لماذا يتمنى"التويتريين" العيش في عمان

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٠/سبتمبر/٢٠١٦ ٢٣:٥٧ م
لماذا يتمنى"التويتريين"  العيش في عمان

فريد أحمد حسن

الاستفتاء الذي قام بعمله الإعلامي جورج قرداحي أخيرا عبر "التويتر" وطلب من الجمهور المشاركة فيه بتحديد الدولة العربية التي يتمنى كل واحد منهم العيش فيها أظهر أن سبعين في المائة من المشاركين اختاروا سلطنة عمان ، وهذا يعني أن هؤلاء الذين ينتمون إلى جنسيات عديدة – ليس بينهم عمانيون طبعا – وجدوا في عمان ما لم يجدوه في بلدانهم وإلا لما فضلوها عليها ، ويعني أنهم إما زاروا السلطنة من قبل أو قرأوا عنها أو سمعوا فصار لها مكانا مميزا في قلوبهم وفي ذاكرتهم . لذا فإن السؤال المنطقي والذي يجب أن يهتم به المعنيون بالأمر في السلطنة هو ما الذي وجده أولئك في السلطنة ولم يجدوه في بلدانهم ولا يجدونه في الدول العربية الأخرى ؟
المثير في نتيجة الاستفتاء الذي شارك فيه أكثر من خمس وعشرين ألف شخص لم يختر منهم لبنان سوى سبعة في المائة فقط ، رغم كل المؤهلات التي يتميز بها هذا البلد الجميل والتي ظلت تغري العربي للعيش فيها حتى وهي تعاني من مشكلات أمنية واحتمالات قيام إسرائيل بحماقات في أي لحظة . كما أن نسبة قليلة من المشاركين تتراواح بين 8 و15 في المائة فقط اختاروا دولا خليجية تتميز بغناها وبمستوى الرواتب العالي .
هذا يعني أن الذين شاركوا في الاستفتاء واختاروا السلطنة مكانا للعيش وفضلوها على بلدانهم وعلى غيرها أسبابه غير مادية ، فما الذي دفع سبعين في المائة منهم – أي نحو ثلاثة أرباعهم - إلى هذا الخيار دون غيره ؟

هل تود الحصول على مثل هذه المقالات مُباشرة على هاتفك المحمول؟ قم بإرسال كلمة "إشتراك" إلى الرقم 98888101 الآن!

في اعتقادي أن أحد أهم الأسباب هي دهشتهم من نجاح المسيرة التي قادها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم منذ توليه مقاليد الحكم في السلطنة وتأسيسه لعمان الحديثة وحرص جلالته على العمل في صمت (نعمل بصمت ونبني بصمت ونترك الحديث للآخرين) الأمر الذي بدا معه وكأن السلطنة انبثقت فجأة فأدهش ما تعيشه من تطور لافت كل من زارها أو رأى صورا وأفلاما عنها . ومن الأسباب أيضا أن الأمان الذي ينعم به العمانيون وكل من يعيش في السلطنة لا يتوفر في كثير من البلاد العربية ، وكذلك الصفات التي إن ذكرت ذكرت معها السلطنة وأبرزها التسامح ونبذ الطائفية والعنف ، بالإضافة إلى الأخلاق العالية التي يتميز بها الإنسان العماني والكرم الذي لم يتأثر أصحابه بكل الحياة المادية ومغرياتها وما تسببت فيه من شروخ أثرت على عطاء الكثيرين في العديد من البلدان العربية .
بالتأكيد من أسباب اختيار سلطنة عمان أيضا سياستها الخارجية التي ترتكز على الوقوف على مسافة واحدة من كل الآخرين وعدم تدخلها في شئونهم وعدم سماحها بتدخل الآخرين في شئونها ، إضافة إلى الدور التوفيقي الذي تقوم به دائما والرامي إلى إصلاح ذات البين بين الدول المتخاصمة ، وكذلك قيامها بتسلم ملفات قضايا دولية رأت أن يكون لها دورا في حلها ، وحرصها على أن يكون لها رأيا خاصا بها وإن لم يرض حتى أشقاءها والقريبين ، فالسلطنة مستقلة ولا تنقاد إلى رأي أو موقف غير مقتنعة به أو لا يتماشى مع سياستها .
الناس يختارون عمان لأنهم يجدوا فيها ما ينشدونه من راحة نفسية ، ففي هذه البلاد يعيش الناس في هدوء ويعرفون أن أحدا لن يتدخل في حياتهم وفي دينهم وفي مذهبهم وأفكارهم وقناعاتهم ، وأن الفيصل دائما هو القانون الذي يطبق على الجميع . الناس يختارون عمان لأنهم يجدونها المثال الذي يشبع إنسانيتهم ويشعرهم أنه لا فارق بينهم وبين أهل البلاد ، فالكل هنا سواسية ، من دون أن يخل هذا بالتزامات الحكومة ومسئولياتها تجاه المواطنين .
كثيرة هي الأسباب التي دفعت المشاركين في استفتاء قرداحي إلى اختيار عمان للعيش فيها من بين كل البلدان العربية ، وكثيرة هي الأسباب التي دفعت وتدفع غيرهم إلى اختيار السلطنة وتفضيلها حتى على بلدانهم ، لكن يجب عدم الركون إلى تحليلات الأفراد ، فهذه وإن لم يختلف عليها ولم يجاوز أكثرها الواقع إلا أنها تظل غير علمية ومتأثرة بالعواطف ، لذا فإن المسئولية تقع على عاتق الجهات المعنية والمتخصصين من أبناء السلطنة من العاملين في مراكز الدراسات والبحوث ليجروا الدراسات اللازمة لتبين الأسباب التي دفعت وتدفع الكثيرين من العرب إلى تفضيل السلطنة على غيرها من البلدان العربية للعيش فيها ، فهذه الدراسات من شأنها أيضا أن تعين على الاستمرار في اتخاذ القرارات الصائبة والتميز .
اختيار هذه النسبة العالية من المشاركين في استفتاء قرداحي لسلطنة عمان من بين كل البلاد العربية مكانا للعيش مؤشر ينبغي أن تستفيد منه الدول العربية الأخرى أيضا ، حيث عدم اختيارها من أغلبية المشاركين أو قلة نسبة من اختارها منهم يعني أن الحياة فيها لا تغري لتفضيلها على غيرها وأن لهذا أسبابا عليها أن تدرسها جيدا . وبالتأكيد فإن الدول التي حصلت على نسب أقل أو لم يتم اختيارها بالمرة من قبل المشاركين في الاستفتاء تحتاج إلى القيام بعمل دراسات أوسع لمعرفة أسباب عدم اختيارها ولفظها ، فمثل هذه الدراسات من شأنها أن تعينها على معرفة ما تعاني منه من نواقص وما ينبغي عليها أن تقوم به لتحسين الحياة فيها والارتقاء بمواطنيها .
بالنسبة لي ولكثيرين من المطلعين والمتابعين للشأن العماني والحياة في السلطنة لم تكن النتيجة مفاجئة ، وهي لا تكون كذلك حتى لو فاقت تلك النسبة .

· كالتب بحريني