عام مفصلي لبريطانيا

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٦/يناير/٢٠١٦ ٢٣:٤٥ م
عام مفصلي لبريطانيا

كريس باتن

لندن- في يوم كئيب وماطر في بداية سنة 2016 في لندن كان من الصعب ان تجد سببا يدعوك للتفاؤل .إن الشمس سوف تسطع في الصباح ومن المفترض أن يتوقف المطر كذلك في أي وقت. إن أحفادي يمنحوني الشعور بالأمل كما إن محبي فيلم حرب النجوم يمكن أن يقنعوني بإنه مثل القوات المنشقة للأميرة ليا فإن الأخيار سوف ينتصرون في نهاية المطاف .

لكن عناوين الأخبار تؤدي عملا طيبا في التخفيف من مثل هذه المشاعر فالآفاق الإقتصادية تبدو متشائمة وهناك خطر بإن يبقى الإقتصاد العالمي ثابتا على حاله أو أن يصبح في وضع أسوأ . إن غرب آسيا في حالة إضطراب كما لا يظهر أن السعودية وإيران على إستعداد للعمل معا للتخفيف من الأعمال العدائية السنية –الشيعية والمهاجرون يستمرون بالتدفق بالآلآف على حدود أوروبا الهشة كما تدعي كوريا الشمالية أنها تبني سلاح نووي أكبر وأفضل.
إن الأخبار الطيبة من مؤتمر تغير المناخ الذي عقد في الشهر الفائت من باريس إختفت أمام هذا السيل من الكآبه الجيوسياسية والأمور قد تصبح أسوأ من ذلك بحلول نهاية العام .
أما في المملكة المتحدة حيث من المرجح إجراء إستفتاء على البقاء في الإتحاد الأوروبي قبل نهاية العام فإن الأمور قد تزداد سوءا بكثير .لو تعرض البريطانيون للخداع من خلال الكذب والخيال من أجل التصويت للخروج من الإتحاد الأوروبي ، فإن الإستفتاء- والذي تم طرحه من إجل إسترضاء الأعداد المتزايدة المعادية للإتحاد الأوروبي ضمن حزب المحافظين- سيفجر حكومة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وسيلحق ضررا لا يمكن إصلاحه ببريطانيا .
أنا لا أعتقد أن ذلك سيحصل ولكني لم أكن لأتصور قبل بضع سنوات أو حتى قبل بضعة أشهر بإن الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة الأمريكية سيختار بين دونالد ترامب وتيد كروز كمرشح رئاسي . إن من الواضح أن الحماقة الشعبوية يمكن أن تؤثر سلبا على العقل والمنطق.
إن التصويت ضد عضوية الإتحاد الأوروبي وخاصة في ظل هذه البيئة العالمية الخطيرة سوف يكون عملا غير منطقي بحق . أولا ، إن القول بإن بإمكان المملكة المتحدة التفاوض على شروط ميسرة من أجل بيع بضائعها في الإتحاد الأوروبي هو قول لا يحمل الكثير من المنطق وذلك نظرا لأن السوق الموحدة الأوروبيه هي أكثر أهمية بكثير للمصدرين البريطانيين مقارنة بأهمية السوق البريطانيه للشركات الأوروبية.
إن القول بإن ترك الإتحاد الأوروبي سوف يمكن المملكة المتحدة من متابعة مصالحها التجارية مثل النرويج أو سويسرا لا يضع بعين الإعتبار حقيقة إنه يتوجب على تلك الدول قبول قوانين السوق الأوروبية الموحدة من أجل أن تتمكن من الوصول إليها وهي قوانين وأحكام لا تشترك في صياغتها. لقد وصف النرويجيون ذلك في بداية الأمر على أنه "ديمقراطية الفاكس" أي أن التعليمات من بروكسل ستظهر بكل بساطة في مكاتب حكومة أوسلو بحيث يتم تطبيقها بدون جدال . إن من الملفت للنظر أن هذا ما يطلق عليه المتشككون البريطانيون بأوروبا "السيادة".
لكن السيادة هي دائما مفهوم زلق فعادة ما يجادل القوميون وكأن السيادة هي شيء يشبه العذرية أي أنها موجودة في لحظة ما وغير موجودة في اللحظة الأخرى ولكن السيادة هي أبعد من أن تكون حالة مطلقة .
ما هو مقدار السيادة التي تتمتع بها بريطانيا كمستوردة للطاقة علما أن جزءا كبيرا من توريدها المستقبلي من الطاقة سوف يأتي من محطات طاقة نووية موجودة في أيدي الفرنسين والصينيين؟ ما هو مقدار السيادة في دولة ما عندما تقوم صناديق التحوط وتجار السندات بخفض أسعارها؟ وما فائدة السيادة ونحن نواجه تهديدات بيئية والتي يمكن مواجهتها فقط من خلال التعاون الدولي؟
إن فكرة إتخاذ جميع القرارات من جانب واحد تبدو لطيفة ولكنها ببساطة غير قابلة للتطبيق في عالم اليوم المترابط والمتكامل وحتى كخامس أكبر إقتصاد في العالم فإن من المحتمل أن بريطانيا قد تجد أنه ليس من السهل التفاوض للتوصل إلى إتفاقيات تجارية بشروط ميسرة مع عمالقة مثل أمريكا واليابان والصين .
وفي واقع الأمر لو قررت بريطانيا أن تكون لوحدها فإن من الممكن أن يسارع المستثمرون الكبار للخروج منها وبحلول نهاية العام سوف يحاول المصنعون حساب كيف يمكن نقل أجزاء من مصانعهم إلى القارة الأوروبية وبحلول يناير القادم وبعد أن تكون بريطانيا قد وجهت ضربة قاسية للإتحاد الاوروبي سوف تجد بريطانيا نفسها تحاول التفاوض تحت ظل وزارة جديدة ورئيس وزراء جديد من أجل التوصل لعلاقة سياسية وإقتصادية جديدة مع الدول السبع والعشرين الأعضاء في الإتحاد الأوروبي وهذا يبدو كفوضى شاملة بالنسبة لي .
بالطبع فإن من الممكن أن لا يحصل ذلك حيث من الممكن أن يختار الناخبون البريطانيون- كما ينصحنا أقرب إصدقاءنا وحلفاءنا من الولايات المتحدة الأمريكية وإلى اليابان – البقاء كمواطنين في العالم الواقعي .
لاحقا لذلك التصويت فإن من الممكن أن تبدأ المملكة المتحدة بإصلاح سمعتها في الإتحاد الأوروبي وهي سمعه تم تقويضها بشكل كبير بسبب النظرة لبريطانيا منذ أمد بعيد كعضو شبه منفصل عن النادي واليوم وحتى لو إتفق عضو آخر في الإتحاد الأوروبي مع بريطانيا فربما لن يصرح بذلك حتى لا يتأثر سلبا بسمعتنا السامة .
إن تغيير التصورات السلبية لا يعني أنه يجب أن نتصرف ضد مصالحنا بل يعني أنه يتوجب علينا أن نوضح رغبتنا في السعي لأن يكون لدينا برنامج عمل يناسبنا ويناسب الآخرين وهذا يعني أن نكون إيجابيين بدلا من أن ننتقد فقط كل شيء من الكواليس .
وبهذه الروح يتوجب على بريطانيا أن تقود الجهود لإكمال السوق الموحدة . يجب أن نكون في طليعة الحملة من أجل إكمال إتفاقية الشراكة عبر المحيط الأطلسي للتجارة والإستثمار مع الولايات المتحدة الأمريكية . يجب أن نضغط من أجل سياسة للطاقة في الإتحاد الأوروبي تعزز من إمننا كما يجب أن نقود إستراتيجية أوروبية للتعامل مع التحديات التي تواجه جيراننا بالإضافة إلى بلدان شرق آسيا وشمال أفريقيا.
لو تمكنا من عمل ذلك كله بحلول نهاية سنة 2016 فإن بعض الخير سوف يظهر في سنة من المرجح ان تحمل الكثير من الأخبار السيئة .

آخر حاكم لهونغ كونغ ومفوض سابق للإتحاد الأوروبي للشؤون الدولية وهو الآن رئيس جامعة أكسفورد.