ميركل .... حينما تنتصر إنسانية القيــادة على انتهازية السياسة

الحدث الأربعاء ٢١/سبتمبر/٢٠١٦ ٢٢:٥٢ م

برلين –
أحيانا ما يجد السياسيون انفسهم في مواقف حدية مجبرين على الاختيار بين مصالح السياسة ومقاصد الإنسانية بين الانتهازية التي تجيد السياسة التحدث بكل لغاتها وبين الاعتبارات الأخلاقية التي لا تعرف سوى لغة واحدة والقليل فقط هو من يستطيع النجاح في هذا الاختبار الصعب بانحيازه للإنسان واستعداده دفع الثمن ومن هؤلاء المستشارة الألمانية انجيلا ميركل التي أعربت عن تمسكها بسياستها الحالية للهجرة والخاصة باستقبال بلادها للاجئين والمسلمين، وذلك رغم الخسارة الانتخابية الأخيرة لحزبها المسيحي الديمقراطي في الانتخابات المحلية بالعاصمة الألمانية برلين.

اقتناع واعتقاد

وقالت ميركل، في تصريحات نقلتها صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية على موقعها الإلكتروني «إنني أتحرك بفعل الاقتناع والاعتقاد بأن ألمانيا لديها واجب لاستيعاب أشخاص لديهم مثل هذه الحاجة، لكن في نفس الوقت فقد كان من الواجب كذلك منع التدفق الكبير بالطريقة التي شهدتها البلاد في العام الفائت».

وأضافت المستشارة الألمانية أن «حجب ومنع جميع اللاجئين والمسلمين من الدخول من شأنه أن يتناقض ليس فقط مع الدستور الألماني وواجبات بلادنا بموجب القانون الدولي وإنما قبل كل شيء مع الأسس الأخلاقية للحزب المسيحي الديمقراطي ومعتقداتي الشخصية». وأشارت الصحيفة إلى أن تصريحات ميركل تأتي كرفض لمطالبات حزب «البديل من أجل ألمانيا» المناهض للهجرة، والذي حصل على نسبة 2, 14% من التصويت الذي جرى في برلين الأحد الفائت ، بتجاهل طالبي اللجوء على الحدود والحد من هجرة المسلمين.
ولفتت الصحيفة إلى أن الحزب المسيحي الاجتماعي في ولاية بافاريا سعى أيضا لوضع سقف سنوي بشأن عدد اللاجئين الذين تستقبلهم ألمانيا وطالب بالأولوية للمهاجرين القادمين من الدول المسيحية.
وحقق الحزب الاجتماعي الديمقراطي، الذي يمثل تيار يسار الوسط، الفوز في انتخابات الأحد الفائت في برلين بنسبة 21.6% من التصويت، فيما جاء الحزب المسيحي الديمقراطي ثانيا بنسبة 17.6%، وهي النتيجة الأسوأ للحزبين في انتخابات ولاية برلين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

ضغوط متزايدة

بلاشك إن ميركل وسياستها بشأن الهجرة باتت في مأزق أكثر من أي وقت مضى بعد نكسة انتخابية ثانية منيت بها الاحد في اقتراع محلي في برلين اتاح لليمين الشعبوي ترسيخ موقعه في المشهد السياسي الألماني.

وحملت هذه النكسة خصوم قرار ميركل فتح الأبواب أمام المهاجرين، على تصعيد مواقفهم في وقت يبدي الرأي العام مخاوف متزايدة حيال تدفق مئات آلاف المهاجرين منذ صيف 2015. وحذر ماركوس سودر احد مسؤولي الاتحاد المسيحي الاجتماعي فرع الاتحاد المسيحي الديموقراطي بزعامة ميركل في بافاريا، من أن الحزب المحافظ «مهدد بفقدان فادح ودائم للثقة في قلب قاعدته الناخبة»، مطالبا بتشديد جذري لسياسة الهجرة. ومع حصول حزب المستشارة على 17,6% فقط من الأصوات في الانتخابات المحلية في برلين، يكون سجل أسوأ نتيجة في تاريخه ما بعد الحرب العالمية الثانية في هذه المدينة.

وصب تراجع الاتحاد المسيحي الديموقراطي خصوصا في مصلحة القوة السياسية الجديدة الصاعدة، حزب «البديل لألمانيا» المعارض للهجرة. وبحصوله على 14,2% من الأصوات، نجح هذا الحزب في كسر أحد المحرمات الموروثة من الحرب الأخيرة، وهو تمكين تنظيم من اليمين الشعبوي يقترب في بعض المجالات من طروحات اليمين المتطرف، من احتلال موقع ثابت في الحياة السياسية في هذا البلد.

وبعدما بقيت ألمانيا استثناء على الظاهرة المسجلة بصورة عامة، وصلتها بدورها موجة صعود الحركات الشعبوية والوطنية المحافظة في العالم.

وفي أوروبا، شملت هذه الموجة دولا مثل بريطانيا التي صوتت على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وفرنسا حيث ترجح التوقعات وصول حزب الجبهة الوطنية إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في ربيع 2017، وكذلك النمسا وبولندا والمجر وغيرها، في حين تسببت في الولايات المتحدة بفوز دونالد ترامب بترشيح الحزب الجمهوري للبيت الأبيض.
ويؤكد الاختراق الذي حققه «البديل لألمانيا» في مدينة كبرى مثل برلين المعروفة بانفتاحها على العالم، أن هذا الحزب الذي انشأ قبل ثلاث سنوات لم يعد محصورا في المناطق الفقيرة من المانيا الشرقية الشيوعية سابقا حيث معاقله التقليدية، ما يضعه في موقع متقدم للدخول إلى مجلس النواب في الانتخابات التشريعية بعد سنة. وقال أحد قادته يورج مويتن مبديا ارتياحه «إننا الآن حزب له موقعه الثابت».
أما الاتحاد المسيحي الديموقراطي، فسجل في العاصمة الألمانية خامس تراجع على التوالي له في انتخابات محلية وهو لن يعود ممثلا سوى في ست من المقاطعات الـ16 في البلاد، من ضمنها مقاطعتان يتمثل فيها بصفته شريكا له تمثيل أقلي في ائتلاف. وما يزيد من خطورة وضعه أن شريكه في الحكومة الفدرالية الحزب الاشتراكي الديموقراطي، خرج هو ايضا بنكسة كبيرة في برلين مع تحقيق أسوأ نتيجة له منذ الحرب العالمية الثانية (21,6%) على خلفية شرذمة متزايدة في الوضع السياسية.

اعتراف وليس تراجع

اعترفت انجيلا ميركل بخطأ سياستها المتعلقة بالهجرة بعد النكسة الانتخابية الثانية مني بها حزبها أمام اليمين الشعبوي، ما يضعف موقعها سياسيا قبل عام من الانتخابات التشريعية.

وبعد أن أقرت بان حزبها الاتحاد المسيحي الديموقراطي حقق أدنى نتائج في تاريخه في اقتراع محلي في برلين الاحد (17,6%) دافعت المستشارة الألمانية مجددا لأسباب إنسانية، عن قرارها فتح قبل عام الحدود الألمانية لاستقبال أعداد كبيرة من اللاجئين الفارين من الحرب في سوريا.
لكنها اقرت في الوقت نفسه صراحة بخطئها وللمرة الاولى. صرحت ميركل للصحافيين «لو كان في وسعي لعدت بالزمن الى الوراء عدة سنوات لا تمكن مع الحكومة وأصحاب القرار الآخرين من الاستعداد بشكل افضل للأوضاع التي فاجأتنا في نهاية صيف 2015» عندما تدفق عشرات آلاف اللاجئين الى المانيا. وأضافت «الله يعلم كم من القرارات الصائبة اتخذناها في السنوات الأخيرة» بشأن الهجرة. ووعدت ميركل بأن تبذل كل ما في وسعها لتفادي فوضى جديدة كالتي حصلت في خريف 2015 وادت الى «فقدان جزئي للسيطرة» على الحدود.
وأعلنت «لا احد ولا حتى أنا ارغب في تكرار مثل هذا الوضع». وقالت أيضا إنها تريد «تفسير افضل» لسياستها وأقرت بأن دمج اللاجئين سيستغرق وقتا.

كما أنها نأت بنفسها بشكل كبير مؤخرا عن الشعار الذي كانت تردده منذ أشهر للألمان مؤكدة «سنتوصل إلى تحقيق ذلك»، وهو شعار يؤخذ عليها بشدة على ضوء الصعوبات التي تواجهها سياسة دمج اللاجئين. واقرت في مقابلة أجرتها معها مجلة «فيرتشافتسفوخي» بأن هذا الشعار «تردد أكثر مما ينبغي» وبات «فارغا من المعنى».

وبعد أن منيت بخمس هزائم في انتخابات محلية تسعى ميركل على ما يبدو لطمأنة الرأي العام المستاء من سياسة فتح الأبواب أمام المهاجرين. لكن لربما لا يكون ذلك كافيا لتحسين علاقتها مع حليفها المحافظ في بافاريا حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي الذي يطلب منها عبثا تحديد سقف سنوي لعدد اللاجئين. وحذر ماركوس سودر أحد مسؤولي الاتحاد المسيحي الاجتماعي فرع الاتحاد المسيحي الديموقراطي بزعامة ميركل في بافاريا، من ان الحزب المحافظ «مهدد بفقدان فادح ودائم للثقة في قلب قاعدته الناخبة»، مطالبا بتشديد جذري لسياسة الهجرة.

وصب تراجع الاتحاد المسيحي الديموقراطي خصوصا في مصلحة القوة السياسية الجديدة الصاعدة، حزب «البديل لألمانيا» المعارض للهجرة. وبحصوله على 14,2% من الأصوات، نجح هذا الحزب في كسر أحد المحرمات الموروثة من الحرب الأخيرة، وهو تمكين تنظيم من اليمين الشعبوي يقترب في بعض المجالات من طروحات اليمين المتطرف، من احتلال موقع ثابت في الحياة السياسية في هذا البلد.

موجة صعود

وبعدما بقيت ألمانيا استثناء على الظاهرة المسجلة بصورة عامة، وصلتها بدورها موجة صعود الحركات الشعبوية والوطنية المحافظة في العالم. وفي اوروبا، شملت هذه الموجة دولا مثل بريطانيا التي صوتت على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وفرنسا حيث ترجح التوقعات وصول حزب الجبهة الوطنية إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية في ربيع 2017، وكذلك النمسا وبولندا والمجر وغيرها، في حين تسببت في الولايات المتحدة بفوز دونالد ترامب بترشيح الحزب الجمهوري للبيت الأبيض.

ويؤكد الاختراق الذي حققه «البديل لألمانيا» في مدينة كبرى مثل برلين المعروفة بانفتاحها على العالم، ان هذا الحزب الذي انشئ قبل ثلاث سنوات لم يعد محصورا في المناطق الفقيرة من المانيا الشرقية الشيوعية سابقا حيث معاقله التقليدية، ما يضعه في موقع متقدم للدخول إلى مجلس النواب في الانتخابات التشريعية بعد سنة. والاثنين قالت المسؤولة الثانية في الحزب في برلين بياتريكس فون شتورك «إن المنافسة بين حزب البديل لألمانيا والاتحاد المسيحي الديموقراطي للهيمنة على المعسكر المحافظ باتت مفتوحة» مضيفة ستضطر ميركل إلى «النضال للبقاء في 2017» استحقاق الانتخابات التشريعية في الخريف.

لكن رغم الهزيمة، لا تبدو المستشارة في خطر بعد، في غياب بديل لها في حزبها. وكتبت صحيفة «سودويتشه تسايتونغ» الاثنين أن «ميركل تراهن على عدم وضوح رؤية الاتحاد المسيحي الديموقراطي بشأن ما قد يحصل في حال رحيلها».

وستعلن ميركل إن كانت ستترشح لولاية جديدة رابعة خلال مؤتمر حزبها في ديسمبر.