا به.
ثم علي الأمريكيين – خاصة مشرعيهم في الكونجرس – العودة الي أفلام هوليوود التي تؤكد مشاركة البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين في تأسيس وتمويل "القاعدة" في أفغانستان لتضرب بها الوجود السوفيتي آنذاك، فهل سيحاكم هذا القانون القادة الأمريكيين في هذا الوقت.. ولعلنا نذكر الأمريكيين بأن زكريا الموسوي أحد منفذي (تفجيرات سبتمبر 2001 ) كان يحمل الجنسية الفرنسية وجذوره إيرانية، فهل يطبق القانون علي فرنسا بلده الجديد وإيران بلد المنشأ؟ .
وماذا إذا أقرت بقية الدول مثل هذا القانون لتطالب الولايات المتحدة بتريليونات من الدولارات علي قتل أبنائها وتشريدهم وتدمير دولهم؟ ألن يرهق المواطن الأمريكي البسيط من جراء هذه التعويضات الضخمة التي ستؤثر علي الاقتصاد الأمريكي؟ نعلم أن الكونجرس الأمريكي يريد أن يعود بنا الي عالم الهنود الحمر، فالأمريكيون اعتادوا أن ينهبوا الشعوب ويقضوا عليها كما قضوا علي أصحاب الأرض هناك ودمروهم لكيلا يصبح لهم أي أثار أو تاريخ، وهم هكذا يريدون بنا نحن العرب.. وليس أخرا، لنا سؤالا وهو من أين ستمول أمريكا مساعداتها الأخيرة لإسرائيل والبالغة 38 مليار دولار؟ أتريد أن ندفع نحن بالنيابة عنها!!

كاتب ومحلل سياسي بحريني