اين العرب في الامم المتحدة ؟!

مقالات رأي و تحليلات السبت ٢٤/سبتمبر/٢٠١٦ ٢٣:٠٥ م
اين العرب في الامم المتحدة ؟!

علي ناجي الرعوي

العالم اليوم تقريبا مائتي دولة واغلبها تعيش حالة من الاستقرار سواء كان من الجانب السياسي او الجانبان الامني والاقتصادي فيما لو تمعنا جيدا في الاوضاع التي يمر بها الوطن العربي سنجد ان معظم الدول العربية غارقة في فوضى الصراعات والحروب والانقسامات الداخلية وان هناك من هذه الدول من تتقاتل فيما بينها وهناك من تشهد حروبا اهلية وثالثة تعاني حمى الفتن الطائفية والمذهبية وأخرى تتضور جوعا وتعيش تحت خط الفقر رغم ما يمتلكه الوطن العربي من الثروات والاحتياطيات المالية والاستثمارات الكبيرة في اوروبا وأمريكا وبعض البلدان الاسيوية.
هذه الحقيقة المؤلمة برزت بكل تفاصيلها في الدورة الجديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة التي بدأت اعمالها قبل ايام في نيويورك بمشاركة قادة وممثلين عن كل دول العالم حيث كان العرب مع الاسف هم (الغائب) الاكبر في هذا المحفل الدولي فلا وجود مؤثر لهم لا كمواضيع ولا كعناوين فقد توارت كل القضايا العربية في خطاب من حضر من العرب بما في ذلك القضايا التي كانت ذات يوم توصف بـ (المقدسة) وكان العرب يكبرون بها ويفرضون وجودهم من خلال اثبات جدارتهم بالدفاع عنها كقضية فلسطين التي بدت في هذه الدورة بكل جلال قضيتها في موقع هامشي بعد ما تركها اهل النظام العربي لمصيرها وسط انشقاق شعبها وتوزعه بقوة الاحتلال الاسرائيلي بين دولتين (الضفة – غزة) ليس لأي منهما مبرر وجود فضلا عن القدرة على الصمود في وجه التمدد الاستيطاني الاسرائيلي الذي يكاد ان يبتلع ما تبقى من التراب الفلسطيني.
انتابني شعور بالأسى اثناء متابعتي لفعاليات الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة حيث بدا الحضور العربي وكأنه في عزلة او غائب او مغيب عن هذه الدورة له ما يشغله ويصرف انظاره بعيدا عنها وقد حاصرته هموم الازمات التي تتسع وتتكاثر وتتناسل في الساحة العربية ولذلك فقد وجدنا المفردة السياسية التي كانت طاغية على الخطاب العربي هي نفسها التي تتكرر بلا كلل وبلا ملل منذ عدة سنوات وكلها تدور حول مسائل فرعية لا ترقى الى مستوى التحديات التي تحاصر الانسان العربي بالفعل لذا كان من الطبيعي ان ينقسم اهل النظام العربي في هذه الدورة حول سوريا والحرب الاهلية فيها ومستقبلها الغامض الى ثلاثة افرقاء :
- فريق يتهم نظام الاسد بأنه من يتحمل مسئولية حرب الابادة التي يتعرض لها الشعب السوري بنسائه وأطفاله ويطالب هذا النظام بالرحيل وترك الشعب السوري يقرر مصيره على اعتبار ان أي حل للمشكلة السورية لا يمكن له ان يتحقق في ظل وجود هذا النظام.
- اما الفريق الثاني فقد حاول ان يتقمص دور المحامي عن ذلك النظام بحماسة شديدة مبررا ان ما اصاب سوريا الدولة والوطن والشعب انما يندرج في اطار مؤامرة تستهدف سوريا اكثر من نظامها وبالتالي فان استمرار الاسد من وجهة نظره هو الكفيل بحماية سوريا من تلك المؤامرة.
- وفريق ثالث هو من ظل منتظرا مواقف الدول الكبرى وتحديدا الولايات المتحدة الامريكية وروسيا ليتخذ موقعه بحسب ما سيتضح من تلك المواقف مكتفيا بالإيماء والإيحاء ولغة العيون ومقتنعا بان قضايا العرب غدت الان في ايدي غيرهم وليس بحاجة لان يتمترس وراء أي من الفريقين السابقين.
اما المفاجأة التي تحولت الى حدث محوري في هذه الدورة فكانت في خطاب الرئيس الامريكي باراك اوباما بشان سوريا والتي وصلت الى ذروتها عبر اشارته الى ان الحل في سوريا لا يمكن ان يكون عسكريا وإنما سياسيا عبر المفاوضات وهو ما اعتبره المراقبون تراجعا عن الاستراتيجية الامريكية التي ظلت ترى في الحل العسكري مدخلا لإنهاء الازمة السورية المستمرة منذ اكثر من خمس سنوات وهو ما شعر معه البعض بالخيبة ظنا منه بان الرئيس الامريكي قد اكتفى بنصره الدبلوماسي الذي وفره له الروس بقيادة الرئيس بوتين.
من الواضح ان العرب لم يعد يشكلون بمجموع دولهم (قوة اقليمية) بل انهم من فقدوا تأثيرهم بمجرد ان اصبحت دولهم موزعة الولاءات والتوجهات ولذلك لم يخطئ الصحافيون العرب الذين قالوا ان ابرز ما في الدورة الحالية للأمم المتحدة هو تذكيرهم بان العرب قد استسلموا لرياح التفكك وتصدع البيت العربي وتداعي جدرانه وأن هذه التشققات باتت تفوق قدرتهم على العلاج والاحتمال خصوصا في ظل ما يلف المشهد العربي من اعتراكات وحروب واضطرابات ليس في سوريا وحسب وإنما في اليمن الذي تتصاعد فيه المبارزة الداخلية والإقليمية وكذا ليبيا التي تتجه الى الانفجار بمواطنيها وجيرانها مرورا بالعراق الذي يتعارك ابناءه عراكا دمويا بسبب تعذر الوصول الى حل يحسم الصراع المذهبي والطائفي الذي اوقع البلاد تحت حمى الخلاف والفتن المسمومة وفي المقابل يقف لبنان حائرا امام التوافق حول الاستحقاقات الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية فيما تواجه مؤسساته تدهورا وتصدعا بعدما القى المتصارعون هناك بكل اوراقهم.
وفي داخل اجتماعات دورة الامم المتحدة لا تستطيع إلا ان تتذكر ايضا الضغوط التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني بسبب تلهف نتنياهو الى فرض اجندات التسوية بحسب رؤيته التي تتجاوز استحقاقات الحل العادل الذي كان يتطلع اليه هذا الشعب الذي يظهر اليوم مطالبا بالقبول بما لا يستطيع قبوله او احتماله في ظل جامعة عربية ونظام عربي يبدو بعد سبعة عقود في منتهى الضعف والهوان ونخشى ما نخشاه ان يلجأ ابناء الشعب الفلسطيني وسط هذه الضغوط الى تبني خيار شمشوم : (عليّ وعلى اعدائي يا رب) بكل ما يعنيه ذلك من وضعية الانتحار والخسارة.
لا ندري بعد كل ذلك ما اذا كان العرب الذين تلاحقهم (لعنة الخلافات) يستشعرون انهم فقدوا تأثيرهم وأنهم في طريقهم الى الانقراض والخروج من المسرح السياسي الدولي ؟ ام انهم الذين قد اصيبوا بالتبلد وصاروا بكل بساطة مقتنعون بالعيش على هامش من يصنعون التاريخ ؟

كاتب يمني