تنمية مستدامة بديهية

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٠/سبتمبر/٢٠١٦ ٢٣:٥٨ م
تنمية مستدامة بديهية

بيورن لومبورج

تضم أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة لعام 2030 توفير التعليم الابتدائي لكل الأطفال، وفرص العمل لكل البالغين، وإنهاء الجوع والفقر. وهي طموحات نبيلة ــ ولكنها باهظة التكلفة. فهل نتمكن حقا من تحمل تكاليف تحقيقها جميعا؟
تشير تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن تلبية كل أهداف التنمية المستدامة العامة السبعة عشر، والتي تشمل 169 هدفا فرعيا محددا للتنمية، قد تكلف نحو 3.3 إلى 4.5 تريليون دولار أميركي سنويا ــ وهو ما يعادل تقريبا الميزانية الفيدرالية للولايات المتحدة لعام 2016، وأكبر كثيرا من نحو 132 مليار دولار أُنفِقَت في مجال مساعدات التنمية الخارجية على مستوى العالَم العام الماضي.
الواقع أن مجرد توفير التعليم الابتدائي للجميع يتطلب ما لا يقل عن 17 بليون دولار من الإنفاق الإضافي سنويا، وتشير تقديرات اللجنة الحكومية التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة إلى أن استئصال الفقر يتطلب استثمارات سنوية في البنية الأساسية بقيمة 5 إلى 7 تريليون دولار على مستوى العالم. والواقع أن التقديرات تتفاوت كثيرا لأن لا أحد يستطيع أن يجزم عن يقين كم قد يتكلف تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وإذا لم يكن بوسعنا أن نعتمد على التمويل الكامل لكل أهداف التنمية المستدامة، فينبغي لنا إذن أن ننفق ما لدينا بحكمة، لا أن ننفق المزيد على استثمارات لا تحقق تاريخيا سوى عائدات منخفضة. على سبيل المثال، في مجال التعليم، لم يخلف الاستثمار في تصغير أحجام الفصول ورفع رواتب المعلمين أي تأثير يُذكَر على درجات اختبارات الطلاب.
وتُعَد "مساعدات المناخ"، التي تخصص أموال التنمية للجهود الرامية إلى تخفيف آثار الانحباس الحراري العالمي، مجالا آخر يَعِد بأكثر مما قد يحقق من فوائد فعليا. وفي كثير من الأحيان، يخدم هذا التمويل غرضا تجميليا ــ جعل المانحين يبدون بمظهر رحيم بالبيئة ــ بدلا من إحداث تغيير حقيقي.
وبين العديد من أهداف التنمية المستدامة المرتبطة بالطاقة، لابد أن تكون الدعوة إلى إنهاء إعانات دعم الوقود الأحفوري أمرا بديهيا. وتشير تقديرات خبراء الاقتصاد في المركز البحثي الذي أتولى قيادته إلى أن كل دولار يجري تحويله من دعم الطاقة من الممكن أن يولد على الأقل 15 دولارا من الفوائد للمجتمع. وإنهاء إعانات الدعم هذه من شأنه أن يخفض الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون، وتلوث الهواء، وازدحام السيارات. والأمر الأكثر أهمية أنه يحرر من الأموال ما يمكن استخدامه في مجالات أخرى مثل الصحة والتغذية، حيث قد تخلف تدابير بسيطة تأثيرا هائلا نسبة إلى تكلفتها.
على سبيل المثال، في حين قتلت الملاريا أكثر من 400 ألف إنسان العام الماضي، فإن الناموسيات المعالجة بالمبيدات الحشرية للوقاية من البعوض الحامل للملاريا تستمر فعاليتها لمدة سنتين إلى ثلاث سنوات، وتكلف أقل من 10 دولارات لتصنيعها وتوزيعها. في الإجمال، يمكن تجنب كل حالة من الملاريا السريرية بتكلفة لا تتجاوز 11 دولارا.
إن قدرا ضئيلا من الإنفاق من الممكن أن ينقذ شخصا واحدا من المعاناة بسبب حُمى مؤلمة، وصداع، وتوعك منهك، وقيء، وغير ذلك من أعراض الملاريا؛ ومن الممكن أن يوفر على المجتمع إهدار الإنتاجية الاقتصادية، لأن أيام غياب الأطفال عن المدارس، وغياب البالغين عن العمل تصبح أقل. ومن الممكن أن ينقذ مئات الآلاف من الأرواح. تشير تقديرات خبراء الاقتصاد لدينا إلى أن الاستثمار في الحد من انتشار الملاريا بنحو 50% من شأنه أن يعود على المجتمع بفوائد تعادل 35 ضعفا.
على نحو مماثل، من الممكن أن تخلف التدخلات في مجال التغذية الأساسية ــ وخاصة للنساء الحوامل والأطفال الرُضَّع ــ تأثيرات بعيدة المدى للأفراد والمجتمعات. ذلك أن التغذية الكافية تعمل على تحسين صحة الطفل في الأمد البعيد، وأدائه التعليمي، ودخله في المستقبل. والاستثمار في التغذية أمر آخر بديهي: فالتدابير مثل معالجة الملح باليود، وإضافة الحديد وحمض الفوليك وفيتامين أ، قد تكلف سنتات قليلة سنويا لكل متلق. وعلى نحو مماثل، تُعَد علاجات التخلص من الديدان والتطعيمات غير مكلفة، وفعّالة، فضلا عن ارتفاع عائدها على الاستثمار.
عندما يكون بوسعنا أن نعمل على تحويل حياة شخص ما بالكامل في مقابل مبلغ ضئيل من المال، فينبغي لنا أن نقبل هذا الانتصار البسيط قبل أن نلاحق المشاريع الكبرى بتكاليف أعظم ومن دون ضمان للنجاح. وإذا كنا نفتقر إلى المال، فلا ينبغي لنا أن نفتقر إلى الحس السليم.
بيورن لومبورج مدير مركز إجماع كوبنهاجن، وأستاذ زائر في كلية كوبنهاجن لإدارة الأعمال.