خطة اقتصادية أفضل من أجل اليابان

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٠/سبتمبر/٢٠١٦ ٢٣:٥٧ م
خطة اقتصادية أفضل من أجل اليابان

جوزيف ستيجليتز

قبل ربع قرن من الزمن انفجرت فقاعة الأصول في اليابان ــ ومنذ ذلك الحين شهدت اليابان ربع قرن من التوعك الاقتصادي مع قدوم "عقد ضائع" تلو الآخر. بيد أن بعض الانتقادات الموجهة إلى سياساتها الاقتصادية لا مبرر لها. فالنمو ليس هدفا في حد ذاته؛ بل ينبغي لنا أن نهتم بمستويات المعيشة. والواقع أن اليابان كانت في الطليعة في الحد من النمو السكاني، وكانت إنتجيتها في ازدياد. وكان نمو الإنتاجية لكل شخص في سن العمل، وخاصة منذ عام 2008، أعلى من نظيره في الولايات المتحدة، وأعلى كثيرا من نظيره في أوروبا.
مع ذلك، يعتقد اليابانيون أنهم قادرون على تحقيق ما هو أفضل. تواجه اليابان مشاكل على جانبي العرض والطلب، وعلى مستوى الاقتصاد الحقيقي والموارد المالية. وهي تحتاج لمعالجة هذه المشاكل إلى برنامج اقتصادي يحظى بفرص نجاح أكبر من التدابير التي تبناها صناع السياسات مؤخرا، والتي فشلت في تحقيق هدف التضخم، أو استعادة الثقة، أو تعزيز النمو إلى المستوى المرغوب.
من الممكن أن تعمل ضريبة كبيرة على الكربون، إذا رافقها "التمويل الأخضر"، على تحفيز استثمارات هائلة لإصلاح وتحديث الاقتصاد. ويكاد يكون من المؤكد أن هذا التحفيز من شأنه أن يتجاوز التأثير الانكماشي المترتب على اقتطاع الأموال من النظام وتأثير الثروة السلبي الناجم عن تناقص قيمة "الأصول الكربونية". وسوف يكون تأثير الثروة السلبي الناجم عن تناقص قيمة الأصول الكربونية صغيرا؛ ومع نقص التزامن الشديد بين المخزون من رأس المال ونظام الأسعار الجديد، يُطلَق العنان لاستثمارات ضخمة، ما لم تحدث اختناقات في سد هذه الفجوة.
يشعر كثيرون من المراقبين من الخارج بالقلق إزاء ديون اليابان، والتي يمكن خدمتها بسهولة بأسعار الفائدة المنخفضة السائدة اليوم، ولكن الأمر يصبح مختلفا إذا ارتفعت أسعار الفائدة إلى مستويات أكثر طبيعية. وفي حين لا أرى أن هذا قد يحدث في أي وقت قريب، فمن الممكن أن تنفذ اليابان سياستين لتطعيم نفسها ضد مثل هذه المخاوف.
فأولا، يمكنها أن تبادل بعض ديونها بسندات أبدية، سندات لا تُسَدَّد أبدا، ولكنها تدفع سعر فائدة (صغير) كل عام. وهذا من شأنه أن يحول المخاطر تماما من دفاتر الحكومة. وقد يخشى بعض المراقبين أن يكون هذا تضخميا، ولكن التضخم، في اقتصاد اليابان المقلوب رأسا على عقب، هو المطلوب على وجه التحديد. وأعتقد أن المخاوف من زيادة مفاجئة في أسعار الفائدة مبالَغ فيها إلى حد كبير؛ ولكن من منطلق توخي الحذر الشديد، ربما تبادل الحكومة 5% على سبيل المثال من ديونها كل عام، ما لم تظهر ضغوط تضخمية مفرطة.
وبدلا من ذلك، من الممكن أن تبادل الحكومة الدين في مقابل أموال لا تحمل أسعار فائدة ــ أو تسييل ديون الحكومة الذي كان مصدرا للتخوفات لفترة طويلة. وحتى إذا كان التمويل النقدي أكثر ميلا إلى تعزيز التضخم من مبادلة الديون في مقابل سندات دائمة بفائدة، فإن هذه ليست حجة ضده: بل هي مجرد حجة للتقدم على هذا المسار بوتيرة أبطأ.
وتبدأ الطريقة الثانية الكفيلة بتمكين اليابان من حماية نفسها من ارتفاع أسعار الفائدة بالاعتراف بأن حصة كبيرة من الأموال المستحقة على الحكومة مدينة بها لنفسها. ويبدو أن كثيرين في وال ستريت لا يفهمون أن ما يهم هو صافي الدين ــ ما تدين به الحكومة لبقية المجتمع. وإذا سددت الحكومة الأموال التي تدين بها لنفسها فلن يدرك أحد الفارق. ولكن أولئك في وال ستريت الذين ينظرون فقط إلى نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي سوف يشعرون بالارتياح فجأة بشأن اليابان.
حتى بعد ربع قرن من الركود، تظل اليابان الدولة صاحبة ثالث أكبر اقتصاد في العالم. والواقع أن السياسات القادرة على المساعدة في رفع مستويات المعيشة هناك من شأنها أن تحفز الطلب والنمو في أمكان أخرى من الاقتصاد العالمي. وعلى نفس القدر من الأهمية، تستطيع اليابان كما تقاسمت سلعها وتكنولوجياتها المبدعة مع العالَم أن تنتهي بها الحال إلى تصدير سياسات ناجحة، حيث تعمل نفس التدابير أو تدابير مشابهة على رفع مستويات المعيشة في دول متقدمة أخرى أيضا.
جوزيف ستيجليتز حائز على جائزة نوبل في علوم الاقتصاد