هدى حمد: مهمة الكاتب الأسمى أن يبقى في منطقة الإبداع

مزاج الاثنين ١٩/سبتمبر/٢٠١٦ ٢٣:٠٤ م
هدى حمد: 
مهمة الكاتب الأسمى أن يبقى في منطقة الإبداع

مسقط -العمانية

تكشف كتابات القاصة والروائية العمانية هدى حمد عن إدانةٍ للمجتمع الذكوري، وهو ما يتجلى منذ مجموعتها القصصية الأولى "نميمة مالحة"، لكنها تؤكد أنها لا تستطيع النظر للمرأة كضحية والرجل كجلاد؛ لأنّ هذا "غير منصف".
وتضيف: "من تجربتي الشخصية، كان الرجل ابتداء من أبي وأخوتي وزملاء الكتابة، وليس انتهاء بزوجي، عوناً لي ودافعاً إيجابياً في الغالب".
وتوضح هدى أنها عندما تكتبُ عملاً أدبياً، تفكر غالباً في صدق الشخصيات والإدهاش والإمتاع وإيجاد المفارقات والألاعيب السردية، أكثر مما قد تفكر في الانتصار للقضايا ومعالجتها، لأنها تركت هذا الهامش لمقالاتها الصحفية. وهي تعتقد أنّ مهمة الكاتب الأسمى هي أن يبقى في "منطقة الإبداع"؛ لأن "تلوّثه" بالقضايا الكبيرة "سيُنتج خطاباً مُؤدلجاً شبيهاً بكل شيء عدا الإبداع".
وتستشهد بما جاء في كتاب "رسائل إلى روائي شاب" الذي كتبه يوسا وترجمه إلى العربية صالح علماني، ففيه إشارة إلى أنّ الطريقة التي تتجسّد بها القصة، هي التي تجعلها أصيلة أو مبتذلة، عميقة أو سطحية، مُعقدة أو بسيطة، وهي التي تمنح الشخصيات الكثافة، والغموض، والاحتمالي، أو تحوّلها إلى كاريكاتيرات بلا حياة، أو دُمى يحرّكها مدبّر العرائس. فالموضوعات بحد ذاتها لا تفترض مُسبقاً أي شيء؛ لأنّها ستكون جيدة أو سيئة، جذابة أو مُملة، والأمر يعتمد على كيفية استخدام الروائي لها، عندما يحوّلها إلى واقع من كلام مُنظم وفق ترتيب معيّن".
وتعليقاً على رأي عدد من النقاد بأن كتاباتها تتسم بالجرأة رغم أنها تعيش في مجتمع محافظ إلى حدّ كبير، تقول هدى: "ربما حدث ذلك حقاً، ولكنني لم أكن أقصد الجرأة لذاتها. ليست هي تماماً ما أنشد"، وتضيف: "الكتابة ليست وسيطي للوصول للقضايا الأخلاقية والتابوهات المغلقة، وكسر العادات والتقاليد، بقدر ما هي بحث دؤوب عن الجانب المخبوء والمجهول من الشخصيات التي تحاول أن تُقدم جوهرها كما قد يفعل كائن حقيقي من لحم ودم".
وهي ترى أن الكتابة "طريق" كلما توغلنا فيه أكثر أوشكنا على إدراك مقصدنا منها، فـ "إن كنا في البدايات ننجرف وراء الجرأة والمواضيع المسكوت عنها للفت الانتباه، فإننا لاحقاً ننتبه لضرورة أن نُدرب إمكانياتنا وأدواتنا وألاعيبنا السردية؛ لأنّنا نُدرك أنّ امتياز الكاتب يكمن في الأسلوب أكثر من المواضيع المطروحة على قارعة الطريق".
وهذا الوعي بحسب هدى، "لا يعني بالضرورة أن يتحول المجتمع إلى شرطي يقمعُ ما نفكر فيه، لمجرد خوفنا من ردة فعله، وإنما يستدعي أن نفكر جدياً: هل نذهب للجرأة لأجل الإثارة المجانية، أم لأنّ لدينا ما نمرره ونقوله من وراء توظيفها؟!".
وتؤكد الكاتبة أنها ليست ضد الجرأة، خصوصاً عندما تمتلكُ مبرراتها ومنطقها الفني. فالكتابة هي "الحياة الموازية"، وكل ما في الحياة وفي رؤوسنا أيضاً "يمكن أن يمر عبر الكتابة، بعيداً عن أي تشنج أو ترصد أخلاقي هزيل"، رغم إقرارها أن الكاتب في المجتمعات العربية عليه أن يتوقع "كلفة عالية" قد يدفعها جراء ردات الفعل المختلفة.
من جهة أخرى، تؤمن هدى كثيراً بما ذهب إليه ميلان كونديرا: "ليس طموح الروائي أن يكتب أفضل من سابقيه وحسب، بل وأن يرى ما لم يروه، وأن يقول ما لم يقولوه"، وتشير إلى أن هذا هو هاجسها عند الكتابة، لكن الأمر لا ينصبّ على الموضوع بقدر ما ينصبّ على تقنية الكتابة، "فهناك كتّاب كثر يملكون حكايات فاتنة، ولكن قلّة منهم يتمكّنون من كتابتها بشكل جيد".
وتنتصر هدى في روايتها الأخيرة "سندريلات مسقط" للحكي. ولكن: هل يكفي الحكي لكتابة النص الأدبي، أو هل يمكن أن نكتب نصاً أدبياً مكتملاً في غياب الحكي؟ هذا ما تردّ عليه هدى حمد بقولها: "لقد تقصدتُ وبإرادة تامة ووعي ألّا تكون هنالك قضية كبيرة في هذا العمل. ربما لأني لستُ مُطمئنة كثيراً لانشغال الرواية العربية بشكل عام، بالمواضيع الكبيرة والقضايا ثقيلة العيار والتابوهات المغلقة، على حساب الاشتغال على إنضاج الحكاية والتعمق في رسم الشخصيات وفهمها والتوقف عن التعامل معها كأدوات تخدم فكرة ما في رأس الكاتب، فالشخصيات تحتاج إلى مخاض طبيعي لتعيش وتنمو، ومن ثم تحتاج إلى فهم ما يمكن تسميته (الواقعية النفسية) لتصبح أفعالها مُبررة ضمن منطق الرواية الخاص".
وتضيف في هذا السياق: "قلتُ في نفسي: ماذا لو لم تكن الرواية أكثر من نزهة؟ أكثر من ليلة؟ أكثر من ثماني نساء متحولات؟ أكثر من الحكي؟"، وتتابع: "كنتُ أرغب في أن أجرب نفسي. كيف يمكن لهذا اليومي والعابر أن يتحول لشيء مُلفت ومُشوق في آن، كيف يمكن للحكي أن يُحرك الحياة دون ملل. كيف يمكن للفنتازي الصاخب أن يمرق في الواقعي دون أن يصدمه أو يشرخه، وإنما يكشفان معاً عن انسجام غريب بينهما".
ولا تتردد الكاتبة في القول إن الرواية العربية "مُحتقنة" ويندسّ فيها كل شيء، ويُمرَّر عبرها كل ما لا يقال في السياقات الطبيعية الأخرى -كالمقال والتحقيق الصحفي والإذاعة والتلفاز والمسرح.. إلخ-، فعندما لا تفسح هذه القنوات ويجلدها الرقيب بـ "مقصاته الكبيرة"، تغدو الرواية فجأة هي المتنفس الذي يحتمل إمكانية التمرير والمراوغة والتحايل، ولذا "قلما نجد رواية عربية يذهب موضوعها للإمتاع أو التأملات -إلى جوار موضعها العميق والأصيل".
وتكشف أنها عندما كتبت "سندريلات مسقط" كانت تنشد رغبة واحدة: "الإمتاع"، ولو حققت "سندريلاتها" ذلك لكفاها، لكن هذا "لا ينفي وجود القضايا الصغيرة والكبيرة التي كانت تعبر من هنا أو هناك".
وتتابع هدى حمد بقولها: "لا أدري إن كنتُ أدركتُ غايتي أم لا، ولكني كنتُ أنتصر للحكي والخفة التي تترتب على إثره أكثر من أي شيء آخر.. فهذه الرواية تجسد ليلة سهر صاخبة بالحكايات وحسب. الحكايات العادية والبسيطة كما تبدو من الخارج وهي في الوقت نفسه بالغة الإيذاء، وكثيراً ما تتسبب في تدمير (السندريلات). والسندريلات هنا لسن كما يبدو لنا، أنيقات وجميلات وبالغات الرقة، إنّهن متحولات وحسب، وهن في بيوتهن شيء آخر تماماً".
وتوضح أن روايتها تستعير حكاية "السندريلا" الشعبية، لتؤثث عالماً روائياً جديداً تقعُ أحداثه في مطعم صغير مُطل على البحر في مسقط. غير أنّ "سندريلات مسقط" الثماني لم يخرجن بغرض البحث عن أمير، وإنما لمتع أخرى، حيث "تُدخلنا الرواية إلى أجواء فنتازية غير متوقعة، ولكن ما إن تبدأ بتفتيت حكايات الشخصيات، حتى نجد أنفسنا نصطدم بواقعية تُشبه اليومي والبسيط المعتاد من حياة النساء".
ففي هذه الرواية، هناك ثماني سندريلّات متأهبات للتحول والحكي الذي يمتد حتى تدق الساعة الثانية عشرة ليلاً، حيث يغدو الحكي هو المعادل الموضوعي للشعور بالخفة والتغلب على آفة النسيان. كما إنّ الطباخ "رامون" (في الرواية) هو المعادل الموضوعي للإصغاء الذي يفتقدنه. ويحدث كل هذا ضمن طقوس العشاء الشهريّ، حيث يتسنى اللقاء بين تلك النساء الهاربات من البيت والأزواج والأعمال التي لا تنتهي، لتحكي كلٌّ منهنّ تجربتَها ومأزقَها ومخاوفَها وصراعاتِها".
وكانت هدى حمد جمعت في روايتها "التي تعدّ السلالم" بين الشخصيات التاريخية والراهنة، لتقدم من خلالها مقاطع من تاريخ عُمان القديم والحديث، وعلاقة العُمانيين بإفريقيا، ولتقدم أيضاً قراءات نفسية/ اجتماعية للمجتمع، والعلاقات بين الناس فيه، ولا سيما علاقة الخادم بالمخدوم، والعكس.. وحول إن كانت تخشى أن يضعها هذا المنحى في خانة "الناشطة النسوية/ الاجتماعية" على حساب الأبعاد الفنية والإبداعية في الكتابة الأدبية كما أشارت إلى ذلك رؤيا نقدية تناولت الرواية، تقول هدى: "لقد خرج العمل من يديّ، لقد مِتُّ حقاً ككاتبة، ولستُ بصدد الدفاع عنه، ولكن عبارة (الناشطة النسوية) مُضجرة حقاً، وتصيبني غالباً بالغثيان، وأجد كثيراً من المتحفزين وأغلب النقاد خصوصاً، ليس لديهم ما يرشقون به الكاتبة قدر وضعها في كبسولة (النسوية)، رغم أننا ندرك أنّ الكتابة النسوية لا تعتمد على (الجندر)، وأن أي كاتب يمكن أن يكون نسوياً أيضاً".
وترفض هدى النظر إلى "النسوية" على أنها تهمة، ولكنها توضح بالمقابل أن "النسوية" ليست مشروعها حتى وإن كانت غالبية بطلاتها من النساء، وحتى لو كانت تصطاد التفاصيل بالغة الدقة والصغر لحياة النساء، وتقول: "العالم الذي أعي وأعرف هو عالم النساء. وكم أنا مأخوذة بكل تلك الأشياء التي تدار في الخفاء وتنمو في سياقات مُعتمة، وأعزمُ دوماً على إخراجها للنور"، لكنها تؤكد: "لا يحدث ذلك بنوايا مُبطنة في الأخذ بيد المرأة والانتصار لها ضد (العدو الأبدي.. الرجل!) لأنني لم أفترض يوماً أنه كذلك".
وتوضح هدى أن تجربتها مع رواية "التي تعد السلالم" كانت مختلفة تماماً عن سابقتها "الأشياء ليست في أماكنها"، لأنها قامت بإعداد فكرة الرواية في ثلاث صفحات، ثم أرسلتها إلى محترف نجوى بركات، وتمّ قبول فكرتها مع ثماني أفكار أخرى قُدمت من دول عربية مختلفة. وتشرح حيثيات هذه التجربة: "لأول مرّة أغادر الحالة الفردية للكتابة إلى الحالة الجماعية، ولأول مرّة أكتب عملاً أدبياً وسط أسئلة كثيرة تطلبت الإجابة عنها أن يكون العمل والشخصيات والأفكار متّضحة في ذهني قبل لحظة الكتابة الأولى. تطلبت أن تكون اللغة واضحة ومكثفة وثاقبة في آن. وقد تعلمتُ لحظتها أن لدى كل واحد منا حكاية بالأكيد، ولكن ما يُميز الكاتب هو الأسلوب، هو (كيف يكتب هذه الحكاية)".
وتقول هدى بكثير من الثقة: "منذ كتابة هذه الرواية، انتهى زمن التعامل مع الكتابة كحالة عاطفية تؤججها شياطين الكتابة والجن، وبدأ زمن التفكير والمراس والمزاولة الدائمة للكتابة".
وتدور أحداث "التي تعدّ السلالم" في مسقط؛ بين "زهية" التي تُعامل العاملات مُعاملة استعلائية، وتُغيرهن كما تُغير أحذيتها الثمينة وحقائبها الجلدية، ولكن عندما يُلقي بها القدر في علاقة جديدة مع عاملة أثيوبية، بعد أن كانت تستقدم الفلبينيات والإندونيسيات والسريلانكيات، تقع "زهية" في فخ أحلام العاملة الأثيوبية "فانيش"، فلا تستطيع أن تتخلص منها. "هكذا، ومن دون مُقدمات كثيرة، تنقلبُ علاقة المرأة الصارمة الجادة كثيرة التذمر بخادمتها، فتختلّ موازينُ القوة والضعف بينهما بسبب امرأة ثالثة ترغبُ بالانتحار، وعبر هذه الأخيرة تتكشف أسرارُ زهية وفانيش معاً، وتتغير مواقع اللعبة بينهما. فيما كان زوج زهية يكتب هو الآخر روايته عن زنجبار، عن أمه الإفريقية التي لم يبقَ منها سوى (الليسو) مخبأ في خزانة والده غير القادر على نسيانها، وعبر هذه المرأة المنسية يتكشف جزء من تاريخ عُمان المهمل (على الأقل من الناحية الاجتماعية لحياة العمانيين في زنجبار)، وقصص أخرى مرّت من دون أن ينتبه لها أحد".
وتنهض هذه الرواية بحسب ما توضح هدى، على ثلاث حكايات منفصلة ومتداخلة ؛ قصة المرأة المتغطرسة والمتعالية "زهية" التي تعاني من وسواس النظافة والقرف، وقصة الزوج العماني "عامر" وأمّه الأفريقية التي لم يلتقِ بها ويذهب إلى زنجبار ليبحث عنها ليكمل حكايته الناقصة، وقصة العاملة الاثيوبية "فانيش" التي اضطرت لدخول الإسلام وتحمل عبء أحلام سيدتها، لكيلا تفقد لقمة عيشها".
ووفق ما يرى نقاد، فإن هدى حمد بدت في مجموعتيها القصصيتين "ليس بالضبط كما أريد" و"الإشارة برتقالية الآن"، أكثر تحرراً من جماليات اللغة، موجهةً اهتمامها للفكرة، وهي توضح رأيها في هذه المسألة باستدعاء مقولة للشاعر بيلي كولينز في كتابه "الحكاية وما فيها": "يصل الكاتب منَّا إلى أسلوبه بتعلُّم ما ينبغي حذفه. في البداية نميل للإسهاب في الكتابة، نميل لزخارف اللغة بدلاً من الرؤية والبصيرة، ثم إمَّا نستمرّ في كتابة لغوٍ فارغٍ، وإمَّا أن نتغيَّر".
وهي تلفت إلى أن المرء يكتشف ما يُسمَّى "صوته الخاص" في سياق عملية تبسيطه لنفسه، وأن ما تحاوله في كتاباتها ليس التحرر من جماليات اللغة، وإنما اكتشاف اللغة والقبض عليها بحيث تكون جوهر الكتابة، لا مجرد زخرف أو أداة ووسيط. فالكاتب "ليس الحكاية المدهشة بالتأكيد، لأنّ كثيراً من العامة يملكون حكايات مدهشة. الكثيرون يملكون لغة ويستعملونها لتمضية الحياة، لكن الكاتب يتعاطى معها بشكل خاص جداً".
وبوصفها تعمل في المجال الصحفي، ترى هدى أن الفرق بين لغة الصحافة المباشرة التي ينبغي أن تصل إلى أغلب المتعلمين الذين يملكون الحد الأدنى من القدرة على القراءة، وبين لغة الكتابة أو الصوت الخاص كما أشار كولينز، هو أشبه بالفرق بين أن تقول للقراء شيئاً عمّا يدور حولهم (كما يحدث في عالم الصحافة)، أو أن تدفع بهم لأن يعيشوا في الحياة التي تخترعها (كما يحصل في الكتابة). وهي لا تنكر أنّ أيّاً من هاتين اللغتين قد تضر بالأخرى، ولكن الوعي بذلك يُسعف الكاتب.
وعن كيفية تأثير عملها في الصحافة على كتاباتها الأدبية، سواء لجهة المواضيع التي تناقشها أو التقنيات الكتابية، تقول هدى: "لقد تلبستْ مقالاتي بلغة القص، وتلبستْ قصصي بالجمل الصحفية المباشرة، ووجدتني أقع في فخ اللغة، لكن الوعي بالوقوع أنقذني، فأقمتُ الأسيجة المتينة بين المجالين، وربما من حسن الحظ أنني غادرتُ العمل الصحفي اليومي -المحرقة الكبرى للكتابة- لصالح العمل في مجلة (نزوى) الثقافية، التي تُوفر لي بيئة أنسب للقراءة المختلفة غير الاستهلاكية والكتابة المتأنية في آن".
وحول الخطوة التي قامت بها وأثارت انتباه الوسط الثقافي، والمتمثلة في إسقاط اسم القبيلة الذي ظهر مجاوراً لاسمها على أغلفة كتبها الأولى، تقول الكاتبة هدى حمد: "قد يبدو الأمر شكلياً واعتباطياً، ومن جهة أخرى أظن أن الأمر لا يعني أحداً سواي"، وتضيف: "اتخذتُ القرار في وقت كنا نظن ونراهن فيه على أنّ الوطن العربي يتغير (2011)، وفي غمرة الأحداث قلتُ في نفسي: لن ينتبه أحدٌ للأمر. سيمر بسلام!".
وتتابع هدى بقولها: "الحقّ أنني كنتُ أتعمد إسقاط الحنين. الحنين الذي تحدث عنه علي المزروعي ضمن أحد الكتب التي سيصدرها قريباً الزميل أحمد المعيني"، ومنه: "كثيرٌ من المجتمعات التقليديّة -بطبعها تقريباً- ثقافاتُ حَنينٍ، لا ثقافات تَشَوُّف. تُثَمِّن هذه الثقافات العُرْفَ والتقاليد والسَّلَف، بدلاً من الاستعداد لما سيأتي بعد الغد.. والثقافاتُ التي تحبّ السَّلَفَ تميلْ إلى حبّ ذوي القربى عموماً؛ إذْ لا يقتصرُ التبجيلُ على الجدّ الأكبر فحسب، بل يمتدّ إلى أجداد الأجداد، والأطفال، والأحفاد، وأحفاد الأحفاد. وهذا الشكلُ من التضامن القُرْبَويّ له تأثيراتٌ على إمكانات التطوّر".
هذا القرار وإن بدا شكلياً، توضح هدى أنها اتخذته لأنها عندما تكتب، تحبّ أن تستدعي حالتها الفردية بكل هوسها وجنونها، وبمعزل عن تبني "الحالة القطيعية". وتضيف: "لا ضرورة لأن يشعر أحدهم (كردة فعل على ما يُكتب) بالفرح والابتهاج أو الخزي والعار لمجرد أننا فرع لأصل واحد، وحنينُنا هو حنين واحد؛ لأن الأمر ضمني وعلى هذه الصورة، ينطوي على دعوة مُبطنة لضرورة أن نتشابه، ونصبح جميعاً قطعاً من (البازل) مهمتها أن تكمل اللوحة نفسها في كل مرّة. وكم يبدو هذا الأمر مملاً بالنسبة لي".
بتبسيط أكثر، والحديث لهدى، فإن قرار إسقاط اسم العائلة المجاور لاسمها "انتصارٌ للحالة الفردية لحظة الكتابة. تلك الفردية التي تمنح أحدنا القدرة على التخفف من صوت الجماعة وقوانينها ومُثلها ورغبتها الأزلية في التشابه".
ولهدى حمد رأيٌ في الجوائز، هي التي نالت روايتها الأولى "الأشياء ليست في أماكنها" المركز الأول في جائزة الشارقة للإبداع العربي (الإصدار الأول) في عام 2008، وجائزة جمعية الكتاب والأدباء العمانيين كأفضل إصدار في العام نفسه. إذ تعتقد أن الجوائز "لا تخلو من حسابات كثيرة، وبعضها ربما لا علاقة له من قريب أو بعيد بالنزاهة"، وإن كانت تقرّ أن أفضل ما قد تقدمه الجوائز للكاتب إلى جوار المبالغ المالية، هو التسويق الجيد ولفت أنظار النقاد والقراء إلى الكتاب.
وعند الحديث عن المشهد الثقافي في السلطنة، تصفه هدى بـ "الغامض بعض الشيء"، وتستدرك بقولها: "رغم أنّنا نحتاج لتفعيل دور المؤسسات الخاصة والحكومية ومؤسسات المجتمع المدني على وجه الخصوص، إلا أنّ هذا لا يمنع أن يكون الكاتب بخيرٍ بمعزل عن كل هذا أيضاً. يمكن للكاتب أن يكون بخير في عزلته. وإن كنت في عُمان تعجز عن الوصول إلى مكتبة جيدة مع فنجان قهوتك، فعليك أن تشكر الله، لأنّك وُلدت في زمن يُمكنك فيه أن تطلب الكتب بضغطة زر فتصل الكتب إلى بيتك، ويمكنك أن تحضر فعاليات ثقافية وبرامج تبث عبر الانترنت في العالم".
وهي ترى أن الكاتب لم يعد بحاجة إلى مؤسسة تساهم في نشر كتابه، إذ يمكنه أن يصل للقراء بفضل القرية الكونية وذكائه التسويقي، وقبل هذا وذاك بفضل كتابته الجيدة".