كارل بيلت
بينما احتفل الاتحاد الأوروبي لدخول العام الجديد، فإنه يواجه عاصفة شبه كاملة من التحديات السياسية. وقد لا تكون الاستراتيجية التي استخدمها في الماضي ــ النجاح بصعوبة شديدة في اجتياز سلسلة من الكوارث ــ كافية.
الواقع أن الاتحاد الأوروبي ليس غريباً على إدارة الأزمات بطبيعة الحال. فعلى سبيل المثال، كان من المتوقع على نطاق واسع أن تتسبب أزمة اليورو في تدميره؛ ولكن بعد عامين من اجتماعات القمة الصعبة، عولجت القضية على نحو أو آخر. ولا تزال اليونان في حالة سيئة، ولكنها احتفظت بعضويتها في الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو. والآن يملك الاتحاد الأوروبي آليات لتنسيق السياسات الاقتصادية.
بيد أن الوضع اليوم أشد صعوبة من أي موقف شهده الاتحاد الأوروبي حتى الآن ــ وخاصة في ظل هذا العدد الهائل من التحديات الخطيرة التي يواجهها. فبعيداً عن كونه "حلقة من الأصدقاء" كما تصوره زعماء الاتحاد الأوروبي ذات يوم، تحول الجوار الأوروبي إلى "حلقة من النار" تغذيها إلى حد كبير تركيبة تتألف من الإرهاب والعدوان الروسي في شرق أوكرانيا. وانقلبت فكرة أن الاتحاد الأوروبي قادر بفضل مجتمعاته المفتوحة ورسوخ سيادة القانون داخل حدوده على إلهام الدول المجاورة تلك القيم رأساً على عقب، مع تسبب الفوضى في الجوار الأوروبي القريب في قصف الاتحاد بالتوترات وعدم الاستقرار.
ويتمثل أحد هذه التحديات في أزمة اللاجئين المتفاقمة، التي يغذيها الصراع في الشرق الأوسط، وخاصة سوريا. من المؤكد أن نسبة ضئيلة فقط من أولئك الذين شردهم الصراع يسعون حالياً إلى دخول الاتحاد الأوروبي، ولا يمثل الملايين من اللاجئين المتوقع وصولهم هذا العام سوى 0,2% من سكان الاتحاد الأوروبي. ولكن عندما يصل مثل هذا العدد الكبير في مثل هذا الوقت القصير إلى عدد قليل من البلدان، فمن الطبيعي أن ترتبك قدرة الاتحاد الأوروبي على إدارة هذا التدفق من اللاجئين، وقد أعيدت الضوابط على بعض الحدود داخل منطقة الشنجن.
ومن المتوقع أن تتوصل بلدان الاتحاد الأوروبي إلى أسلوب للتعامل مع التحدي المباشر، فتتفق على خطوات أساسية للسيطرة على الحدود وتقاسم عبء الهجرة بشكل أكثر إنصافا. ولكن التحديات الأطول أمدا ــ إدماج اللاجئين في المجتمع الأوروبي والتصدي لصعود الأحزاب السياسية الكارهة للأجانب ــ سوف تكون أصعب كثيرا.
وحتى من دون أزمة اللاجئين وتوابعها، سوف يواجه الاتحاد الأوروبي أجندة بالغة الصعوبة. إذ يشكل إحراز التقدم على مسار شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي وإنشاء سوق رقمية مشتركة أهمية بالغة في تعزيز القدرة التنافسية العالمية للاتحاد الأوروبي، وهذه أيضاً حال الجهود الرامية إلى تنفيذ اتحاد أسواق رأس المال المعتزم. وكأن كل هذا لم يكن كافيا، فمن المقرر أن يتم في يونيو وضع "استراتيجية عالمية جديدة للسياسة الخارجية والأمن" محل تلك التي وضِعَت خلال الأيام الأكثر تفاؤلاً في عام 2003.
ولتحقيق هذه الأجندة الصعبة، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يكون في أفضل حالاته، فيتعاون بشكل فعّال على جبهات متعددة في وقت واحد. وهو أمر بالغ الصعوبة في وقت حيث تغازل المملكة المتحدة احتمال الانسحاب. وبرغم أنه يبدو من المرجح على نحو متزايد أن يتمكن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون من عقد صفقة مع نظرائه الأوروبيين بحلول شهر فبراير ، فإن احتمالات تصديق الناخبين البريطانيين على الصفقة في الاستفتاء اللاحق، والذي وعد كاميرون بعقده في عام 2017، لن تكون في الأرجح أعلى من 50/50.
لا شك أن الاستفتاءات يصعب التنبؤ بنتائجها عادة. ففي الثالث من ديسمبر ، صَوّت الناخبون الدنمركيون على تعديل اختيار بلادهم الانسحاب من الأمور المتعلقة بالداخل والعدالة في الاتحاد الأوروبي إلى اختيار الدخول (والذي من شأنه أن يسمح بتبني قواعد تسرى على أوروبا بالكامل على أساس كل حالة على حِدة). وقد توقع عدد قليل للغاية من المراقبين رفض التغيير ــ بل إن عدداً أقل توقعوا هذه الهزيمة البينة للاقتراح، مع تصويت 53% من الناخبين برفضه. ومن الواضح أن تدفق اللاجئين أثر على النتيجة. وعلى نحو مماثل، قد تؤثر أي أزمة جديدة تنشأ بين وقتنا هذا وموعد عقد الاستفتاء البريطاني، وخاصة في وقت أقرب إلى التصويت، على النتيجة.
وسوف تكون حالة عدم اليقين الناتجة عن ذلك ضارة للغاية. وأي تصويت ضد الاستمرار في عضوية الاتحاد الأوروبي سيكون كارثة من الدرجة الأولى بالنسبة لأوروبا. ومع تراجع نفوذ الاتحاد الأوروبي الجيوسياسي إلى حد كبير، فسوف تكتسب القوى المناهضة للاتحاد الأوروبي في بلدان أعضاء أخرى المزيد من القوة. وبعد التوسع لأكثر من نصف قرن سوف يبدأ الاتحاد الأوروبي يتقلص فجأة. وسوف يستهلك التعامل مع العواقب المترتبة على خروج المملكة المتحدة في السنوات اللاحقة قدراً من الأكسجين السياسي أكبر من أن يسمح بالتصدي للتحديات الأخرى التي لا حصر لها والتي تواجهها أوروبا.
أياً كان ما قد يحدث فهناك أمر واحد مؤكد: فبعد عام أو عامين من الآن، سوف يبدو الاتحاد الأوروبي مختلفاً للغاية. فقد يتحول إلى اتحاد مفتت، ومشغول للغاية بوقف الانهيار الناجم عن انسحاب المملكة المتحدة، والذي سيكون سبباً لتعثره في التعامل مع أي قضية أخرى يواجهها. أو قد يصبح اتحاداً قوياً يضم المملكة المتحدة وينجح في التعامل مع القضايا المتعلقة باللاجئين، والحدود، واللجوء، ويعمل على وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي والسوق الرقمية المشتركة.
ومن هنا، فإذا كان العام الجديد سعيداً في أوروبا فإن العقد التالي سيكون سعيداً بالتبعية ــ سواء بالنسبة لأوروبا أو أولئك الذين يعتمدون عليها، بما في ذلك الولايات المتحدة.
رئيس وزراء السويد ووزير خارجيتها سابقا.